الإعلام ليس مجرد أداة لنقل الأخبار؛ بل يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدين، إما أن يعزز التفاهم أو يشعل الصراع، وفي اليمن، ساهم الإعلام بشكل كبير في تفاقم الصراع عبر الخطاب غير المتوازن والموجّه، الذي يركز على تضخيم التصريحات السياسية والخلافات بين الأطراف، بدلاً من تسليط الضوء على القصص الإنسانية والثقافية التي تجمع الناس. على سبيل المثال، خلال انهيار الهدنة الأممية في أكتوبر 2022، تسابقت وسائل الإعلام في نقل الاتهامات المتبادلة بين الأطراف، مما زاد من التوتر وساهم في تقويض جهود التهدئة.
في المقابل، عندما توجه بعض الصحفيين نحو رواية قصص النازحين أو عرض مبادرات مجتمعية صغيرة نجحت في التخفيف من معاناة السكان، كانت هناك تأثيرات إيجابية، حيث عملت هذه التغطيات على تعزيز الأمل وإظهار المشتركات الإنسانية بين الجميع.
إن أحد أخطر أوجه الخطاب الإعلامي في اليمن هو تغييب قصص الإنسان والمجتمع كعناصر توحيدية لصالح التركيز على التباينات السياسية كمفترقات، وهذا النهج لا يحرم الجمهور من فهم الواقع الإنساني فقط، بل يعزز الشعور بالتقسيم والانفصال. يمكن للإعلام أن يكون مساحة لتقديم قصص عن الثقافة المشتركة، تاريخ التعاون بين اليمنيين، أو قصص الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن من مختلف الأطراف، وهي عناصر توحد بدلاً من أن تفرق.
على وسائل الإعلام أن تُدرك أن مسؤوليتها تتجاوز مجرد نقل الحدث، يجب على الصحفيين وصنّاع المحتوى تبني ممارسات الصحافة الحساسة للنزاعات، التي تُعنى بتقديم تغطية مسؤولة تبتعد عن الخطاب التحريضي، فعلى سبيل المثال، يمكنهم تسليط الضوء على المبادرات المحلية لبناء السلام، أو عرض قصص عن التعاون بين المجتمعات المحلية المختلفة، مما يعزز مناخ المصالحة بدلاً من تعميق الكراهية.
في ظل الدعم الحالي الذي تتلقاه المؤسسات الإعلامية من أطراف الصراع، يبرز غياب الإعلام المستقل كأحد أكبر التحديات. الإعلام اليمني اليوم بات في أغلبه انعكاسًا لسياسات داعميه، مما يجعل تحقيق تغطية محايدة أو موضوعية أمرًا شبه مستحيل. لذا، من الضروري دعم إنشاء مؤسسات إعلامية مستقلة قادرة على تقديم تغطية نزيهة تخدم مصلحة المجتمع ككل بعيدًا عن الأجندات السياسية.
إن ما أحدثه الإعلام على مستوى الصراع الدائر في اليمن كان كبيرًا وفادحًا، وأعتقد أنه يكفي لكي نفهم الدرس جيدًا، الإعلام في بعض الأحيان لم يكن فقط ناقلًا للصراع بل طرفًا فاعلًا فيه، مما زاد من تعقيد الأمور وعمّق الجروح.
ختامًا؛ ما يزال الأمل قائمًا، ففي كل مرة أقرأ فيها قصة إنسانية من أعماق اليمن، أو أشاهد تقارير تُبرز مبادرات السلام، أستعيد إيماني بأن الإعلام يمكن أن يكون جزءًا من الحل، فهنا أوجه رسالتي للإعلاميين والصحفيين وصناع المحتوى والمؤثرين: لديكم قوة هائلة بين أيديكم، فكونوا جزءًا من بناء مستقبل أفضل لهذا البلد الذي أنهكه الصراع.