قبل عقدٍ من الزمن سجل التاريخ اليمني الحديث يوم السادس عشر من أبريل يوماً ملتهباً في الذاكرة ، كجمرة لن تنطفئ إيذاناً بإنطلاق شرارة المقاومة الشعبية في مدينة تعز ،التي كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط بيد مليشيا الحوثي، خصوصاً بعد أن انهارت آخر قلاع الجيش الجمهوري وإنحياز بعض قيادته الى صفوف المليشيات الحوثية التي كانت في تحالف مريب مع عفاش .
لقد كان ذلك اليوم مفترق طرق لمصير هذه المدينة الحالمة وإختبار صعب لأبنائها .. كانت الرؤية معتمة والخيبات تأتي تباعاً من الجيوش التي خانت العهود والمسؤولين الذين أداروا ظهورهم للمدينة إما تطبيعاً مع الجماعة او جبناً من المصير المجهول تحت شعار " النأي بالمدينة عن الحرب "، في المقابل كانت توقعات الإنقلابيين آنذاك بأن أمر تعز محسوم وطريقها سهلاً في أحجية بسط النفوذ والسيطرة .
لكن الإرادة تُغير سرديات الأقدار أحيانا وفي 16 أبريل 2015 تغيّر مصير المدينة مع بزغ فجر المقاومة وارتفاع رايتها بأيدي الأحرار يتقدمهم الشيخ حمود المخلافي الذي خرج من بين الناس كرمزٍ للشجاعة يجسد إرادة التحدي والإستبسال .. لتشكل المقاومة حصناً منيعاً أمام جحافل الحوثي الزاحفة ،وتسطرْ أزهى صور البطولات والتضحيات في مشهد أعاد لتعز دورها المعروف في كل محطة تاريخية تحتاجها اليمن ..لتلتحق بمدينتي عدن ومأرب مثلث المجد المقاوم الذي يذكرنا بفخر واعتزاز عن الأحرار الأوائل الذين دافعوا عن وطنهم أمام المليشيات الحوثية .
يوم إعلان المقاومة في تعز لم تكن تملك جيشاً ولا دعماً ولا غطاء سياسي ولا تنسيقاً مباشراً مع التحالف العربي ، ولا خط إمداد .. لكن كان لديها شي أخر الى جانب الإرادة وهو تاريخ نضالي عريق وملهم لروح النضال والتضحية في عهد الإمامة القديم .
لهذا بالنظر الى رقعة جغرافيا المقاومة في تلك الفترة والذي لا يتجاوز عشر كيلومترات، تدرك مدى المغامرة التي خاضتها المقاومة مع الحوثي المدجج بسلاح دولة ، ففي أحياء كالروضة والشماسي والإخوة والمدينة القديم وشارعي التحرير وجمال ووادي القاضي وعلى سفوح جبل جرة تشكلت نقاط تمركز المقاومة الأولى، بينما مليشيات الحوثي كانت تسيطر على -كل ماتبقى من المحافظة- كل المنافذ والمرتفعات من حبل صبر حتى القصر الجمهوري ومن قلعة القاهرة حتى الحصب ومن الأربعين حتى الزنوج لتضرب طوقاً على المدينة كأفعى حول فريسة.
لتبدا تفاصيل ملحمة بطولية بقيادة الشيخ حمود المخلافي كانت مليئة بالإنتصارات والتضحيات وفصولٍ من الصمود الأسطوري لاتزال محل فخر وإعتزاز حتى يومنا هذا بعد أن منيت مليشيات الحوثي بهزائم كبيرة جعلها تنزوي في أطراف المدينة .
كان للتحالف العربي ، حقيقةً، بقيادة السعودية والإمارات دوراً كبيراً في إسناد المقاومة فيما بعد وشكل غطاء عسكري قوياً وداعماً لها في كل محطة خاصة بعد تحرير عدن وإعلنها عاصمة مؤقتة ، لتصبح تعز أيقونة المقاومة ورمزاً للصمود الذي يأبى الإنكسار .
اليوم ونحن على أعتاب أيامٍ قليلة من إحياء الذكرى العاشرة للمقاومة الشعبية في تعز ، تلك الأيام التي تحمل ذكرى خاصة ولحظات ممزوجة بالفخر والإعتزاز تارةً وأخرى بالدموع على فراق من نحب كشهداء في مسيرة الحرية والكرامة التي لم ينطفي نارها بعد .
كما تذكرنا بالشيخ حمود المخلافي الذي لم يكن قائداً عسكرياً فحسب بل كان مدرسةً وإلهام .. علمنا أن المقاومة ليست سلاحاً فحسب بل شجاعةً وإرادة وإيماناً بأن التضحيات تخرج الأمم من ظلام اليأس الى فجر الحرية . و قوله أن الدرب لم يكتمل بعد وأن النضال مستمر حتى يتحرر كل شبرٍ من الوطن في إشارة للعودة .
فسلامُ على أرواح الشهداء الأبطال الذين صاغوا بدمائهم سِفر الخلود وعلى الجرحى الذين حولوا آلامهم الى شعلات تنير درب النصر ..سلامُ على كلٍ مقاومٍ لايزال متمسك ببندقية الوفاء في متارس الجبهات ليقول لنا بأن الوطن ليس كلمات تردد بل شرف يحمل حتى آخر نفس .
تابع المجهر نت على X