كانت جلسة ثرية وتاريخية اليوم مزجت بين التقاليد الصومالية واليمنية، مع الشيخ والفقية والمتصوف والأديب والأستاذ القدير الذي أراده أبوه شيخً علمِ فأصبح شيخاً للصحفيين الصومالين الاستاذ Ali Halane علي حلني.
فمن لا يعرف ولم يسمع بالصحفي الكبير الاستاذ علي حلني، فقد أصبح لديً على الأقل إسمه متلازماً لاسم الصومال والعكس تمامأً، فكلما ذُكر علي حلني، ذهبت ذاكرتي مباشرة إلى الصومال وإذا ِ ذُكر الصومال توارد لخاطري إسم علي حلني فقد ارتبط بالذاكرة لكثرة تكرار اسمه مع أخبار الصومال في وسائل الإعلام الدولية المختلفة على مدى عقدين من الزمن.
تربطني بالاستاذ علي حلني كبير المراسلين والصحفيين الصومالين، علاقة روحية ما منذ زمن، بفعل الكتابة الصحفية وكنا على تواصل بين حين وأخر ولكن لم نلتق إلا هذه المرة، فمجرد سماعه بأني في مقديشو بادر سريعاً للقاء و ترتيب لقاء خاص مع نخبة من المثقفين الصوماليين الذي صقلتهم سنوات الانهيار الكبير فانتجت نخبة على قدر كبير من الرصانة والحكمة والتجارب التي أنتجتهم بهذا البهاء والحضور.
سألت الاستاذ علي اليوم، ضمن لقاء اليوم الذي أسميه بالتاريخي، قلت له استاذ على أنت من الجيل الذي شهد الانيهار الكبير للدولة الصومالية وعشت كل محطاته ومخاضاته فكيف وحدت وقتاً وفرصاً لتنجو وتكون بكل هذا الحضور والتأهيل العلمي والمهني.
تبسم لي قائلاً، ما كان يخطر في بالي يوماً أن أصير صحفياً فقد أرادني وأعدني أبي لأكون شيخاً وفقيهاً في القرية ليكسر احتكار جماعة من الفقهاء والشيوخ للمشهد الاجتماعي وتمتعهم بإمتيازات الناس في منطقتنا وكل المجتمع الصومالي أيضاً.
أعدني لهذا الهدف، ودفع بي لحفظ القرآن باكراً وبعده للدراسة على يد الشيوخ الشافعية الذين قرأت ودرست عليهم جل متون الفقه الشافعي و علم النحو والبلاغة و بعدها علم السلوك والتصوف، و خضت تجربة قاسية في هذا المجال حتى لحظة التتويج قررت أن أغادر المنطقة إلى العاصمة مقديشو التي كانت تشهد هجرات كبيرة للناس هرباً من الحروب التي تلت انهيار الدولة الصومالية حينها.
قائلاً وصلت مقديشو وبدأت الدراسة لإكمال مرحلة الثانوية وأنا في عمر العشرين عاماً وواصلت حتى أنهيت الثانوية وأثناء هذه المرحلة كنت أدرس في احدى المدارس ومعها بدأت أكتب في بعض المجلات والصحف المحلية على قلتها وتقطع اصداراتها.
فعملت مع جل وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة وخاصة راديو بي بي سي ومنتكارلو وغيرها من وسائل الإعلام العربية كصحيفة المسلمون وإسلام أ ولاين وغيرها وكنت في هذه الاثناء أوصال دراستي في الجامعة أدب انجليزي حتى انهيته، وكل هذا كانت يمشي بالتوازي الدراسة والصحافة وكل شيء.
علي حلني، شخصية ثرية ومتواضعة وممتلئة فكراً وأدباً وفلسفة وعلماً، لا تمل الاستماع له وحديثه الجذاب والهادئ الذي يفيض فيه مسهباً ومقتضباً حسب السياق، وهو ما يجعل الجلوس معه متعة حقيقة.
لا يمكن اختصار قصة الاستاذ علي في هذ العجالة فقد عاصر وشهد تحولات ومحطات عدة في الحالة الصومالية وأعتقد أنه يعكف الآن على مشروع كتابة مذكراته أو لعله بعد نقاشه معه اليوم يتشجع وكل الشباب الذين من حوله لاخراج هذه القصص الملهمة والتجارب المهمة لأجيال اليوم الذين لم يلاقوا ربع المعانات والتحديات التي لاقتها الاجيال السابقة وتمكنت من التغلب عليها وتجاوزها.
فقصة الاستاذ على وكفاحه هي نموذج بسيط لعشرات بل ومئات وآلاف الشباب الصومالي الذين كافحوا في ظل انهيار الدولة وقرروا البقاء على الهجرة واللجوء، وحتى أؤلئك الذين هاجروا لكنهم رجعوا اليوم للصومال ولديهم الخبرة والرغبة الصادقة للعمل والانجاز في طريق استعادة الصومال دولة وشعباً لمكانه ومساره الصحيح من التاريخ المجيد لهذا الشعب المكلل بتاريخ من المجد والفخار.