إمامة اليوم: بين عار الماضي ولعنة المستقبل!

بدا لنا أن الإمامة انتهت في 1962، ولكننا لم نكن نعرف أنها كانت في إجازة طويلة، تعيد ترتيب أوراقها، وتجري عمليات تجميل قسرية على وجهها المتعفن، حتى خرجت لنا بنسخة أكثر وقاحة، أكثر خطورة، وأكثر قدرة على الخداع. 
نعم ،إمامة اليوم ليست مجرد استعادة لفصل مظلم من التاريخ اليمني، بل هي استنساخ شيطاني بإضافات حديثة، جعلت منها وحشا متطورا مدعوما بعلاقات دولية، ومليشيات مؤجرة، ومؤسسات "حقوقية" تمنحها غطاء إنسانيا بينما تذبح الشعب تحت شعارات "الولاية"!

والشاهد أن إمامة الماضي كانت تعتمد على الأسطورة الدينية والخرافات لحكم اليمنيين، لكن إمامة اليوم فهمت اللعبة الدولية، فخلعت ثوبها التقليدي قليلا، وارتدت درعا من العلاقات المشبوهة مع القوى الخارجية. 
كذلك لم تعد مجرد سلالة تدعي الحق الإلهي، بل أصبحت ميليشيا دولية، ذراعا عسكريا واستخباراتيا لمشاريع فارسية طائفية، وأداة في يد كل من يريد تدمير اليمن وتحويله إلى مستعمرة بأدوات محلية.

في الحقيقة كانت الإمامة القديمة تعتمد على جزء محدد من الهاشميين، بينما كان كثير من الهاشميين السنة في صفوف معارضيها. 
أما اليوم، فقد نجحت الإمامة الجديدة في جمعهم تحت رايتها، مستخدمة خطابا مزدوجا، مرة باسم "آل البيت" ومرة باسم "المظلومية"، فجعلت كل من يحمل لقب "السيد" مشروع مسؤول أو قيادي، حتى لو كان من أجهل الجهلة وأكثرهم فسادا.
من هنا لم تعد المسألة مذهبا، بل شبكة مصالح وسلطة مغلفة بالدين لتبرير الاستعباد.

لكن إذا كانت إمامة الماضي قد حكمت بالقهر والسيف، فإن إمامة اليوم أضافت إلى ذلك آلة غسل دماغ متكاملة. ليس فقط عبر المساجد والمدارس، بل عبر منظومة تعليمية وإعلامية تصوغ وعي الأطفال قبل أن يعرفوا كيف يكتبون أسماءهم. 
نعم ، جيل كامل يعاد تشكيله ليكون عبيدا طائعين، يؤمنون بأن الفقر قدر، وأن "السيد" هو ظل الله في الأرض، وأن من حقه أن يتحكم في حياتهم، وأرزاقهم، ومصيرهم، وحتى في طريقة موتهم.

على إن هذه الجريمة أخطر من أي حرب، لأنها لا تسرق فقط الأرض والثروة، بل تسرق الإنسان نفسه، وتحوله إلى أداة بلا عقل، مستعد لقتل أبيه وأمه وأخيه بمجرد أن يأمره "المشرف"!

والواقع لم تعد الإمامة في اليمن تعتمد فقط على السيف والفتاوى، بل امتلكت اليوم قوة لا تقل خطورة: المنظمات الدولية. هذه الكيانات التي يُفترض أنها تعمل لأغراض إنسانية تحولت إلى أدوات لتثبيت سلطة الحوثيين، عبر دعم اقتصادي مقنع، وتمرير تقارير تبرئهم، والتغطية على جرائمهم. وبفضل هذه المنظمات، أصبح القاتل ضحية، وأصبحت الدولة اليمنية الشرعية متهمة بعرقلة "السلام"!

في الماضي، كانت الإمامة تُحارب من كافة الأطياف السياسية والفكرية، أما اليوم، فقد وقعت المفاجأة الكبرى: كثير من المثقفين والليبراليين الذين قضوا عمرهم يهاجمون الديكتاتورية والدولة الدينية، وجدناهم فجأة يتوددون للإمامة الجديدة، ويدافعون عن حقها في "الشراكة السياسية"! فهل هناك سقوط أخلاقي أقبح من هذا؟

على إن هذه النخب لم تعد تمثل ضمير الشعب، بل تحولت إلى طبقة انتهازية، تمهد الأرض لسادة جدد، وتُسكن الغضب الشعبي بحجج زائفة عن "التسامح" و"الواقعية السياسية".
نعم ، لا يدركون – أو يدركون لكنهم يتجاهلون – أن ما يفعلونه هو خيانة تاريخية، تفتح الباب لجحيم لا نهاية له.
والحق أقول لكم: حينما يصل الأمر إلى أن يقتل الابن أباه لأنه "كافر بالولاية"، ويدق رأس أخيه لأنه "يقف مع العدوان"، ويُبلغ عن أمه لأنها "تشاهد قنوات معادية"، ندرك أننا أمام شيء أكثر خطورة من مجرد انقلاب سياسي.بل نحن أمام صناعة جيل من المسوخ، أناس بلا ضمير، بلا انتماء، بلا أي إحساس إنساني.
وصدقوني هذا ليس مجرد تطرف، بل هو تفريغ تام للإنسان من إنسانيته، وتحويله إلى مجرد ترس في آلة القتل الح..وثية، مستعد لأن يلغم وعيه، أو يقتل أحبته، أو يهتف باسمه "سيدي ومولاي" وهو يتلقى رصاصة الرحمة من مشرفه!

وهكذا كل يوم نتفاجأ بمستوى جديد من الانحطاط والخذلان، وكل يوم تزداد الإمامة رسوخا، مستفيدة من تواطؤ النخب، وغباء المجتمع الدولي، وسذاجة من يظنون أن هذه جماعة يمكن "التعايش معها". 
في حين لا حل أمام اليمنيين إلا أن يدركوا أن الخطر الحقيقي ليس فقط في الحو..ثيين، بل في القبول بهم، في التعامل معهم كأمر واقع، في السماح لهم بأن يصبحوا جزءا من مستقبل اليمن.

من هنا فإن الإمامة لعنة يجب استئصالها، لا مجرد مشكلة يجب التكيف معها. وعي الشعب هو السلاح الوحيد، واليقظة هي الطريق الوحيد للخلاص. فهل يستيقظ اليمنيون قبل فوات الأوان؟ أم أننا سنكتفي بالتفرج على وطن يباع قطعة قطعة، وأجيال تُعاد برمجتها لتصبح عبيدا للأبد؟

من صفحة الكاتب بالفيسبوك