الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

كلام صريح بشأن ارخبيل سقطرى اليمني

كشف مندوب اليمن الدائم لدى اليونسكو الدكتور محمد جميح عن أن لجنة التراث العالمي التابعة للمنظمة فتحت تحقيقاً بشأن سقطرى من شأنه أن يعيد تصنيفها كتراث إنساني معرض للخطر بسبب "الاستثمارات الإنشائية والتوسع العمراني المخالف، وعمليات الصيد المكثفة، وإدخال نباتات من خارج الجزيرة أثرت على الحياة النباتية".

 

تصريح كهذا فتح الباب واسعاً للنقاش في اليمن، وهو نقاش يحيل دائماً إلى المخاوف التقليدية من الدور الذي تقوم به الإمارات العربية المتحدة في محافظة أرخبيل سقطرى الواقعة على المحيط الهندي، والدليل القوي على الممتلكات الجغرافية لليمن في أعالي البحار.

 

لنأخذ نفساً ونناقش الأمر بهدوء، ليس كل ما تقوم به الإمارات وستقوم به في سقطرى شر مطلق، كما أنها ليست اللاعب الوحيد الذي قد يطوي نوايا غير حسنة تجاه سيادة اليمن على أرخبيل سقطرى، خصوصاً إذا تعلق الأمر بمخططات النهوض العمراني في مجتمعات الجزيرة النائية والبدائية إلى حد كبير.

 

لا يجب علينا كذلك أن نبدي هذه الحساسية المفتقدة إلى الحس الاستراتيجي، تجاه النشاط العمراني في سقطرى، هذا النشاط ليس جديداً ، فالحكومة اليمنية المركزية كانت قد قامت بأهم المشاريع الاستراتيجية في سقطرى والمتمثل في المطار بمدرج هو الأطول من نوعه على مستوى اليمن، وتطوير ميناء حولاف، وباشرت الحكومة بعد حرب صيف 1994 بإنشاء أول شبكة طرقات حديثة في جزيرة سقطرى كبرى جزر الأرخبيل، وتم إنشاء بنية أولية مدنية تشمل مرافق مختلفة وفنادق.

 

ارتكزت فلسفة الأمم المتحدة على مبدأ المحافظة على جزيرة سقطرى كموئل طبيعي يحوي نباتات نادرة، ووقف النشاطات الإنسانية الحضرية المهددة لهذه البيئة.. لقد كنت أحد المتحمسين لهذا المبدأ وشاركت في بعثة منظمة "أردكوبا" الفرنسية التي زارت سقطرى في نهاية خريف 1996، لأكثر من شهر وأنجزت دراسات ميدانية برية وبحرية وأفلاماً وثائقية، وجرى التركيز بشكل خاص على مادة الإسفنج الطبيعي في إطار مساعي شركات التجميل للاستفادة من منتجات البحر الطبيعية وكانت البعثة ممولة من إحدى أكثر هذه الشركات نشاطاً في مجال صناعة مستحضرات التجميل من مصادر طبيعية.

 

تسارعت الخطى منذ التسعينات لضم سقطرى إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو، كمحمية محيط حيوي، وهي نوع من المحميات التي تتداخل فيها الحياة البشرية مع البيئة الطبيعية تداخلاً يتسم بالتكامل وعدم الإضرار.

 

 وبالفعل تم تصنيف أرخبيل سقطرى عام 2003 كإحدى المحميات الطبيعية الحيوية، وأدرجت عام 2008 كأحد مواقع التراث العالمي نظراً لتنوعها البيولوجي الحيوي الاستثنائي الفريد واحتوائها على 253 نوعاً من المرجان الباني للشعب و730 نوعاً من الأسماك وثلاثمئة نوع من السراطين والكركند والإربيان..إلخ.

 

قرار اليونسكو كان قد سبقه صدور القرار الجمهوري رقم 75 لعام 2000م والذي تم بموجبه تقسيم أرخبيل سقطرى إلى 27 محمية بحرية و12 محمية برية. وقبل عامين أعلنت الحكومة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7 لعام 2022م منطقة فرمهن محمية برية ومتنزهاً وطنياً، وهي منطقة تضم أعداداً مهمة من شجر دم الاخوين الفريدة من نوعها، ليرتفع عدد المحميات البرية إلى (13) محمية برية. 

لقد تم تأطير أرخبيل سقطرى بشكل مبالغ فيه كمحمية فريدة حيث اعتبرت قمة الأرض المنعقدة في مدينة ريودي جانيرو البرازيلية العام 1992م سقطرى ضمن تسمع مناطق عالمياً لاتزال بكر لم تصبها أي عمليات تشوية.

 

لقد تعرض اليمن في تقديري لخديعة كبرى، ويمكن القول إلى الحكومات اليمنية بدء من الرئيس علي عبد الله صالح تمالأت مع المخططات العالمية لتحييد أرخبيل سقطرى، مع الاعتراف بأن الرئيس صالح عمل ما بوسعه لتسهيل وصول الدولة إلى هذه المنطقة الحيوية، عبر البنية التحتية الضرورية التي تم إنجازها في عهده، وفي مقدمتها المطار والميناء والتغلب على العوامل الطبيعية من رياح وأعاصير كانت تكرس عزلة الأرخبيل وتقيد حركة اتصال البر اليمني به لفترة تصل إلى عدة أشهر من السنة.

 

لدوافع جيوسياسية هناك قوى عالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة حرصت على إبقاء سقطرى موقعاً احتياطياً أو على الأقل تحييده عن أي تأثير على حركة الملاحة الدولية وعلى مخططات فرض الهيمنة. وتزايد اهتمام الولايات المتحدة بالأرخبيل مع نمو توسع النفوذ التجاري الصيني الذي عبر عنه مشروع الحزام والطريق. ويجب أن نتذكر أن وفداً من مجلس الشيوخ الأمريكي قام برحلة مثيرة للجدل بطائرة عسكرية من بغداد إلى سقطرى، ثم قام بعدها ولإسقاط العتب، بزيارة خاطفة لصنعاء ولقاء الرئيس صالح، كان ذلك في 2009، وهو سلوك يشير إلى النوايا الأمريكية تجاه سقطرى.

 

في موضوع أرخبيل سقطرى تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كلاعب غير محبوب بالنسبة لليمنيين ويطوي نوايا سيئة وربما صريحة للاستحواذ على محافظة أرخبيل سقطرى، ويتكئ على أكثر من أربعين سنة من التواصل الاجتماعي والهجرة الديموغرافية لسكان الأرخبيل إلى دولة الإمارات بحثاً عن لقمة العيش.

 

مثلت الإمارات طيلة العقود الماضية الشريك التجاري الأكبر والأهم لسقطرى، وكان ذلك يتم عبر تجار الأرخبيل أنفسهم، ومعظمهم يحمل الجنسية الإماراتية، نمت مع العلاقات التجارية وشائق وعلائق اجتماعية ومشاعر مليئة بالامتنان، وقد مس هذا في العمق الصلة التاريخية للأرخبيل مع البر اليمني والبر العماني معاً، حيث تتوفر العلائق التاريخية واللغة والعادات والتقاليد والارتباط الجيوسياسي.

للأسف كان بوسع الإمارات أن ترعى تجربة نمو فريدة في سقطرى لو اختارت المدخل المناسب، ولم تتوشح القوة والإسناد الأمريكي وذريعة مكافحة الإرهاب لكي تسطو على محافظة أرخبيل سقطرى بقوة "الذراع" كما يقال. كان يمكن أن تبني شراكة تحترم الانتماء التاريخي لهذا الأرخبيل وتتقاسم مع اليمن فوائد لا حصر لها من جراء نهضة الأرخبيل التجارية والسياحية.

 

قد يبدو ذلك منافياً للقواعد البيئية الصارمة التي رسمها لنا الرجل الأبيض عبر الأمم المتحدة، ولكن دعوني أوضح لكم أن مصالح اليمن العليا، تقتضي التفكير بشكل مختلف، وهو العمل على بناء مصالح اقتصادية وتجارية وعمرانية راسخة في أرخبيل سقطرى وإنشاء أكبر سارية للعلم اليمني في الأرخبيل، من أجل ضمان بقاء هذا الجزء الحيوي ضمن الجغرافية اليمنية غير القابلة للتصرف.

 

قد يكون الرئيس هادي سبباً في عدم بناء تفاهمات إيجابية مع الإمارات بشأن سقطرى، حيث سرَّب أنه رفض طلباً إماراتياً باستئجار الأرخبيل لمدة مئة عام، وأنا أشك في رواية الرئيس، الذي تتوفر بشأن خيانته لليمن عشرات الأدلة. لقد كان الأمر أكبر من إرادة وتصرف هادي لقد كان صراعاً إقليمياً خفياً لا يقبل الرحمة حول اليمن تداخلت فيه عدة دول في منطقتنا، وبدت فيه الدوافع الأنانية المستهينة باليمن صارخة ولا تحتمل.

 

 أراد الرئيس هادي بأنانية قاتلة أن يبدو حريصاً على اليمن ومنافحاً عن سيادته، ولكن الحقيقة هو أنه كان ينفذ إملاءات السعودية التي رغم شراكتها الظاهرية مع الإمارات في حرب اليمن إلا أنها لم تكن لتقبل أن تحوز الإمارات مزايا جيوسياسية ثمينة في منطقة حيوية كبحر العرب وخليج عدن والمحيط الهندي، وتتيح لها فرصة بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع واشنطن تعزز من مركز الإمارات الإقليمي.

لهذا أوعزتْ لرئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر وحكومته بالتصعيد ضد الإمارات التي كانت قد احتجت على زيارة لرئيس الوزراء في الرابع عشر من مايو/ أيار 2018، واعتبرته استفزازاً لها وإجهاضاً لمساعيها في الأرخبيل.

 

لقد دفع بن دغر الثمن سريعاً وتمت إقالته بشكل مهين باسم رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي نفسه، بعد أن نجحت السعودية في إنجاز تسوية ذكية مكنتها من إرسال قواتها إلى سقطرى باسم قوات الواجب (808)، وتوالت قرارات الرئيس هادي التي فككت قوات الجيش اليمني في الأرخبيل وأقالت السلطة المحلية التي بقيت على ولائها لرأس السلطة الشرعية المتواجد في الرياض، وسمحت قرارات هادي باستقدام ميلشيات تتحكم بها الإمارات إلى الأرخبيل لتصبح المحافظة أبعد ما تكون أن أية سيطرة حقيقية للدولة اليمنية بفعل القرارات السيئة للرئيس المعزول عبد ربه منصور هادي. 

 

لهذا أرجو أن نفكر ملياً في كيفية بناء مواقف بناءة تجاه التطورات في سقطرى، ويجب أن نكف عن شيطنة الإمارات لأن من شأن هذا أن يغطي على ممارسات سيئة أخرى خارجية وداخلية كشفت عن وجود أشخاص لديهم الاستعداد للمتاجرة بالتراب الوطني دون أن يرف لهم جفن.

 

محافظة أرخبيل سقطرى جزء أصيل من اليمن، لن ينال من هذا المبدأ دعاوى أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المثيرة للشفقة، وإذ علينا أن نبني وعينا الخاص بشأن اليمن وسلامة ترابه الوطني، فإنه لا يجب أن نعول على السلطة الشرعية الحالية، لأن مجلس القيادة الرئاسي للأسف، جاهز لخذلان الجميع، تماماً كما فعل بشأن القرارات المالية السيادية الحكيمة والشجاعة لمحافظ البنك المركزي، حيث سمح بإبطالها ومنح الجماعة الانقلابية فرصة أخرى لتأكيد أنها تمضي على خط الانتصار الكامل على الشعب اليمني.