حملت الأخبار مؤخراً ما ينبئ بأن الصين قد طلبت من إيران التدخل لإنهاء أزمة تعطيل الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن من قبل المليشيات الحوثية ، وأن هذا الطلب تم بناء على مشاورات جرت مع الولايات المتحدة ودول أوربية.
أياً كان هذا النوع من التدخل ، فهو في كل الأحوال يعني شيئاً واحداً وهو أن إيران باتت ، من وجهة نظر هذه البلدان ، تفرض قدراً لا يستهان به من السيطرة على الجناحين البحريين للجزيرة العربية : الخليج العربي والبحر الأحمر ، ناهيك عن بحر العرب وخليج عدن ، سواءً بصورة مباشرة أو بواسطة أذرعها المليشاوية .
سياسة الاسترضاء التي يتبعها المجتمع الدولي ، وخاصة دوله العظمى ، مع كل ما يضر بمصالح بلدان هذه المنطقة يقابله سحق فوري حينما يصيب نفس الضرر مناطق أخرى من خارطة هذا العالم .
لا يريد هذا العالم أن يرى إيران في اليمن إلا بعيون ناعسة أو باردة ، ولذلك فإنه يبني سياسته تجاه تدخل إيران في اليمن من منطلقات تتوقف به عند حدود ما يشكله ذلك من ضرر عليه وعلى مصالحه .
لذلك فإن هذا العالم نفسه لم يتحرك بهذا المستوى من رد الفعل إلا حينما أخذت دائرة الضرر من التدخل الايراني تتعدى حدود اليمن إلى الملاحة الدولية .
ومع ذلك لا يبدو أن لديه مانع من السكوت ، أو حتى الاعتراف بهذا التعدي الجيوسياسي لإيران في البحر الأحمر وخليج عدن فيما لو أقنعت مليشياتها الحوثية بوقف اطلاق الصواريخ على السفن وعدم تعطيل الملاحة الدولية . هكذا يفهم من هذا التحرك الصيني -الامريكي -الاوربي في الوقت الحاضر ، والذي أخذت به إيران علماً ، كما تقول ، وتحتاج الى وقت للتفاوض بشأنه مع الحوثي " الذي يمتلك قراره" على حد زعمها .
إيران ، بموقفها هذا ، تضرب عصفورين بحجر ، فهي من ناحية ستقبل الوساطة التي تتضمن إعفاءها من أي مسئولية عما يحدث من تصعيد خطير يهدد الأمن ، وهي من ناحية أخرى تحاول أن تجعل العالم يعترف بالحوثيين كسلطة أمر واقع ، بعد أن تنظفهم إعلامياً من الارتباط بها كمليشيات تأتمر بأمرها .
إن كل محاولة لفصل هذا التصعيد الذي تشهده المنطقة عما أصاب اليمن خلال السنوات الماضية من كارثة على أيدي الحوثيين ومن ورائهم ايران ، هو أمر لا يمكن النظر إليه إلا بأنه تجاهل للخطر الحقيقي الذي أضر بمصالح اليمنيين في السلام والاستقرار طوال عقد من الزمن ، ولن ينظر اليمنيون إلى هذا التصعيد إلا بأنه نتيجة طبيعية لهذا التجاهل المحسوب بحسابات أثبتت خطأها فيما وصل إليه الوضع من مخاطر .
واليوم ، لا حاجة بنا إلى القول ، بعد كل ما عشناه من أحداث وتجارب وخذلان ، إن مواجهة مخاطر التصعيد الايراني الحوثي في البحر الأحمر ، بما في ذلك قصف قواعد عسكرية حوثية - ايرانية ، لا بد أن يرتبط بأفق سياسي ينهي هذا الخطر ويجتث دوافعه وأدواته ، ودعم بسط نفوذ وسيادة الدولة على موانئها ، وضمن ذلك تأتي إدانة رفض المليشيات الحوثية تنفيذ اتفاق استوكهولم ٢٠١٨ القاضي بالانسحاب من الحديدة وموانئها .
أما ما ورد على لسان السيد تيم لندركنج المبعوث الامريكي الى اليمن ، في تصريح له مؤخراً ، من أن النتيجة النهائية لمغامرات الحوثي هي أن تصبح اليمن منبوذة ، فهذا يعني معاقبة اليمن بدلاً من معاقبة قوى الارهاب التي تسببت في هذا التصعيد .