بعد عشرة أعوام من هذه المراوحة والتمزيق وصل اليمينيون إلى مستوى معيشي لم يعد من الممكن معه الصبر دون السقوط في جحيم الجوع وويلاته.
قابلت صديقاً عربياً زار اليمن مؤخراً. وسألته- وليتني لم افعل- كيف وجدت مدن اليمن؟
حكى لي ما يندى له الجبين، ويتفطر منه القلب.
اناس بين فَنَق وفقر.
القصص التي تأتي من الداخل مفزعة، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثي حيث سياسات التجويع الممنهجة والإفقار الواسع مع تراكم مفارق للثراء الفاحش في قبضة زمرة فاجرة لا تتورع عن التفاخر والكشف عن النعيم الذي تغرق فيه على مرأى الاف العيون الجوعى.
ومثلها عدن وغيرها.
الرسائل الخاصة تغص بالمستغيثين، التواقين إلى الخروج من هذا الظلام الدامس، الباحثين عن امل، عن قارب نجاة قد يكون الحتف، عن فرصة للنور، للسلام الداخلي، للإنسانية وللشباب.
التسجيلات الصوتية الباكية، ونحيب المعاريف والمجهولين؛ كل يمد يده من بئر الطغيان، يتلمس الامل، يتوسل النجاة.
زمرة ترفل باحدث السيارات المدرعة وتتزين باخر صرخات الهواتف وأغلى الألبسة، تنهب ارضاً هنا، وتخفي شاباً عن امه وأبيه هناك، تفتتح سجناً وتغلق مدرسة.
أكاديميون ومدراء عموم وملاك شركات صغيرة ومتوسطة باتوا رهينة الجوع وقاب قوسين او ادنى من الانزلاق إلى التسول بعد ان أعيتهم الحيلة وعملوا في كل المهن الشريفة التي توقعوا منها انها ستقيهم غيلة المسغبة.
الاف القصص الإنسانية التي لم تكن تخطر على بال تتكرر على مسامعنا او نقرأها هنا او هناك.
شباب في ربيع العمر ينتحر في الأرياف والمدن، ابناء يقتلون آبائهم وأمهاتهم غلواً وجنون، شبكات التواصل الاجتماعي تطفح بمن يعرضن الشرف من الفاقة. جيل يتشرب من ثقافة تقديس ما لا يُقدَّس، وتأليه القتلة، جيل يتشبع فكرا ارهابيا وثقافة طائفية تفخخ مستقبل البلاد، جيل يُفرّس و/او يتنكر ليمنيته ويسحقها تمجيدا للجار والبعيد، وطعناً في العروبة. ونحن نمعن في دفن الرؤوس في الرمال.
تُهدر كرامة الناس وشرفهم عنوة وبحقد لا مثيل له ومتجاوز لكل الأعراف والنواميس التي تعاهد عليها اليمنيون.
نصف الشعب مسلّط على نصفه رقابةً وقهراً وطغياناً.
حتى المرأة لم تسلم من ظلم "اختها" المرأة التي ما ان تجندت حتى تلبسها شيطان القمع باسم الزينبيات.
البنوك لا تعطيك مالك، الدولة لا تمنحك راتبك، الغول المشرف يحول دون ان تصل إليك المساعدة الإنسانية، وآلة السرقة المالية تصادر عليك نصف التحويل المالي الاجنبي او ثلثي الحوالة بالعملة اليمنية.
فوق هذا، هناك قتل، اقتحام، محاكمات صورية، اعتقالات تعسفية، وإخفاء، تلفيق تهم مشينة، وعنف مادي ومعنوي مفرط.
لقد اخذت ثمالة القوة عقول هؤلاء الفَجَرة. نسوا آدميتهم وتنكروا لاهلهم وجيرانهم.
وكلما تجبروا تنطعوا ادعاءً بالشرف والعفة والصلاح والدفاع عن السيادة.