ليست أول مرة تتحرك الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن «هانس غروندبرغ» لانقاذ الانقلابيين الحوثيين في اللحظات الأخيرة قبل أن يحاط بهم ، وفي كل مرة يحظر «الشأن الإنساني» كمبررٍ جاهزٍ ومكررٍ حد الملل ، وكلنا نتذكر معارك «نهم» و «الحديدة» ومؤخراً أثناء مواجهة سياسة الحزم الاقتصادية التي أدارها البنك المركزي بعدن ، بالإضافة إلى كثير من الأحداث والمواقف التي بدت فيها الجماعة الانقلابية ضعيفة واهنة توشك على الرضوخ لمقررات السلام وشروطه مجردة من أسباب البقاء ليتدخل المجتمع الدولي سواء عبر القوى الكبرى المؤثرة أو عبر المبعوث الأمني لإنجاز عملية انقاذ عاجلة ومشبوهة لهذه الجماعة ، والأسوأ هو ما يترتب على مهمات الانقاذ من زيادة لعمر الانقلاب وزيادة للضريبة التي يدفعها اليمنيون ، وتشمل كل جوانب حياتهم الانسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
كيف يمكننا التصديق بزعم «الحياد» الذي تحاول الأمم المتحدة تصدير ذاتها به في حين أن كل سلوك مبعوثبها المتتاليين انحصر في إنجاز مهمات الانقاذ للانقلابيين الحوثيين كلما التوى الحبل على رقابهم ، وتعدّى ذلك بدعمهم مادياً وسياسياً واقتصادياً ، والضغط على الحكومة الشرعية لتقديم التنازلات تلو التنازلات دون إلزام الانقلابيين بشئٍ يذكر ، مع أن هذا كله يتنافى مع القرار الدولي (2216) الذي يصنفهم كجماعة مسلحة خارجة عن القانون ، ويلزمهم بالتراجع عن جميع الإجراءات والأفعال الانقلابية وتسليم السلاح والعودة إلى مقررات السلام ومرجعياته الثلاث الذي أجمع الداخل والخارج انها تشكّل أنجع خارطة طريق ستصل باليمنيين إلى بر الأمان .
داخلياً فإن الالتفاف والتأييد الشعبي الذي حصدته قرارات البنك المركزي الأخيرة يضع قيادة الشرعية أمام تحدي خطير وفي وقت حساس ويتمثل بالمضي بسياسة الحزم الاقتصادية التي يعوّل عليها اليمنيون كثيراً في إحداث تغيير سياسي واقتصادي في البلد ، وخاصة في الجانب المعيشي الذي تدهور نتيجة ممارسات الانقلابيين لصناعة اقتصاد موازي وتقسيم سوق العملة ، ومنع تصدير النفط والغاز ، واحداث فوضى في الممرات المائية ، وما ترتب على هذه الأعمال من تراجع مخيف للقدرة الشرائية للعملة المحلية ، وهذا كله أرهق المواطن اقتصادياً ومعيشياً وخاصة أنّه ترافق مع ضعف أو غياب السياسات البديلة من قبل مؤسسات الشرعية خلال العشر السنوات الماضية .
على المستوى الشعبي تمثل القرارات الاقتصادية الأخيرة بارقة الأمل للمواطن الذي اكتوى على مدى عشر سنوات عجاف بنار الغلاء والتضخم وانعدام الأمن الغذائي وصعوبة الوصول إلى متطلبات العيش الأساسية ، وستكون ضربة قاسمة للظهر إن رضخت الشرعية لضغوطات التراجع عنها ، كما أن هذه القرارات تحقق مكسباً سياسياً بما تحصده من إجماع رسمي وشعبي ، وتمثل فرصة سانحة للتأكيد على وحدة مكونات الشرعية واضطلاعها بصلاحياتها الدستورية والقانونية ، والتي ستكون بالتأكيد كفيلة بالقضاء على هذه الجماعه الإرهابية بوقت أسرع وبتكلفة أقل .
المؤكد أن كل مهمة ينفذها «غروندبرغ» لإنقاذ الحوثي ومراضاته والتماهي مع انتهاكاته تعني استمرار الانقلابيين في تدمير الوطن أرضاً وإنساناً واقتصاداً برعاية الأمم المتحدة والقوى الكبرى التي تتحكم في قراراتها ، كما تعني المزيد من المعاناة الإنسانية لليمنيين في كل المحافظات والتي يفرضها استمرار الانقلاب وليس الضغط لإنهائه ، وتلك الحقيقة الأهم التي تحاول المنظمة الدولية تجاهلها والقفز عليها .
دمتم سالمين .