الكل بات على يقين أن عصابة السلالة الرسية لا تنظر إلى اليمن واليمنيين إلا كغنيمة حرب؛ وجب ضمها إلى خزائنها، ولذا؛ فعقليتهم اللصوصية تدفعهم لأخذ كل ما يستطيعون الوصول إليه، وتدمير وتعطيل ما لم يستطيعوا الحصول عليه.
ليس لهم قيود أخلاقية أو موانع شرعية أو نصوص دستورية أو روادع قانونية، تمنعهم من الإقدام على ممارسات وجرائم تضر بالوطن والمواطن. ولذا؛ فهم يُقَدِّمُونَ على التدمير في مؤسسات الدولة بعقليات الضباع، التي لا تفكر في العواقب، لأن عواقب أعمالهم وجرائمهم لا تطالهم ولا تؤثر على حياتهم وممتلكاتهم.
ولكن المشكلة ليست هنا، فالمشكلة تَكْمُنُ في طرف الدولة، في الطرف الممثل للناس، في الطرف المواجهة لهذا الوباء السلالي، فينا نحن.
للأسف ومنذ سقوط الدولة، ضاعت بوصلة التعيين، وسقطت معايير التوظيف، فتم إشغال الكثير من مناصب الدولة العليا والحساسة، بقيادات حديثة التوظيف، محدودة التأهيل، ومنعدمة التدريب، قفز معظمهم إلى القيادة بدعم حزبي، وبمحاصصات مناطقية، وبدفع شخصي، وبقرابة الدم، وبأهداف تتوزع بين الشخصية والحزبية والمناطقية.
هذه الممارسات والسياسات الخاطئة أتت نتائجها كارثية على الجميع، فعندما دخلنا المعركة الوطنية الكبرى لإنقاذ الشعب اليمني العظيم، وجدنا اليمن الكبير يُقاد بتلك القيادات الصغيرة، الذين كان معظمهم يتوزعون من حيث الأداء بين الضعيف والموالي والساذج، وذو الأجندات المختلفة والمخالفة، فذهبت معظم نتائج التضحيات الجسيمة إلى موائد الضباع.
بلا شك أن تضحيات الرجال في الشمال والجنوب، ودعم التحالف، شيد أبنية وصروحا عظيمة في مسار استعادة الدولة اليمنية وإنقاذ اليمنيين، ولكن كثيرا منها نُخرت بأداء تلك القيادات المذكورة، وبُددت بلؤم بعض قيادات اتخذوا من مسار "الحياد" دليلا ومرشدا لهم، طمعًا في دعم الخارج، وفي رضا العدو.
تفاءلنا كثيرا بالمجلس الرئاسي وما زلنا، بسبب تشكله من كل القيادات الوطنية والفاعلة والمضحية في الميدان، وبقيادة رجل دولة من طراز رفيع، لا ينتمي إلى خنادق المذهبية أو سراديب الطائفية أو متاهات المناطقية، بل إلى خندق الدولة، ولكننا اليوم صرنا نتوجس خيفة من الأمر، ليس بسبب ضعف ولاء أو أداء قيادات المجلس، الذين هم مثل أعلى في التضحية والوطنية، ولكن التوجس والخوف يأتي من شكل مخرجات قراراتهم، ومن لون وطعم نتائج ما يعصرون.
للأسف نشعر أن كثرة قيادات المجلس وتعدد انتماءاتهم السياسية والمناطقية عطلت خروج قرارات مصيرية إلى النور، وعرقلت تعيينات مستحقة، وأخرت إجراءات حاسمة، كان اليمن في حاجة ماسة إليها.
مثلا، كل قيادات الدولة ووزاراتها السيادية ومؤسساتها الكبيرة ذهبت إلى أهلنا في الجنوب، مما خلق اختلال في التوازن السياسي في التمثيل، وهمش الكتلة السكانية الكبيرة في الشمال، الأمر الذي أثر ويؤثر سلب على دفعهم لمواجهة الوباء السلالي هناك.
أدى عدم توافق قيادات المجلس الرئاسي الثمانية إلى تعطيل تعيين أعضاء حكومة جدد بدلًا عن الأعضاء الذين صار لها عقد كامل على كراسي الحكومة، التي تناوب على قيادتها أربعة رؤساء، بل إن تأخر حسمهم ـ قيادة المجلس الرئاسي ـ للقضايا عطل تعيين وزراء وسفراء في وزارات وسفارات وقنصليات شاغرة منذ عدة سنوات، إضافة إلى ترك كثير من السفراء الذين صار لهم ثمانية أعوام، وفيهم ممن لا يستحق حتى أدنى درجة في السلك الدبلوماسي.
في نظري، التفريط بالطائرات لا يقل خطورة عن التفريط بصنعاء ثم بالحديدة ثم بنهم والجوف، وبمواني تصدير النفط، وبإمكانات التحالف وجهودهم، ودماء أبنائهم لنصرتنا وإنقاذ اليمن.
اليوم المجلس الرئاسي أمام تحديات كبيرة ومخاوف متصاعدة، من تعثر أدائهم لقيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان، والبداية والتبديل والإحلال والمراجعة والاستبدال والتصحيح يبدأ من مكتب الرئيس ويستمر حتى يصل إلى تفقد حارس أصغر منشأة محررة، في أبعد نقطة في اليمن.
نعيش في الخارج، ولكن والله أن آلام من يحدث لليمن تعصرنا كثعبان ضخم يعصر فريسته، ولكن لا نقول إلا لعل في ذلك خير.