ان كان لي من نصيحة متواضعة اسديها للسعودية فهي ان تاخد تصريحات وتهديدات عبد الملك الحوثي على محمل الجد.
وانا وان كنت إرجو إلا تذعن امام هذه التهديدات الرعناء وتعكس التهديدات تجاه الشرعية وتطلب منها الانتحار على منصة السياسية البنكية فلن أسرف في تحذير السعودية من حماقة الحوثي ومن خطره على امنها ومستقبلها فهذا ليس اكثر من سفه لمن يفعل ذلك. اذ بفعلته يرى السعودية اقل رشدا من ادراك محددات امنها الوطني وتنتظر تحذيراته.
السعودية بلد كبير بحجمه ومصالحه واستطاع ان يجد له مساحة مائزة على خارطة القوى الدولية. ومن الحماقة ان يقفز يمني - مشرّد جائع غير امن في الغالب - يعطي دروسا في امن السعودية وكيفية مجابهة المخاطر وكانها خزانة اموال متروكة على قارعة الطريق.
للسعودية حساباتها الخاصة وعقولها ومستشاريها وتقديراتها للامن والمخاطر ورسم طريق العبور بسلام كما في كل مرة ومعرفة الثمن المناسب.
مع هذا الحوثي - ليس لانه يمتاز بصفات النبلاء فاذا قال فعل وقبل ان يقول يزن قوله ويحبس لسانه. بل العكس. الحوثي هو عبارة عن ماكينة دعائية لا تتوقف عن والكذب وحرف الوقائع والتلاعب بالقضايا والقيم.
وهو وان هدد السعودية فانه يطلب الثمن من اليمنيين ومن الحكومة اليمنية. وهذا ربما ما يجهله الكثيرون حين ينبرون للدفاع عن السعودية.
ولهذا تحديدا يجب ان تؤخذ أقواله على محمل الجد لانها في نهاية المطاف تقود اليمن من كارثة إلى اخرى ومن جحيم إلى آخر وتراهن بحاضر ومستقبل اليمنيين.
لم يستفد احد من الحرب والمأساة الفلسطينية والغزاوية كما فعل الحوثي فقد قفزت به من فاعل محلي متمرد على الشرعية إلى مقارع لأمريكا وخانق للتجارة العالمية في البحرين الأحمر والعربي واصبحت له شعبية عربية تجرأ معها إلى القرصنة على طائرات مدنية. يحسبهم سيقولون : ما ضر الحوثي بعد اليوم.
وهذا الوضع الجديد يعني ان يصبح الحوثي هو الذراع الاقليمية الاقوى لإيران متجاوزاً القوى العراقية بل ومتعالياً على حزب الله الذي كان وكيلاً حصريا للإرادة الإيرانية وتحت جلبابه تربت وتدربت القوى الحوثية . عودوا إلى تصريحات العجري في مجلة ذا أتلانتك ومقابلته مع الصحفي الأمريكي وروبرت وورث.
الطريف ان الحوثيين من داخل سلطنة عمان يعلنون موقعهم في المنطقة.
هذا التضخم الحوثي المدعوم بتقنية اسلحة صاروخية هو بالتأكيد برميل البارود التي سيفجر اليمن واليمنيين. لكنه ايضا حصيلة تراخ امريكي وحسابات أمريكية تحجم -لحسن الحظ ربما - عن الدخول في حرب في اليمن. يقول الحوثي في سريرة نفسه: لطالما لم تفعلها امريكا خوفاً من الفشل وغياب جدوى خوض حرب في جبال اليمن فمن سيفعلها اذن؟
وهكذا ينصب نفسه حارس الممرات ويضع شروطه لتقويض - بتهديد دول الجوار - أي قوى مناوئه له في اليمن.
قفز نفر من اليمنيين في تدشين حملة مضادة لتهديدات الحوثي تقلب التهديد الحوثي ترجياً تجاه السعودي.
لعلمي ما قد عرف العالم تأويلاً كهذا. فمن اي طينة جبلت عقول هؤلاء!؟
هم ومثل الحوثي، يتجاهلون حقيقة ان ملف الهجرة بالنسبة للسعودية هو ملف سياسي من الدرجة الاولى. وأسهل ردود السعودية تقع في ملف الهجرة. سبق وفعلتها قبل ثلاثين سنة. حينها كان صالح اقل رعونة من الحوثي لكن الشعب اليمني تجرع مر سياسات صالح والسعودية.
مع هذا وعلى ضوء خارطة الاغتراب اليمني إلى السعودية فان المهاجرين اليمنيين ينتمون في أغلبهم إلى مناطق سيطرة الشرعية بل ان الحوثي لا يعيرهم حساباً.
وهذه ورقة تالفة ايضاً.
يهدد الحوثي السعودية لتفرض على الشرعية التراجع عن اجراءاتها الاقتصادية والقبول بخارطة طريق صممت لصالحه.
وغدا سيتوقف عن تهديد الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي مقابل الاعتراف به وطي صفحة الشرعية دولياً.
لقد وجد الحوثي الصيغة الملائمة للسيطرة على اليمن والحصول على الاعتراف. لا داعي للمواجهة المفتوحة مع القوى الشرعية طالما وهي مقيدة بقوى اقليمية.
الهدنة ملائمة له لبناء قوة وتحشيد واستجلاب مساعدات وأموال. والشرعية ستخضع له عبر الجيران. هذه نتائج ومزايا الهدنة كما يفهمها الحوثي؛ تخفيف من حدة الضغط العسكري وتخصيص الموارد للتطوير الحربي.
لكن من يدري فقد ينهار هذا الهدوء كحل لمعالجة هذا التضخم في الدور والاشتراطات.