الأحد 27/أكتوبر/2024
عاجلعاجل

المقاربات العبثية التي تزيح اليمن أكثر عن نهاية محتملة للحرب

لا يكاد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ -الذي يتخذ من العاصمة الأردنية عمّان مقرا له- يتوقف عن الأنشطة والفعاليات ذات الطبيعية القطاعية والفئوية المنفصلة بشكل شبه كامل عن الميدان؛ ووقائعه التي تشكلت بفعل الحرب والنفوذ المتزايد للقوى المسلحة المرتبطة بأجندات أوسع نفوذا في الإقليم والعالم، في ظل هذا الإصرار على تصدير وهم إحلال السلام عبر البيانات المنمقة والإرث المسهب من الوعود اللغوية التي تتضمنها تلك البيانات.

 

في هذا المقال سأحاول أن اقترب بقدر مناسب من الحيادية والموضوعية من نشاط المبعوث الأممي، للإضاءة على دور هذا المبعوث والأمم المتحدة وقدرتهما على التوصل إلى السلام، في ظل هذا التعايش الانتهازي مع القوى التي بنت نفوذها على الأرض اليمنية بدعم كامل من الخارج، تحت غطاء الصخب الذي أُثير حول جولات عديدة من المباحثات سبق وأن رعتها الأمم المتحدة من جنيف إلى الكويت، طيلة السنوات الماضية، ولم تنته إلى شيء.

 

في الواقع لم يعد لدى المبعوث الأممي من وسيلة لمواصلة دوره عبر ما بقي من صلاحيات للأمم المتحدة، والتي في مقدمتها إعادة جمع الأطراف على طاولة محادثات تلتزم بالتوصل إلى حل لا يخالف الأسس التي قامت عليها العملية السياسية؛ بصفتها الطريق الذي يجب أن يصل باليمن إلى مرحة السلام، وأعني بها تحديدا قرارات مجلس الأمن واتفاق المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية، والأهم من ذلك كل مخرجات الحوار الوطني التي دارت قرارات الشرعية الدولية حول أهدافه ومقاصده.

 

لا يخالجني أدنى شك في المرجعية الخبيثة التي صُممت لقيادة العملية السياسية الأممية في اليمن، والتي فُرضت عبر السفارة الأمريكية وتلاقت مع إرادات إقليمية صريحة في تقويض المكاسب السياسية للتغيير في اليمن، على الرغم من أنها مثلت حالة نادرة من التوافق الوطني. كما هدفت بشكل خاص إلى تحييد إرادة الشعب اليمني التي فرضت التغيير، ومعها القوى الوطنية التي تقاتل اليوم في الميدان للإبقاء على مقومات الدولة اليمنية.

 

لقد تبين لليمنيين بجلاء أن القوى الدولية الكبرى، حرصت؛ ومن خلال الأمم المتحدة، على فرض جماعة الحوثي كأداة محملة بكل أرزاء الماضي؛ لطمر المشهد المشرق والبهي الذي تجلى بعد إنجاز اليمنيين لحوارهم الوطني الشامل؛ بمخرجات مثلت أعلى سقف لطموح شعب يرغب في مغادرة مربع اليأس والقنوط ويبلغ مرحلة جديدة من الإنجازات الشاملة.

 

هذه المرجعية الخبيثة هي التي تفسر كيف ولماذا تحوّل التداول "الممول" في الشأن اليمني، في أكثر من عاصمة إقليمية ودولية، إلى حق حصري للفيف من الناشطين الذين تجمعهم حالة التفلت من القيم والمعايير الدينية والأخلاقية، والكراهية المشتركة لربيع اليمن، الذي يرونه "منجزا فعليا" للإسلاميين دون غيرهم، وهي الرؤية التي شكلت مدخلا لشيطنة التغيير والاستهانة بالإرادة الوطنية لليمنيين الذين تجمعوا في الميادين بكل الألوان السياسية، وعدد كبير منهم ليسوا أعضاء في أي حركة أو حزب، وبما لا يسع أي منصف الادعاء بأن جمهرة التغيير تلك كانت مجرد "قطيع" سياسي منضبط.

 

لقد تحولت الاجتماعات المغلقة والمفتوحة حول الشأن اليمني إلى مجال واعد بالعوائد المادية، أغرى المنظمات والمراكز البحثية، اليمنية والإقليمية والدولية على الانخراط في تبني وتنفيذ الاجتماعات والمداولات، حول الشأن اليمني، عبر مشاركات انتقائية، مستغلة وجود اعتمادات سخية لدى مكتب المبعوث الأممي، وبنودٍ ماليةٍ من مصادر حكومية وغير حكومية، جاهزة للتمويل، والمضي في فرض نقاشات عبثية حول النطاق الجغرافي المستباح للصراع المتمثل في الجمهورية اليمنية.

 

والدافع الأهم في نظري هو الرغبة في استغلال فرصة هذه المداولات لجمع المعطيات والبيانات، والتعرف بشكل أعمق على التناقضات بين المكونات اليمنية، والنزعات الذاتية التي يعبر عنها المشاركون اليمنيون في هذه التداولات، بما يسمح ببناء تصور عن الكيفية التي يمكن بها تصميم خطط مناسبة للسيطرة على الصراع في اليمن وإدارته بكلف أقل على الأمنين الإقليمي والدولي، ودونما عوائد تذكر على سلام اليمنيين واجتماعهم.

 

لطالما ركزت بيانات المبعوث الاممي الحالي ومن سبقه حول دور المرأة اليمنية في صناعة السلام، في مبالغة لا يمكن فهمها، بالنظر إلى أن المرأة هي أبعد ما تكون عن القرار المتعلق بإدارة المعركة والحرب. وأنا هنا لا أعترض على وجود المرأة في أي تداول أو نقاش سياسي، فهناك نساء ينخرطن في هذه المداولات بصفة شخصية أو ممثلات عن أحزاب وجماعات سياسية، وهناك نساء أثبتن خلال الفترة الماضية قدرتهن على القيام بأدوار مثيرة للإعجاب، هي في الواقع امتداد لنشاط مشهود لهن في الساحة اليمنية قبل الحرب، وأذكر منهن الناشطة اليمنية البارزة منى لقمان وغيرها من النساء المنخرطات في الشأن العام.

 

ما يلفت النظر في الحقيقة، هو هذا التركيز المبالغ فيه على المرأة، الذي يعود إلى نهج المبعوث السابق الأكثر فشلا مارتن غريفيث، والذي هرب من الدور المفترض للمبعوث الأممي إلى إشغال المجتمع الدولي بلقاءاته المثيرة للشفقة مع النساء اليمنيات، ومع الناشطين الذكور الذين يتسمون بميوعة سياسية واضحة تجاه القضايا الوطنية والاستحقاقات الحاسمة، ويصر المبعوثون الدوليون على تصديرهم إلى المشهد ومنحهم هذا المجال الواسع للعبث وتعميق المتاهة التي تفصل بين اليمن وبين السلام.