تكبر ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كل عام في أعين الشعب اليمني، وتكبر معها نزعة التحرر من قيود الإجرام السلالي، ويحاول الحوثيون أن يبيدوا ذكرى الثورة من ذاكرة الناس، لكن ذكرى سبتمبر تثبت أن تلك الثورة شجرة عميقة الجذور، مهما حاول البعض اقتلاع أفرعها وجذوعها تظهر أغصانها ثانية بدون أن تأبه للعابرين على ترابها.
في السنوات الأخيرة يطغى احتفال اليمنيين شعبياً بهذه الذكرى على الاحتفالات الرسمية، وهي رسالة تبرز أن مبادئ ثورة 26 سبتمبر تظل حاجة الإنسان العادي قبل غيره، وأنها ملجأه بعد أن حاولت الجماعة الإجرامية إلغاء تلك المبادئ مبنى ومعنى.
تزدان وسائل التواصل الاجتماعي بأصوات أبناء وبنات اليمن وهم يقرأون بيان الثورة وإعلان الجمهورية الذي قُرئ ليلة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في العام 1962، إنها حركة شعبية جديدة لأول مرة يتم تنفيذها، وتعد هذه الحركة بمثابة استعادة لتفصيل مهم في تفاصيل الثورة المجيدة، ونزعة تتنامي بين الأجيال، حيث لوحظ أن البيان يتم قراءته أمام الكاميرا من الأطفال أيضا، وهذا التعبير الجديد على الساحة اليمنية يعزز تعدد الثقافة السبتمبرية، والابتكارات المقاومة لحصار الحوثي على المظاهر الاحتفالية، والتي وصل الأمر فيها لاعتقال من يرفعون علم الجمهورية في شوارع صنعاء كما حدث العام الماضي.
هذا العام بدأت المليشيات الحوثية بالاختطافات باكراً في محافظة إب، والعاصمة صنعاء، وكلما كثرت الاعتقالات للناس بسبب سبتمبر كلما وجد الناس طرقاً جديدة للاحتفاء بهذه الذكرى العظيمة على قلوبهم.
تتناثر الأغاني السبتمبرية على صفحات التواصل الاجتماعي منذ دخول شهر سبتمبر، حيث أصبح العيد شهراً وليس يوماً واحدا، واعتبره أبناء اليمن شهر الوطن الأول، فأصبحت الموسيقى الثورية والقصائد والمقالات تزين الصفحات الشخصية والعامة كاحتفال يومي يبهج قلوب اليمنيين من مختلف مشاربهم، ولم يعدم الناس وسيلة لمواجهة المليشيات الإرهابية، فكل أغنية أو قصيدة أو رفع علم هو بمثابة رصاصة في صدر المليشيات التي ترى في ذكر سبتمبر هو ذكر للجحيم المرتقب عليها.
تجري الاستعدادات الأمنية القمعية في صنعاء لخنق أي احتفال بالذكرى المجيدة، وقال أحد القادة الحوثيين "إن الاحتفال يفترض أن يكون رسميا فقط، وهو ما ينبئ عن حملة قمعية يجري الترتيب لها لكل من رفع علما جمهوريا".
ألغى الحوثيون أهداف الثورة من الصحف الرسمية، وخاصة صحيفة الثورة التي دأبت على نشرها بشكل يومي على صحافتها، وأصبحت مقولات الصريع حسين الحوثي بديلاً لتلك الأهداف الإنسانية العظيمة، لكن تلك الأهداف أصبحت اليوم مقروءة ومدروسة أكثر من أي وقت مضى من عمر الجمهورية.
يلغي الحوثيون أول أهداف الثورة، وهو الهدف الذي تحدث عن التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
تكبر تلك الفوارق بفعل رسمي من قبل المليشيا الحوثية الإرهابية، وتمنح حق المناصب والمكاسب والمغانم للسلالة أولاً وقبل كل الناس، ثم تمنح بقية الناس المغارم التي يرون فيها حقاً مكتبساً للسلالة الهاشمية.
احتكروا كل شيء، وسلبوا الناس أموالهم وأولادهم وحقوقهم في الحياة والتعليم والصحة والتحرك والسفر، ونهبوا منازل معارضيهم وعبأوا السجون والمعتقلات بهم.
تكبر الهوة بين أبناء قادة المليشيا السلالية والشعب، لتعيد إلى الأذهان تلك الطبقية التي اكتوى بنارها اليمنيون خلال عقود وقرون ما قبل الثورة، والتي فصلت الشعب إلى طبقات لخدمة السلالية المستبدة.
يتكئ اليمنيون اليوم على إرث جديد بدأ قبل عشرة أعوام، أرث من القهر والحصار والظلم والسجون والتعذيب وسلب الناس حقوقهم المادية والإنسانية، وقبله إرث اجتهدت الجمهورية خلال نصف قرن على معالجة آثار الإمامة التي أبقت اليمن خارج خارطة الحياة طوال حكمها، وكان مشهد التحديث بالنسبة لحكامها جريمة يجب أن تواجه بأعتى أسلحة القهر والموت.
كانت تلك الظروف هي الذخيرة التي قامت أركان سبتمبر العظيم الى أساساتها، واليوم تتشابه الظروف كما لو أن الإماميون الجدد لم يستوعبوا ما حصل للإمامة السابقة، فساروا على نفس النهج، وكل الملامح تشير إلى أن السير على ذات الدرب سيؤدي إلى نفس المصير.
يتغنى اليمنيون اليوم بالبيت الشعري الذي اختصر فيه المناضل الكبير عباس المطاع ما دار قبل سبتمبر، وكأنه يعيد اليوم صياغة المشهد بحذافيره (من السجون ارتضعنا غضبة البركان، ومن صدى القيد صغنا أروع الألحان) واليوم تمتلئ السجون بالمقهورين والمغلوبين على أمرهم، وآخرهم موظفي المنظمات الدولية الذين أخفتهم آلة القهر الحوثي بدون أي سبب يذكر، وقبلهم موظفي السفارات والمنظمات ممن فصلت لهم تهم لا ترتقي لأن تكون تهم للمزاح وليس للمحاكمات وتبرير أحكام الإعدام التي أصبحت جزءا من حياة السياف الجديد..