خروج "الشياطين الحُمر" من بطولة أمم أوروبا الأخيرة شكل واحدة من أكثر اللحظات إحباطا على الصعيد الشخصي. ملامح الحزن التي تبدّت على محيّا مروّض الكرة الأجمل في الملاعب الأوروبية "كيفن ديبروين" تخلع القلب من مكانه؛ وإذا ما أخذنا في الاعتبار كوني عاشقا لكرة القدم، فلا مفر من الإعتراف بأنه ليس هناك ما هو أصعب من أن تشهد خروج منتخبك العالمي المفضل من بطولة دولية لا تعود سوى كل أربع سنوات.
لقد بدأ ولعي بالمنتخب البلجيكي منذ كأس العالم 2014 حين بدأت ملامح فريق تاريخي بالتشكل، ولم أستطع بعد ذلك مقاومة إغراء الذهاب بشغف كبير خلف فريق لا يُصنف ضمن الصف الأول للمنتخبات الأوروبية، لكنه كثيراً ما لعب أفضل من الأفضل؛ ومع الوقت أصبح حماسي لهذا الفريق يوازي حماس أي مشجع بلجيكي.
مرافقة هذا المنتخب من خلف الشاشات خلال ثلاثة كؤووس عالم، وثلاثة بطولات يورو، والشعور بالمرارة التي كانت تتركها تعثراته المتتالية، كل ذلك خلق لدي إحساساً بالرفاقية مع الجمهور البلجيكي؛ ثم ما لبثت هذه العلاقة أن تعدت عالم كرة القدم مع توسع معرفتي بالبلجيكيين، عبر القراءة والمشاهدة، وإعجابي باللطافة الشديدة التي يتمتعون بها، وبروعة البلاد التي صنعوها وصنعتهم.
عندما أتأمل هذا الأمر، لا أملك إلا أن أشعر بالعجب كيف أن القدم الساحرة لكيفن دي بروين بشكل خاص لم تجذبني فقط لتشجيع بلجيكا داخل المستطيل الأخضر، بل كانت شرارة لإيقاد شغف غير محدود في داخلي نحو هذه البلاد بأهلها، وأرضها وتاريخها، حتى أصبحت زيارتها واحدة من أعز الأماني لدي.
وللأسف، فإن تحقيق هذه الأمنية قد تعثر خلال السنوات الماضية بسبب ضغوط العمل؛ لكنني أعتقد أن الوقت قد حان أخيراً لجولة ممتعة داخل حدود هذه الجغرافية الساحرة التي تضم مزيجاً مذهلاًمن التضاريس الساحلية والجبلية، كما هو حال اليمن.
لقد حان الوقت لمصافحة بعض الأيادي التي لطالما رأيتها من خلف الشاشات وهي تلوح لذات الفريق الذي كنت بدوري ألوح له بكل حرارة من منزلي في مدينة تعز اليمنية على بعد آلاف الأميال من الملعب .
أنا على ثقة أن كرة القدم ستنصف منتخب بلجيكا مستقبلاً، وأن الذهب الذي كان يستحقه هذا الجيل اللامع في أكثر من مناسبة وتمنّع عليه ظلماً سيأتي معتذراً في نهاية المطاف، ولو بأقدام جيل جديد تشرب الطموح والإبداع من هذا الجيل.
لكن حتى يحين ذلك الوقت، هناك أحلام أخرى مستحقة التحقق ، وآمل أن يحالفها حظ أفضل في أقرب وقت ممكن، مثل زيارتي لمسقط رأس العبقري كيفن دي بروينه في "درونجن"، والتجول في الأماكن التي شكلت هذه الحكاية الملهمة في عالم كرة القدم.
إن حماسي في توهج متصاعد، وها أنذا من شرفة منزلي أتأهب لاعتلاء أي موجة ريح، كي تسافر بي نحو تلك الميادين والحقول التي صقلت مهارات هذا الساحر البلجيكي، والتقاط الكثير من الصور هناك.