قبل أيام نشرت واشنطن بوست "بحثاً" مطولاً عن علاقة حماس "العضوية" بإيران. بحسب التقرير فإن أكثر من ٨٠% من أسلحة حماس من إنتاج معاملها، وأنها تتحصل على ما يزيد عن 80% من أموالها من داخل القطاع. وفقاً للتقرير فإن الدور الإيراني ربما يتمثل في تدريب بعض الأفراد، وتزويد حماس ببعض المعدات ( المدنية) التي تحولها حماس إلى آلة قتالية.
المقاومة الفلسطينية، في المجمل لم تعمل خارج القضية الفلسطينية، لا عسكرياً ولا ثقافياً. لا تهدد مصالح القوى الدولية التي، على نحو منافق، تصنفها منظومات إرهابية. تخوض المقاومة معركة داخل الأراضي التي يقول القانون الدولي إنها تعود للفلسطينيين. أما السابع من أكتوبر فلم يحدث داخل "فراغ تاريخي"، كما في التصريح الشهير للأمين العام للأمم المتحدة.
تحت سقف فلسطين التاريخية يعيش سبعة ملايين إسرائيلي يهودي، وسبعة ملايين عربي. تعادل العرب واليهود (وليس الإسرائيليين) لأول مرة في التاريخ تحت سقف واحد. نجحت حكومة نتنياهو الفاشية في تدمير حياة الفلسطينيين، قتل قادتهم، وعزلهم عن العالم. ولكنها لم تنجح في إخفائهم عن الوجود.
قتل السنوار. منذ ثورة البراق، ١٩٢٩، والفلسطينيون يتخذون قادة ويخسرونهم. القادة لم يخترعوا المقاومة، العكس هو الصحيح. والمقاومة لا تتشكل في الفراغ، بل في سياق تاريخي من الظلم والقهر والنفاق. ما الذي سيحدث للملايين السبعة من العرب داخل فلسطين؟ ستواصل إسرائيل حصارهم داخل معسكرات اعتقال جماعية كما كانت النازية تفعل. أبارتهايد لا شك فيه. ستفرض حكومة برلين الرخوة عقوبات ضد كل من سيصف حياة الفلسطينيين بالأبارتهايد. ثُمّ؟
الحقيقة هناك، وهي غاية في التركيب: تحت سقف فلسطين التاريخية ثمة سبعة ملايين عربي. فشلت عملية التهجير بسبب الرفض المصري- الأردني. هذا ما جعل إسرائيل تبحث عن نصر غير مفهوم لها شخصياً. الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأدنى، بتعبير أوباما، تضع يدها على رؤوس سبعة ملايين من اليهود قائلة: هذا هو النور. وتضع الأخرى على سبعة ملايين من الرؤوس العربية وتقول للعالم: وهذا هو الظلام. هذا ما قاله نتنياهو حرفياً بالأمس. لا حياة لأهل الظلام، لا أمل في دولة، ولا فرصة للإفلات من الحصار والأبارتهايد. الحقيقة أن إسرائيل قدمت عروضاً مثيرة للفلسطينيين من أجل حياة جيدة: استقدمتهم من المنطقة أ في الضفة ليبنوا لها مستوطنات في المنطقة ج! أشاد الغربيون كثيراً بهذا التسامح، وبفرص العمل التي تخلقها شمعة الديموقراطية تلك.
لم يكن هناك يحيى السنوار قبل ١٠ أعوام. لم يكن هناك هنية قبل عشرين عاماً. لم يكن هناك الرنتيسي قبل ثلاثين عاما. كان هناك أبو عمار قبل أربعين عاماً، وكنفاني قبل ستين عاماً. وكان هناك أمين الحسيني قبل ثمانين سنة.
فلسطين ليست كلمة من اختراع السنوار. ثمة أخبار تاريخية تقول إنها في الأساس كلمة يونانية. أي أنها، في أصلها، أقدم من أسفار موسى الخمسة.
قبل أيام قالت البوليتيكو إن بن سلمان قال لبلينكن ، وزير الخارجية الفاشي، إن "شعبه" معني بالمسألة الفلسطينية. الحقيقة كما ترونها، فلسطين مسألة عربية. وهي موضوع يخص العالم المسلم. وصارت موضوعاً يلامس أخلاق كل الجنوب العالمي. قتل السنوار، أو استشهد، وصيره الناس إلى أسطورة. كيف يمكن أن يأخذ موته شكل النصر وقد صار إلى تلك الصورة؟
يتحدث نتنياهو، والعالم الأبيض الناعم والمنافق، عن نصر. الرجل صار إلى أسطورة، القوا نظرة على السوشال ميديا. الملايين تحيي صنيع الرجل، سيرته، وخاتمته، كما يمجدون سبيله.
يملك الفلسطينيون الحق والأخلاق، كما القانون والتاريخ. وهم بهذا حقيقة مركبة لا أفراد. جاء السنوار من المطلق وعاد إلى المطلق، وجاءت فلسطين من التاريخ، وهي ذاهبة إلى المستقبل. سيصاب الأبيض المنافق بالإعياء ولن تتعب فلسطين، لأنها فوق- تاريخية.
ما الذي ستفعلونه مع سبعة ملايين عربي فوق تراب أرضهم وتحت سقف بلادهم؟ قتلتم السنوار؟ حسناً، وماذا عن بكرة؟