إذا لم تكن الضربات الأمريكية التي تستهدف مواقع حوثية على خطوط الجبهات مع القوات المنضوية تحت لواء الحكومة اليمنية تُنفَّذ بتنسيق عالٍ مع هذه الحكومة، فإنها تُعدّ بمثابة دعوة ضمنية وتمهيد لتحرّك القوات البرية خارج أي إجماع إقليمي أو ضوء أخضر من الرعاة.
توحي هذه الضربات بأن الأمريكيين يدفعون نحو توسيع رقعة المواجهة مع الحوثي، وإشراك الأطراف المحلية فيها، بحيث تتعاظم مكاسب القصف وتتغير معادلة القوة، بهدف دفع الحوثي إلى الاستجابة، لا إلى القضاء عليه كلياً.
ويُخشى أن تفوّت الحكومة هذه الفرصة، نتيجة الانتظار الطويل واشتراطات بعض الأطراف الداخلية لنضوج ظروف المعركة البرية، وضمان تقاسم مبكر للمواقع يتم التعبير عنه بطريقة طفولية.
سلوك ثلاثة أطراف داخل الشرعية يشي بسوء تقدير للموقف وبتصرفات صبيانية، في لحظة حرجة تتطلب بسالة وإقداماً لكسر القيود، والتحرر من الأنانية وقصر النظر.
وأعني بهذه الأطراف: المجلس الانتقالي الساعي للتوسع شرقاً، أنصار طارق صالح الذين يخشون تمكين الإصلاحيين، والإصلاحيين أنفسهم الذين لا يرغبون في أن تذهب تضحياتهم سدى، أو أن يُحصر نفوذهم في أشباه مدن.
التصرفات الميدانية، والمهاترات الإعلامية بين هذه المكونات، تكشف عن صراع مبكر وخارج أي إعداد أو أولويات، وتُظهر انفلاتاً إعلامياً قد يثني الأطراف الدولية والإقليمية عن التعامل مع القوات الحكومية للانتقال إلى المرحلة التالية.
تُمدّ هذه التنازعات جماعة الحوثي بقربة الإنعاش للمرة الألف. وبعد شهرين، سيدرك الأمريكيون — أكثر مما يدركون اليوم — أنه لا يوجد طرف ميداني يمني يمكن الوثوق به، مهما حاول رشاد العليمي تقديم صورة شراكة فعّالة وناجحة.
تدّعي الأطراف اليمنية وجود قيود إقليمية ودولية، لكنها تتناسى أنها هي القيد الأكبر أمام تغيير خارطة السيطرة، وخطوط النفوذ بين الحوثيين والحكومة.
وها هي تنتظر اجتماع مع السفير "سين" أو "صاد" حتى يتشكل لديها موقف، متجاهلة قواعدها الميدانية، وسرعة المتغيرات الدولية التي قد تطيح بها خارج مسرح الأحداث في لحظة معينة.
لم تتعامل هذه الأطراف بجدية مع مسألة خلق حد أدنى من الانسجام والجاهزية العملياتية داخل الحكومة المعطّلة - باستثناء لقاءات هامشية متقطعة-، منذ شهور.
المشكلة ليست في القوات المسلحة، ولا في بسالة الرجال في الميدان، بل في الحسابات السياسية الحزبية والجهوية. والمشكلة الأكبر في غياب جهاز حكومي قادر على تسيير مؤسسات الدولة ومواجهة تحديات المعركة البرية وما بعدها.
الحل الحالم يكمن في تشكيل حكومة حرب من داخل هذه الحكومة، وتجميد نظام المحاصصة حتى الوصول إلى المراحل النهائية من هذه المعركة.
تابع المجهر نت على X