نهاية التسوية الحذرة للوجود السلفي في شمال اليمن

اتخذ الحوثة خطوة راديكالية، لكن متوقعة تجاه التيار السلفي، ومساجده ومدارسه ونمط حياة منتسبيه في مناطق سيطرة الجماعة الانقلابية في شمال اليمن، تتمثل في الوصاية الكاملة على المساجد وعلى رأسها أهم مساجد السلفيين في العاصمة صنعاء (جامع السنة) الواقع في حي سعوان إلى الشرق من المدينة.

 

وفي تلخيص لما حدث، عين الحوثة اليوم إماماً وخطيباً من طرفهم لجامع السنة بدلاً من الشيخ السلفي عبد الباسط الريدي، ضمن إجراء يهدف إلى إفراغ المسجد من رسالته ودوره كمؤسسة محسوبة على أهل السنة والجماعة، وإدخاله ضمن المؤسسة الشيعية والماكينة الدعائية العقائدية للحوثة، وهذا الإجراء نُفذ في مساجد السلفيين الواقعة تحت سيطرة الحوثة دون استثناء، مما يعني تقويض البنية المادية والروحية للتيار السلفي وتشتيت المنتمين إليه وإنهاء دورهم الدعوي بشكل كامل.

 

هذه الخطوة تُشير إلى بلوغ مرحة التعايش الحذر بين الحوثة والسلفيين نهايتها تقريباً، وبوسع كلا الطرفين أن يسردا حججهما حول الطرف الذي نكث بوعود التسوية، وأنهى مرحلة التعايش هذه، لكن الحقيقة أن الأمر مرتبط بأولويات سياسية محضة لدى الحوثة، هي نفسها التي حتمت عليهم القبول بالوجود السلفي الذي لا يجمعهم به قاسماً مشتركاً واحداً بما في ذلك الإسلام، فلكل طرف منهما تصوره الخاص بالإسلام الذي يخصه.

 

وحينما نتحدث عن التسوية لا نضع السلفيين في اليمن طرفاً فيها، بل المملكة العربية السعودية، التي يرتبط التيار السلفي بمؤسساتها الدينية وبمرجعياتها العُلمائية، ويشكل جزءً من استراتيجية بناء النفوذ الناعم للمملكة في اليمن.

 

في خريف 2014 أُجبرت المملكة العربية السعودية تحت الضغوط الأمريكية على إنهاء النفوذ القوي للسلفيين في صعدة، وبالتحديد في منطقتي دمَّاج ووائِلة، وجرى طرد جيش من طلاب العلم الذين ارتبطوا وجدانياً بهاتين المنطقتين وبمعهدي الحديث فيهما، وتوزع هؤلاء الطلاب على أنحاء متفرقة من اليمن، وأُعيد تمركز قسم منهم في صنعاء وبالتحديد في سعوان، وفي ذمار وبالتحديد في معبر، قبل أن ينخرط معظم خريجي المعاهد السلفية في الجهد العسكري الذي ذهب شرقاً وغرباً حيثما اتجهت أولويات دولتي التحالف: السعودية والإمارات.

 

لم يكن قبول الحوثة بوجود السلفيين المتحكم به كلياً، في مناطق نفوذهم، سوى تسوية مرحلية، تأسست على رغبة الطرفين في التخلص مما اصطلح عليه بـ: الخوارج (الإخوان المسلمين)، وهو توصيف طال حزب الإصلاح، أحد أكبر الأحزاب والمشارك في بنية السلطة الانتقالية، وسائر مؤسساته ونفوذه في المناطق التي استولى عليها الحوثة، تحت الأنظار المستبشرة للمجتمعين الإقليمي والدولي.

 

الحوثة بهذه الخطوات الراديكالية، يقوضون مرحلة مضت، ويؤسسون لمرحلة جديدة، لا يشعرون معها بالحاجة إلى التعايش مع نقائضهم الدينية، في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، وتضاؤل الأمل بإمكانية إتمام صفقة ثنائية مع المملكة، ثمة أطرافٌ دوليةٌ قويةٌ لن تسمح بها في المدى المنظور.

 

 لذا يقوم الحوثة بما يقومون به من حرث للأرضية الاجتماعية والمذهبية اليمنية، ويحطمون البنى العقائدية الصلبة، ويفسحون الطريق أمام أحادية عقائدية يطمحون إلى أن يؤسسوا من خلالها حاضنة اجتماعية واسعة، وهو طموح يصطدم برفض واسع النطاق من قبل اليمنيين، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى المذهب الزيدي فقهياً ولا يزالون تحت تأثير موروثه الثقافي حتى اليوم.