المعارك الجارية بين الهند وباكستان تتجاوز الأهداف الاستراتيجية؛ فهي نتيجة تعبئة أيديولوجية ووطنية تراكمت عبر سنوات طويلة. إنها من أسوأ مآلات الاستعمار وترتيبات ما بعده.
بقيت الهند دولة كبيرة من حيث الجغرافيا وعدد السكان، وشهدت نمواً اقتصادياً مذهلاً. وبمقاييس عديدة، تُعد الهند قوة صاعدة، وديمقراطيتها كانت تسير نحو التعضيد، مما ساعد على تعزيز استقرار البلاد، خاصة عند مقارنتها بالهزات التي تعرضت لها باكستان.
لكن داخل الهند عقدة خاصة تجاه باكستان، إلى حد أن أي مواجهة—لا سيما هذه الحرب التي تحوّلت إلى ساحة اختبار عملي لشركات التصنيع العسكري بين الصين ودول مصنّعة أخرى—تتجاوز الطابع العسكري التقليدي، لتصبح مواجهة نفسية. فالحسم فيها لا يتعلق فقط بالتفوق التقني والقدرة النارية، بل بتوازن نفسي أعمق.
الآن، إذا انكسرت الهند في هذه المعركة، يمكن أن يحدث أحد أمرين على الصعيد الداخلي:
نهاية التطرف الهندوسي وأيديولوجيا مودي، وصعود حزب معتدل يسعى إلى تهدئة الأوضاع والحد من التحشيد القومي العدائي، وهو الاحتمال الأرجح.
أو العكس، أي أن تقود الهزيمة إلى موجة من التطرف والراديكالية القومية الهندوسية، مما سيفاقم الانقسام الداخلي ويؤدي إلى تراجع الديمقراطية، فتصبح الهند قوة عملاقة لكنها مفككة من الداخل.
أما على الصعيد الدولي، فإن سوق التسليح قد يتجه نحو الشركات الصينية والتركية. وتغيير سوق السلاح لا يعني مجرد تغيير في الموردين، بل هو تحول في ولاءات استراتيجية وموازين الهيمنة الاقتصادية والعسكرية.
كما أن صورة إسرائيل كدولة متفوقة في الصناعات العسكرية والأمنية قد تفقد بريقها، ما سينعكس على تحالفاتها في المنطقة والعالم.
لا أظن أن الولايات المتحدة ترغب في انكسار الهند، وذلك لأسباب متعددة، من أبرزها خارطة التحالفات الإقليمية والدولية، فضلاً عن إدراكها لخطورة هذا التحول الذي قد يبلغ نقطة اللاعودة. من مصلحة أمريكا المسارعة إلى التهدئة، والحفاظ على صورة الهند كقوة صاعدة، بل والحفاظ على التوازن الاستراتيجي الذي تقف وراءه وتستثمر فيه منذ سنوات.
تابع المجهر نت على X