الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

21 سبتمبر 2014.. يوم ضرار لا وطني ونكبة لحقت باليمن

21 سبتمبر/ أيلول 2014، يوم تسلل في غفلة من الزمن إلى شهرنا البهيج، لا شيء يليق بهذا اليوم سوى أنه يوم العيب الكبير، يوم الخطيئة والرزيئة والتفريط، اليوم الذي تسلح فيه المجرمون بأدوات الجمهورية وبالإمكانيات الهائلة التي وُضِعتْ بين يدي من اؤتمنوا على الدولة والدستور وكرامة الشعب، لكي يعيدوا الوطن إلى العهد الكهنوتي البغيض.

21 سبتمبر يوم ضرار لا وطني بامتياز، لأنه أُستحدث بدافع من نزوات السلطة السلالية والاصطفاء الزائف، هذا اليوم كان وسيظل شأناً يخص فئة صغيرة في يمننا الكبير، حرَّكَتْهَا مشاعرُ الثأر الطائفية، وحب الاستئثار بالسلطة والمال والنفوذ والاستعلاء المقيت.

كان هذا اليوم وسيبقى علامة معتمة في جبين سبتمبر/أيلول الأغر الذي نحتفل فيه بيوم هو الأبهى والأنقى والأجمل يوم السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول 1962، ذلك اليوم الذي يخص الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه، فقد نهض فيه من سبات عميق وقرر أن يحيا كما يحيا الناس المحترمون، المعتدون بكرامتهم المتحررون من خرافة الاصطفاء وحياة القطيع وقعر الجهل والتخلف والمرض. 

21 سبتمبر/ أيلول كان خاتمة مطاف سيئة لمؤامرة متعددة الأطراف وتمويلات سخية وأحقاد بحجم الدول. فقد خرج قبل حلوله على مدى أيام قطيعُ المغفلين والمجرمين إلى نقاط التجمع المستحدثة في محيط صنعاء ثم تحولوا إلى شارع المطار في صنعاء مثقلين بالأسلحة التي أُخذت من مخازن الدولة ومن تركة الجمهورية العتيدة، تسبقهم كروشهم المتخمة بخير الوطن، خرجوا رافعين شعارات مُستعارة من أفواه الأحرار في ساحات الحرية والتغيير، التواقين إلى التغيير والكرامة والعزة والمواطنة العزيزة المتساوية، وزادوا عليها مطلب "إسقاااااااااط الجرعة"، مصحوبة بشعار ينسب تارة لعلي ابن أبي طالب وتارة لإبي ذر الغفاري "عجبت لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه".

ويا للعجب كان أكثر الناس شعوراً بالطمأنينة حيال تحركات تبدو للعيان منذرة بالخراب، هو الرئيس المنتخب بأكثر من ستة ملايين صوتاً، عبد ربه منصور هادي، ورجال سلطته المنتمين إلى التركة الحزبية والسلطوية لعلي عبد الله صالح والمترعين بالأنانية الجهوية وبمشاعر" الانفصال" النفسي والسياسي والاجتماعي البليدة. 

تجاوز الأمر ذلك إلى التغطية المباشرة غير المباشرة للتحركات التي لم تكن شعبية فحسب، بل عسكرية ودموية، إذ كان هادي حاضراً على الدوام ليؤكد أن لا شيء يثير القلق فـ ـ"عمران عادت إلى حضن الدولة" و" صنعاء لم تسقط". لقد سقط هادي على كل حال، سقط في كومة متسخة من الأموال التي لا يمكن تعوض إحساس الرجال بأنهم صنعوا التاريخ وأنهم كانوا قادة خلدهم التاريخ.

والعجيب أيضاً، ذلك الاصطفاف الذي عبَّرَ عنه معظمُ من كانوا يشغلون المناصب العليا والوسطى وحتى الدنيا، في الدولة وفي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وحزب المؤتمر المشارك في حكومة الوفاق بأكثر من نصف مقاعدها، والنواب، والقيادات الحزبية الذين اعتقدوا أنهم قاب قوسين أو أدنى من استعادة السلطة وممارستها بلا قيود أو التزامات أو حياة سياسية، ومن التخلص من الشريك السياسي الإسلامي المستهدف بقوة، من القوى الإقليمية والدولية.

لم يكونوا يعلمون أن المخطط أوسعَ من خيالهم وقدراتهم، فلم يكونوا سوى حصان طروادة الذي عبر خلاله الإماميون ليعودوا مرة أخرى إلى السلطة، مارين عبر "الخط الأسود" باتجاه هدفهم النهائي: العاصمة صنعاء. 

ذلك الخط لم تؤمنه الحكمة العشائرية وحيادية العقلاء، بل النزعة الموتورة لذلك القابع في "قصر الثنية" والخيانة والتواطؤ والمخططات الخفية والإيحاءات المخادعة العابرة للحدود. لهذا لم تكن نهاية "الخط الأسود" إلى صنعاء وإلى جامعتي الإيمان والقرآن أو إلى منازل الفريق علي محسن صالح، ومنازل بيت الأحمر، ومقرات الإصلاح ومؤسساته، فحسب، بل إلى كل منزل وإلى الخزانة الخاصة لكل شخص وإلى ممتلكاته وكرامته.

 الثمن الأكبر دفعه علي عبد الله صالح الذي خدع نفسه قبل أن يخدع الجميع، الذي سوَّقَ الوهمَ بأن الأمر يمكن أن يعود إلى سابق عهده، والحوثيون إلى كهوفهم، ولم يدرك أنه خرج من السباق إلى غير رجعة، وأن اليمن يُدفع إلى متاهة الفوضى والخراب، وما من طرف مؤهل لتبرير ما يُخطَّطُ له سوى هذه الجماعة الثأرية القابعة في قعر سحيق من التصورات السلطوية الماضوية المثقلة بالادعاءات الزائفة بالأحقية السلالية في الحكم.

ما سردته آنفاً ليست ردحاً بل استذكارٌ مستحقٌ للخيبات والأخطاء، لكي تتحول إلى وقود حياة تحرك طاقة الشعب في طريقه إلى استعادة الدولة والجمهورية والكرامة، مما يعني أن على الجميع أن يتحللوا من أخطائهم الكارثية تلك وقعوا فيها للأسف الشديد، وأن يُقبِلونَ على الوطن بقلوب مخلصة وبروح تواقة إلى الحرية والكرامة والعيش المشترك ومستعدة للبذل والتضحية والفداء.