30 نوفمبر، يوم انتصر اليمن الكبير

​يُمثل يوم الثلاثين من نوفمبر1967 علامة فارقة في تاريخ اليمن المعاصر، ولم يكن مجرد تاريخ لرحيل آخر جندي بريطاني من عدن، بل إعلاناً لسقوط مشروع مشبوه تمثل بـ"اتحاد إمارات الجنوب العربي" الذي هندسته الإمبراطورية البريطانية خلال سنوات احتلالها الأخيرة ليمتص غضب ونضالات اليمنيين، ويطيل من استعمارها، لكن ذلك لم يتحقق، فكانت الثورة وكان النضال، وجاء الجلاء كخاتمة حسنة لتاريخ طويل من المقاومة والرفض والتضحيات.

 

​لم يأتِ الاستقلال على طبق من ذهب، بل كان تتويجاً لنضال مسلح شاق ومرير خلال مراحل زمنية متعددة، بدأت منذ وصول "كابتن هاينس" بقواته إلى عدن، وظل النضال مستمراً على أزمنة وفترات مختلفة حتى انطلقت شرارة ثورة 14أكتوبر في جبل ردفان، ثم تحولت المعركة من الجبال إلى شوارع عدن التي كانت تُعدّ درة التاج البريطاني وميناءً استراتيجياً عالمياً، ونفّذ الفدائيون عمليات نوعية استهدفت الضباط البريطانيين وعملاء الاستعمار، مما جعل تكلفة البقاء للمحتل باهظة بشرياً ومادياً، وانفرط العقد، وتساقطت السلطنات والمشيخات الواحدة تلو الأخرى بيد الثوار، وفشلت خطة بريطانيا لتسليم الحكم لـ"اتحاد الجنوب العربي" الذي أرادته كياناً صورياً موالياً لها.

 

المؤكد أن يوم 30 نوفمبر أعاد تشكيل المنطقة، بإنهاء التشرذم وتوحيد الجغرافيا التي كانت تتوزعها اكثر من عشرين سلطنة ومشيخة، ودُمجت كلها في إطار جامع، وهذا الدمج أوجد "الدولة الوطنية" بمفهومها الحديث في الشطر الجنوبي وقتها لأول مرة، وأنهى قروناً من العزلة القبلية والمناطقية وغياب الكيان الجامع، والتماهي مع الكيانات التي صنعها المستعمر موهماً اليمنيين أنها دولتهم المنتظرة، بينما أرادها لخدمته وإطالة عمر احتلاله، ومع جلائه تعزز مشروع الوحدة اليمنية، وأضحت هدفاً دستورياً لكلا الشطرين رغم الاختلاف الأيديولوجي بين النظامين السياسيين الحاكمين، إلا أن الإرادة الوطنية تكللت بتحقيق الوحدة اليمنية في العام1990م.

 

تعود ذكرى الجلاء لتذكّرنا أن نجاح الدولة الوليدة في توحيد السلطنات والمشائخ كان مردها الاحتكام لمشروع الدولة الجامعة، والقضاء على أي مشاريع مناطقية أو جهوية تذهب بالجهد الوطني نحو تحقيق مصالح خاصة تتصادم مع المصلحة الوطنية العليا، كما أن الذكرى تعود لتؤكد أن العودة لمشاريع ما قبل الدولة هو تراجع عن منجزات نوفمبر، وجريمة ترتكب في حق النضال اليمني الذي لا يعترف بحدود، ولا يؤمن إلا بالوطن الكبير الذي يتجاوز الحدود التي صنعها المحتل في الجنوب في تخادم مفضوح مع النظام الكهنوتي في الشمال.

 

دمتم سالمين.