المجهر- العربي الجديد
ما زال معظم اليمنيين يحتفظون بالعادات والتقاليد الروحانية المتوارثة لشهر رمضان، ويحرصون على إقامة الاحتفالات الشعبية لاستقبال شهر الصيام.
في حي الصافية بوسط العاصمة صنعاء، يجهز الشاب محمد يحيى في وقت مبكر الحلويات الشعبية التي سيبيعها في رمضان، ويقول لـ "العربي الجديد": "نعد كميات أكبر من أصناف الحلوى التي لا نبيعها كثيراً إلا في شهر رمضان. في بقية الأشهر لا يقبل الناس على شرائها إلّا نادراً، وأبرزها الرواني، والشعوبية، والصاري، وكلها حلوى شعبية يمنية لا أعرف إن كانت توجد في دول أخرى بأسماء مختلفة".
يتوقع يحيى أن يكون إقبال الناس أقل على الشراء هذا العام. يضيف: "خلال اليومين الأول والثاني من رمضان بعنا كميات أقل من الحلوى مقارنة بالسنوات الماضية، رغم أننا أعددنا كميات أقل، لعلمنا أن أوضاع الناس المعيشية سيئة، لكن كانت النتيجة برهاناً إضافياً على عدم قدرة الناس على توفير المال اللازم للشراء".
وخلال سنوات الحرب الماضية تفاقمت الأوضاع الإنسانية في اليمن، ووفق تقييم الأمم المتحدة، فإنه يعيش "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، إذ يحتاج نحو ثلثي سكان البلاد إلى مساعدات (21.6 مليون نسمة)، فيما يحتاج نحو 17 مليون نسمة إلى مساعدات إنسانية عاجلة خلال عام 2023.
تعمل سلمى عبد العزيز موظفة إدارية بإحدى المستشفيات الخاصة، وقد عملت بشكل مضاعف قبل حلول شهر رمضان من أجل الحصول على مكافآت إضافية تستطيع من خلالها تغطية احتياجاتها خلال الشهر، الذي ترتفع خلاله الأسعار بشكل ملحوظ، حتى إن بعض المستلزمات الغذائية تتضاعف أسعارها عدة مرات خلال الأشهر السابقة على حلول رمضان.
تقول عبد العزيز لـ "العربي الجديد": "الوضع المعيشي في بلادنا جعلنا أقل شغفاً باستقبال شهر رمضان. جلّ همنا تأمين الاحتياجات الأساسية لرمضان، وللعيد من بعده، وهذه مهمة صعبة، رغم أننا من بين الأشخاص الذين ما زالوا يعملون في القطاع الخاص، بينما غالبية موظفي الحكومة بلا رواتب. اتفقت مع زوجي على تقليص النفقات خلال شهر رمضان، ونخطط لإقامة مائدة إفطار واحدة مع عائلة زوجي، وبذلك نكون قد حققنا اللمة العائلية، واستطعنا توفير جزء كبير من التكلفة عبر تقاسمها".
وتكاد تجمع كل اليمنيين الهموم المشتركة، خصوصاً الأزمات المعيشية المتفاقمة التي يستقبلون شهر الصيام خلالها، فيشكو مواطنو العاصمة صنعاء من أزمة في الغاز المنزلي، وقد تزايدت مؤخراً، وفي العادة تتكرر هذه الأوضاع سنوياً، ما يضطر السكان إلى شراء الغاز من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، بينما يأمل سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وخصوصاً في المدن الساحلية، أن تتوافر الكهرباء بانتظام، لكن ذلك صعب التحقق.
رغم الوضع المعيشي السيئ بسبب الحرب، لم تتغير الكثير من عادات اليمنيين المتوارثة في شهر رمضان، التي تتجلى بأشكال وممارسات متعددة، خاصة تلك التي لها أبعاد روحانية، إذ تبدأ مع حلول منتصف شهر شعبان احتفالات ما يسمى "الشعبانية"، وفيه يصوم الناس، ويحتفلون ليلاً بإشعال النيران وترديد الأهازيج الشعبية.
في مدينة تعز (وسط)، يحتفل سكان الأحياء بشكل تقليدي باستقبال رمضان. يقول مازن سعيد لـ "العربي الجديد": "قبل أيام من حلول رمضان، تجمع الكثير من الأطفال والشبان في الأحياء، وعملوا على إحياء ليلة الشعبانية، وهي موروث شعبي قديم كان على وشك الاندثار، وخلال السنوات الماضية عاد إلى الحياة، وفيه يقوم الأطفال بترديد الأهازيج وطرق أبواب المنازل بشكل جماعي لتهنئة الناس".
في صنعاء، يشتهر عدد من أهازيج استقبال رمضان التي يرددها الأطفال قبل أيام من دخول الشهر الكريم، ومن أبرزها "يا رمضان يا بو الحماحم. ادي لأبي جغثة (حفنة) دراهم"، وما زال هذا التقليد شائعاً قبل قدوم شهر رمضان لدى مختلف الأجيال، إذ يتحرك الأطفال بشكل جماعي، وينشدون تلك الأهازيج في شوارع الأحياء.
يشعر علي القاسمي (56 سنة) بالحنين إلى طفولته عندما يسمع هذه الأهازيج، ويقول: "هذه العادات محفورة في ذاكرتنا، وما زال أطفالنا يرددونها قبل شهر رمضان، والمميز أنها غير مرتبطة بالوضع المعيشي الذي نعانيه، ولم تتأثر بالحرب، أو بصراعنا من أجل العيش".
يضيف القاسمي لـ "العربي الجديد": "إلى جانب الأهازيج، يقوم المواطنون بتنظيف شامل للأحياء، وتعليق الأضواء والزينة التي كانت مميزة سابقاً، قبل أن تغزو الزينة التجارية الأسواق، وتضيف تكلفة مادية إلى عاتق العائلات".
استقبلت نجوى أمين شهر رمضان بعملية تنظيف وغسيل شاملة للمنزل، وتقول في حديث مع "العربي الجديد": "اعتدنا أن نعد عزومة قبل رمضان ببضعة أيام، نسميها (يا نفس ما تشتهي)، ونستضيف فيها أفراد الأسرة والأصدقاء، وميزتها أنها غير مكلفة، إذ يتشارك الجميع فيها. تعد كل واحدة طبق طعام، ونجتمع في منزل واحد لنأكل، ونتبادل الحديث، فتكون سفرة طعام مميزة ومنوعة بنكهات وألوان مختلفة، إذ يجهز كلّ شخص ما يقدر عليه، ونركز على أن تكون المأكولات بسيطة حتى لا يكون هناك عبء إضافي على الأسر التي تعاني من الأساس".
ويحرص بعض اليمنيين على استقبال شهر رمضان في قراهم التي ينتقلون إليها لقضاء الأيام الأولى من الشهر على الأقل، قبل العودة إلى ممارسة أعمالهم المعتادة في المدن، من بين هؤلاء مازن سعيد، الذي يقول: "أسكن في المدينة، لكن أبي وأمي وأسرتي الكبيرة يعيشون في القرية، لذا أحرص دائماً على استقبال رمضان معهم، ولولا الظروف، لفضلت البقاء في القرية طوال رمضان. أشعر هناك بالهدوء والصفاء، فالتقاليد الروحانية في القرية لا ينغصها ضجيج المدينة".
اقرأ أيضًا: معهد أمريكي: التصعيد العسكري للحوثيين يكشف نواياهم تجاه اليمنيين