الأربعاء 11/ديسمبر/2024
عاجلعاجل

الاستنزاف الطويل

يُدرك الساسة الأمريكيون حقيقة أنَّ الأيام دول، وأنَّ دولتهم مَصيرها إلى زوال؛ وتبعاً لذلك فإن مصلحتهم الأم تكمن في إطالة عمر بقاء تلك الدولة، وهي سياسة أعلن عنها قبل 22 عاماً، حيث تم حينها إنشاء مراكز أبحاث عُنيت بدراسة تاريخ الإمبراطوريات الأطول عمراً، وقد كانت دولة المغول التي اكتسحت المشرق العربي بمساعدة من الشيعة مثالاً قابلاً للتطبيق. 

 

هولاكو الذي أشعل الحرائق في كل مكان حفاظاً على دولته، صار قدوة لبوش الابن، مع فارق أن الأخير أنهى تدميره لأفغانستان والعراق باعتذار، فيما استمر خلفه وعلى نار هادئة برسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، وبنشوب ثورات الربيع العربي صارت الفرصة مواتية لإدخال المنطقة في سلسلة من الصراعات اللامتناهية، والاستنزاف الطويل.

 

أمريكا التي تنبأت بتلك الثورات قبل حدوثها، عملت على تشويهها، وجعلتها تبدو كالمؤامرة التي حبكت هي تفاصيلها، استفادت من انهيار الدول، ووقفت مع الجميع ضد الجميع، وهذا ريتشارد لوتواك كتب قبل 10 سنوات مقالاً بعنوان: (في سوريا: ستخسر أميركا إذا كسبَ أيٌّ من الأطراف)، ناصحاً صانعي القرار الأميركي بالقول: «سلِّحوا المتمردين كلما بدا أن قوات السيد الأسد في صعود، وأوقِفوا دعمهم كلما بدا أنهم سيكسبون المعركة»، وهو ما تم بالفعل، وعلى ذلك وجب القياس.

 

لا يتحرج بعض الساسة الأمريكيين من الإشارة وعلى استحياء إلى دعم بلدهم للشيعة، مُبررين ذلك بأنَّ السنة أكثر انقساماً، وأكثر تهديداً لمصالحهم، فيما تكمن رغبتهم الجامحة - غير المُعلنة - بالقضاء على الجميع، ولكن بعد حين، فإنهاء المعركة الآن يعني الاستعداد لمعركة أخرى، قد يكونوا واليهود المُتصهينين طرفاً فيها.

 

وإذا ما انحرف حليفهم الخفي (إيران) ـ نصف صديق كما يسميه البعض ـ عما هو مخطط، وتجاوز المحظور، فسيأذنون لحلفائهم في المنطقة بتحريك أدواتهم الجهادية، ودعم حركات المقاومة المحلية، المخدوعة، والمُجبرة على خوض هكذا صراع.