السبت 23/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

انطباعات أولية عن الرحلة الكينية

نيروبي مدينة جميلة وساحرة محاطة بالغابات من كل مكان، واينما ذهبت فيها تكتشف أن كل مكان هو أجمل من سابقه ، مع بعض المنغصات التي لا يخلو منها مكان في العالم الثالث كنتاج لفوضى الادراة المستدام. 

 

 ربما لم أر مدينة تجمع المتناقضات كنيروبي، فيها من الجمال ما لا وجود له في غيرها وفيها من الفوضى أيضا مثل ذلك، جمعت بين طابعي اليمن وأفريقيا كسوق إسلي الكبير والشهير عاصمة الشتات الصومالي ، وفيها ما يداني جنان سويسرا ويفوقها جمالا وسحراً كحي كارن الساحر ، و فيها أيضا ما يذكرك ببعض الأحياء الجميلة في اسطنبول كحي كلماني، كما يكاد يتطابق التاون مع جو القاهرة وأحيائها.

 

كينيا بلد مُخترع على هذه الجغرافيا صنعته أيادي السيد الخواجا الانجليزي وحاول صناعة دولة على نمطه وعينه حتى على مستوى مقاود السيارة يمين و ويكاد ينجح حتى الآن لكن إلى أي حد يمكن ذلك هذا ما لا يستطيع أحد الجزم به حتى الآن.

 

جلب السيد الخواجا الهنود كعساكر وعمال كثر فغادر تاركاً الهنود عصب البلاد الاقتصادي والذين بدورهم سيطروا على كل شيء، وظلوا هنودا ولم يتأفرقوا رغم أن غالبيتهم من مواليد هذه البلاد الجميلة والمليئة بالخيرات والجمال.

 

لكنهم وخلال العشرين سنة الماضية في منافسة شديدة الاحتدام مع الحضور الصومالي الكبير في كينيا والذين يكادون يكسبون المنافسة وخاصة في عديد قطاعات كالبناء والتجارة مع أفضلية الحضور الصومالي في عديد من مرافق الدولة وهم هنا صومالي أنفدي الإقليم الصومالي ضمن الدولة الكينيةز

أما المفاجئ أيضا لي هو الحضور الصيني الجديد في كينيا وهو حضور لافت وبقوة وينشطون في معظم القطاعات وخاصة قطاع البناء حيث يشيدون الأبراج والمجمعات السكنية ويقطنونها وكأنهم في شنجهاي وجوانزوا.

 

بالنسبة لنا كيمنيين، كانت كينيا هي واحد من أهم المغتربات والمهاجر الأولى لنا كيمنيين فتوجه الحضارم واستوطنوا سواحل شرق أفريقيا كممباسا و غيرها من مدن الساحل الكيني والتنزاني، كما استقر اليمنيون في نيروبي التي هاجر إليها الكثير من اليمنيين واصبحوا اليوم كينيين لم يعد يربط الكثير منهم باليمن شيء سوى ذكريات الجدات لمواطن الصبا وأيام التصابي، أما الأجيال التي نشأت هناك فلم تعد لها أي علاقة باليمن ولا حتى بلغة الصلاة التي يصلونها طوال اليوم كصلاة الجمعة، على عكس الهنود تماماً الذي يظل هندي لا يغير شيء من هنديته لا شكلاً ولا مضموناً.

 

طوفت كثيراً في نيروبي وما حولها بفعل صديق عزيز كان مسافراً خارج كينيا لارتباطات عمله ولكنه أبى إلا أن يمنحني سيارته الفارهة وسائقه الكيني الذي طوف بي جل أماكن نيروبي وضواحيها الجميلة والفاتنة حيث مزارع الشاي وحدائق الحيونات الكبيرة التي هي في الحقيقة غابات حولتها الحكومة لحدائق.

 

اقتصادياً، كينيا هي ربما الدولة الأقوى اقتصاديا في شرق أفريقيا وتشهد كبقية دول العالم صعوبات اقتصادية كغيرها، ولكنها تنهض في طريقها وهي في الأخير محطة مصالح دولية كبرى متقاطعة هناك والكل حاضر فيها بمصالحة الكبيرة وهذا ما يستدعي أن يضبط المجتمع الدولي العملية السياسية فيها ولا يدعها تذهب بعيداً للفوضى وهذا أيضا عامل معهم للمستثمرين الأجانب والكينيين.

 

مشكلة كينيا العويصة هي طبيعة نظام الإقامات حيث ثمة مشكلة لم تعمل الحكومة الكينية على حلها رغم أنها تدرك أن هذه المشكلة واحدة من الاعاقات الكبيرة أمام اقتصاد البلاد في جانب الإستثمارات الخارجية،و التي يحج لها السياح من كل مكان والمستثمرون وخاصة الأوروبيون الذين يتواجدون بشكل لافت وكبير في كينيا.

 

أما عني وعن المجتمع اليمني الذي عشت داخله الأيام الأخيرة ومارست فيه كل يمنيتي بحذافيرها وكأني في أزقة صنعاء وأسواقها وبيوتها، عدت بذاكرتي إلى صنعاء وتعز وعدن والحديدة وإب وكل مدينة يمنية مررت بها يوماً ، فاليمني يظل ذلك اليمني ويسجل حضوره أينما حل وارتحل وخاصة في مجتمعات الشرق الأفريقي فلا يتغير شيء من الطقوس المعتادة والمعروفة وهي طقوس حميمية وجزء من كينونة اليمني دائماً، واليمني هنا هو اليمني الوافد الجديد هناك الذي لم تتجاوز فترة وجوده في كينيا العشرين السنة الماضية. 

 

تعرفت على شباب وقصص نجاح عظيمة هناك وتعرفت على تجارب كثيرة نجاحا وفشلا وإن كانت أكثرها تجارب عظيمة تستدعي الفخر والاعتزاز باصحابها خاصة وأني خلت أنني سأذهب لدولة قد لا اجد فيها يمني ولكني خلال اقل من أسبوعين تعرفت على العشرات وربما المئات و وراء كل واحد منهم تجربة بل قصة وحكاية تُحكى.

 

وممن اكتشفتهم و فاجأتني بهم نيروبي وكانوا قدر عالي من الحفاوة والصداقة والنبل كل من عبد الله الشرعبي و محمد جمال القليصي هذا الشاب الأنيق وصاحب قصة نجاح جميلة وكذلك رجل الخير والقلب الكبير عبد المجيد الوصابي، ومحمد السامعي ومعاذ السامعي، وكذلك القنصل اليمني في نيروبي الاستاذ منير الشرعبي، فقد كان خير من تعرفت عليهم هناك وذكره الطيب على كل لسان من اليمنيين ولا أنسى هنا أيضا الصديق العزيز مارب الورد الذي غادر اليمن ولم تغادره حتى الآن ولازال يصارع مشاكلها حتى في نيروبي ولا أنسى هنا الباشمهندس عدنان المقطري وما أضفاه على وجودي في كينيا من جو . 

 

أما أصدقائي النبلاء من الضفة اليمنية المقابلة الصومال الشقيق فقد كان الصديق العزيز والأديب الاستاذ حسن قرني والأخ محمد عبد الغني و الأخ سليمان أدم، فهولاء كانوا هم الوجه الجميل للإنسان الصومالي وكفاحه ونضاله أينما حل وارتحل، فهم كانوا لي أحد أهم النوافذ المفتوحة على كينيا ونيروبي، وكانوا أكثر من إخوة في كرمهم وحسن استقبالهم.

 

في جعبتي الكثير من الانطباعات و الملاحظات والمعلومات والمشاهدات الكثيرة التي هي في الحقيقةهدف الزيارة البحثية وما دونته هنا ليس سوى انطباعات عابرة وما غاب في السرد والكتابة فقد اختمر في الذاكرة واللاشعور كمادة مكتملة ستكون خميرة وبذرة لاعمال بحثية واستشارية اشتغل واعمل عليها .