الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

ما المتغير في التحركات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية في الساحة اليمنية؟

لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تقنع أحدا بأن استراتيجيتها تجاه دور جماعة الحوثي في اليمن قد تغيرت على نحو من شأنه أن يضر بالمشروع السياسي والعسكري للحوثيين في المدى المنظور، على الرغم من استعراض القوة غير المتناسبة التي أظهرتها الولايات المتحدة بالإعلان عن استخدام طائرات "بي2" الشبحية في مهمة لاستهداف تحصينات وأسلحة تابعة للحوثيين منتصف الشهر الماضي.

 

لم تتوفر أدلة على أن الضربات الأمريكية بلغت أهدافا تستوجب استخدام هذا النوع المتقدم والضخم من الطائرات، وقطع مسافة طويلة والاستعانة بالقوات الجوية الأسترالية لتزويد الطائرات الشبحية بالوقود. ثم ما فائدة اللجوء إلى هذا السلاح في ساحة مكشوفة وليس لديها أي غطاء من الدفاعات الجوية المتناسبة، في وقت يصعب معه توقع ما إذا كانت الضربات الجوية الأمريكية الاستثنائية هي مقدمة لتحول قد يضع الحوثيين هدفا عسكريا مستباحا؟

 

في الواقع كان إدخال هذه الطائرات في مهمة ضرب أهداف لم تحدد ولم يكشف عنها بشكل دقيق حتى الآن؛ جزءا من استعراض القوة والردع، ليس للحوثيين بل لمن يدعمهم، وفي الوقت نفسه إظهار مدى التزام الولايات المتحدة بتأكيد سطوتها ومنح المزيد من الثقة لحلفائها لينخرطوا بشكل أقوى في مرحلة ما بعد الحرب العدوانية على غزة.

 

لذلك قد تستمر الولايات المتحدة في المناورة السياسية والدبلوماسية على الساحة اليمنية، مرتكزة على ذات القناعة فيما يتعلق بالحاجة إلى بقاء جماعة الحوثي كفاعل سياسي وعسكري وأمني، يشكل امتدادا لاستراتيجيتها لاحتواء الساحة اليمنية التي صُنفت ذات مرة بأنها ثاني أكبر ساحة لنشاط تنظيم القاعدة بعد أفغانستان، وهي قناعة تشاطرتها للأسف مع الحكومة السعودية، التي كانت في أمسّ الحاجة إلى تحرير بلادها من تأثير النشاط الإرهابي المميت في منبعه الحقيقي وإعادة تصديره إلى الساحة اليمنية، ومن ثم الاستفادة القصوى من هذه الذريعة لمزيد من التحكم السلبي في المشهد اليمني.

 

لقد بُنيت الاستراتيجية الأمريكية على اختيار اليمن كأحد ساحات الاشتباك المميتة في إطار معركة بناء النفوذ الشيعي في منطقتنا، بناء على تصور جرى اعتماده في ثمانيات القرن الماضي، لذا تحتاج واشنطن إلى فترة زمنية ليست بالهينة للانسحاب من هذه الاستراتيجية المؤذية التي أخرجت اليمن من المسرح الدولي وعزلته، وألحقت الأذى بشعبه وحولته إلى ملايين من المنبوذين الذين سُدت أمامهم الموانئ والمطارات والدول والملاذات، وتضرر بسبها اقتصاد اليمن تضررا كبيرا.

 

لا أحاول هنا أن أتبنى تصورات جاهزة أو استدعاء المواقف الأمريكية ذات الصبغة الأيديولوجية الصريحة والمنحازة إلى خيار التمكين الشيعي، التي ربما طرأت عليها تغيرات متأثرة بالتطورات الميدانية، حيث تبدو واشنطن عمليا في حالة اشتباك عسكري مع الحوثيين ومع الحلف الإيراني إجمالا.

 

لكن مهلا، فالتحركات التي يقوم بها السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن، في الأوساط السياسية اليمنية في اليمن وكل من الرياض والقاهرة وإسطنبول، قد كشفت عن استمرار الدبلوماسية الأمريكية في الحديث عن جماعة الحوثي كطرف سياسي، صحيح أنها ليست بالتصورات التي سادت إبان فترة التوتر السياسي بين الرياض وواشنطن والتي بلغت ذروتها بوصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2021، ولكن في سياق رؤية جديدة تهدف إلى إضعاف الحوثيين وليس القضاء عليهم.

 

السفير فاجن وفي إطار مهمته الاستكشافية يؤكد أن بلاده تبذل هذه المرة جهدا استقصائيا؛ ربما أرادت به بلوغ مرحلة التحول في الأزمة اليمنية، بدليل هذه اللقاءات الممنهجة التي يهتم جانبٌ منها بتتبع مواقف التجمع اليمني للإصلاح على وجه الخصوص، والبحث في مزاعم ربما طُبخت في بعض عواصم الإقليم، بشأن محادثات قد جرت بينه وبين الحوثيين في إسطنبول، وهما الطرفان اللذان تنحصر المواجهة العسكرية الميدانية الحقيقية والمكلفة بينهما.

 

الحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان من المؤكد أنها خلطت الأوراق بشأن التسوية في اليمن وعطلت مهمة الوساطة الأممية، وتكرست بسببها حالة الانسداد، بعد الإنجازات المتسارعة للوصول إلى تسوية كانت السعودية والحوثيون محورها الأساس.

 

ستتعين مراقبة الدور الأمريكي، لكن يتعين قبل ذلك تتبع المواقف السعودية حيال الأزمة اليمنية، بعد أن توفرت لها فرصة ثمينة للتحلل من الترتيبات التي دفعتها نحو اتخاذ خطوات لإبرام صفقة مع جماعة الحوثيين المدعومين من إيران، وُصفت بالانهزامية.

 

إن ما نطلبه من السعودية اليوم هو العودة بأسرع ما يمكن إلى الأساس الحقيقي للسلام وإلى المرجعيات التي تشكل اللبنات الأهم في هذا الأساس، والتفكير بجدية في خيار القوة، لتحقيق هذا الهدف، إذا تعثرت الجهود السياسية.

 

على أنه يتعين على السعودية قبل ذلك أن تُبدي حسن نية صادقة تجاه اليمن، وهذا يقتضي منها تخفيف القبضة الحديدية على السلطة الشرعية، وإعادة هيكلتها وإظهار الاحترام الكامل لمركزها السيادي، والمساهمة المكثفة في استعادة وحدة هذه السلطة وكفاءتها في النهوض باستحقاق استعادة الدولة ومواردها، وإعادة شق المسار الأمثل للوصول إلى سلام شامل ومستدام يحفظ الدولة ومؤسساتها ويوفر الكرامة للشعب اليمني.