برز انقسام واضح في الرأي العام ، العربي تحديدًا، عقب الرد الإيراني على إسرائيل يوم أمس، حيث تراوحت المواقف بين من يضخم العملية ومن يقلل من أهميتها. ومع ذلك، كان المشهد واضحًا لمن أراد التدقيق؛ من التصريحات النارية التي أطلقها مسؤولين إيرانيين قبيل الهجوم، إلى الصور والفيديوهات التي وثّقت اللحظات الحاسمة للصواريخ وهي تحلق وليس النتائج ، فتلك سردية أخرى لا تهتم فيها سوى إسرائيل على ما يبدو.
الإعلام الإيراني وإعلام محور المقاومة كشفا دون عناء أن الهدف كان أكبر من مجرد تدمير أو إلحاق أذى ملموس في العمق الإسرائيلي ، لا يحمد عقباه، بل الأمر أشبه بالقاء العبيء الثقيل عن كاهل إيران،تم إفراغه على ظهر عشرات الصواريخ مفرغة الأثر اتجاه إسرائيل، لتصبح القبة الحديدية الإسرائيل في مرمى اختبار الصواريخ الإيرانية مرة اخرى ، أما ما إذا كانت تلك الصواريخ قد أحدثت تأثيرًا ماديًا، فهو أمر لم يبدُ ذو أهمية بالغة بالنسبة لإيران وبالتالي فالنقاش الذي يتصاعد اليوم في صفوف المنتقدين للعملية حول "النتائج" يبدو بعيدًا عن أذهان صناع القرار الإيرانيين.
إذا نظرنا إلى المشهد من زاوية أوسع، نجد أن إيران قد حققت لنفسها ومناصريها انتصارًا معنويًا بمجرد إطلاق نحو 180 صاروخًا، بحسب التقديرات ،صوب إسرائيل.
هذا الفعل، في حد ذاته، تعتبره طهران نجاحًا لا يقل أهمية عن تحقيق ضربات قاتلة، ساد الفرح أوساط الموالين لها، هللوا وتبادلوا مشاهد الصواريخ وهي تتلألأ في سماء إسرائيل وكفى ،فتلك هي حدود الوقوف الإيراني مع حلفائها ضد إسرائيل .
من البداية لم يكن هدف القيادة الإيرانية ضرب إسرائيل في العمق بقدر ما كان تحريرًا من العجز والتراكمات التي خلفتها عمليات إسرائيل السابقة، بدءًا من استهداف إسماعيل هنية على أرضها ، مرورًا بفؤاد شكر وإبراهيم عقيل، وانتهاء بحسن نصرالله ، وبالتالي خرج المسؤولون في طهران يقولون تلك عملية ثأر لهنية وحسن نصرالله ، في إشارة لعملية الإطلاق وليس للنتائج والآثر .
هذا الرد لم يكن سوى فصلاً جديدًا في سيناريو إيراني مألوف، حيث لا يتجاوز الرد حدود التفاصيل المعتادة، كعدد الضحايا أو حجم الدمار ،بالنسبة لإيران وحلفائها، هذه التفاصيل تبدو كهوامش لا تستحق التوقف عندها الأهم هو أن الصواريخ أُطلقت، وأن الرسالة قد وصلت وأن القبة الحديدية إختبرات ولو للمرة الألف سيتمر الإختبار.
في النهاية، لا يتعلق الأمر بما قُصف أو دُمِّر، أو حتى بعدد القتلى، فكل هذه الأسئلة تبدو في نظر طهران وحلفائها كمجرد ترف فكري. وهكذا، تصبح الصواريخ أكثر من مجرد أسلحة؛ بل رسائل مشحونة بالغضب المتراكم لرفع معنويات الحلفاء المنهارة منذ مقتل حسن نصرالله من ناحية ومن أخرى تخفيف العبيء عن نفسها ، مهما طالت التفاصيل أو تضاءلت النتائج فالرد الإيراني على إسرائيل يظل في حدود الأضواء ولفت الإنتباه ولا يجاري الجدية الإسرائيلية في دك قادة وأذرع إيران داخلها أو خارجها.