المجهر- ترجمة خاصة
نشرت صحيفة "موند أفريك" الفرنسية تقريرًا سلطت فيه الضوء على تداعيات الاتفاق السعودي الإيراني، الذي رعته الصين، على الحرب في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفا عربيا ضد جماعة الحوثي المدعومة من طهران.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمه "المجهر"، إن إيران وافقت - بحسب بعض التقارير - على وقف شحنات الأسلحة السريّة إلى حلفائها الحوثيين في اليمن، وذلك بحسب ما أفاد به مسؤولون أمريكيون وسعوديون لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية. إنه انعكاس مذهل - إذا ثبتت صحته - يحدث في إطار الاتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين، ما يعني إمكانية الوصول إلى حل سلمي لواحدة من أطول الحروب الأهلية في المنطقة.
منذ سنة 2014، تدعم السعودية وإيران حربًا في اليمن بين الأطراف المتقاتلة، حيث يتم تسليح الحوثيين وتمويلهم من قبل إيران، بينما تؤيد المملكة العربية السعودية الحكومة الأصلية وتدعمها. وقال مسؤولون أمريكيون وسعوديون إنه إذا توقفت طهران عن تسليح الحوثيين فقد ينتهي هذا الصراع، ذلك أن قطع إمدادات الأسلحة عنهم يعني صعوبة ضرب أهداف سعودية وإحراز تقدم على الأرض في اليمن.
ظِلال الصين
أشارت الصحيفة إلى أن الوفد الإيراني لدى الأمم المتحدة امتنع عن التعليق على الموضوع لسبب وجيه وهو أن طهران - على الصعيد الرسمي - نفت على الدوام مزاعم تزويد الحوثيين بالأسلحة، لكن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تزعم أن قواتها البحرية التي تقوم بدوريات في الخليج العربي ترصد باستمرار مراكب شراعية قادمة من إيران تنقل أطنانًا من الأسلحة وملايين الخراطيش إلى الحوثيين.
وبحسب الصحيفة، فإن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران تمثل فرصة لتعزيز احتمال التوصل إلى اتفاق في اليمن في المستقبل القريب، وسيكون إنهاء هذا الصراع بالنسبة لإيران اختبارًا حقيقيًا لنجاح الصفقة الدبلوماسية، وذلك وفق ما صرّح به مسؤول أمريكي.
ثرثرة المسؤولين الأمريكيين
ذكرت الصحيفة أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة في مقال "وول ستريت جورنال" هو أن الصحفي يقتبس باستمرار عن مصادر أمريكية كما لو أن الولايات المتحدة وليس الصين هي التي رعت اتفاقية نزع سلاح الحوثيين من قبل إيران، ودفعت السعودية لإحياء العلاقات الدبلوماسية مع طهران.
يعود الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط لعدة عقود، وكان هدف الولايات المتحدة الرئيسي تحقيق الاستقرار في المنطقة لتعزيز مصالحها الخاصة، لكن أقل ما يمكننا قوله هو أنها لم تنجح أبدًا في ذلك خاصة في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. واندلعت حرب لا نهاية لها في اليمن، واكتسبت إيران برنامجًا نوويًا، مع تزايد المخاوف من قيام إسرائيل بقصف المواقع النووية الإيرانية.
زادت الصين تدريجيًا من وجودها الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط، ويبدو أن الشرق الأوسط الذي كان مجال هيمنة الولايات المتحدة أصبح الآن منطقة مفتوحة أمام الجهات الفاعلة الأخرى. فالصينيون الآن أكبر مشترِِ في العالم للنفط من المنطقة، وهم يوسعون صادراتهم بسرعة إلى هناك، والشيء الوحيد الذي لا يزال يميز الولايات المتحدة عن الصين في الشرق الأوسط هو الوجود العسكري الهائل إلى جانب قواعد عسكرية في قطر والسعودية، ومخازن أسلحة في إسرائيل، وأسطول عسكري كبير في البحر المتوسط، لكنها ترفض المواجهة العسكرية مع إيران.
السؤال المطروح اليوم: هل ستكون الأولويات السعودية الجديدة خطوة أولى نحو تفكيك اتفاق أبراهام؟
إن الجانب الأمريكي - الذي يرفض استخدام القوة العسكرية - ليس له فائدة كبيرة للمملكة العربية السعودية، فإذا رفضت واشنطن ضمان أمن المملكة العربية السعودية، فإن الرياض لها حرية اللجوء إلى الصين، ويمكن اعتبار استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية انتصارًا للصين، العرّاب الجديد في الشرق الأوسط.
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن الصين لن تتردد في تقديم مساعدات عسكرية وطائرات مسيرة وصواريخ للسعودية. علاوة على ذلك، فإن بكين مستعدة لتزويد الرياض ببرنامج نووي مدني دون إيلاء أهمية لقضية حقوق الإنسان، لكن السؤال الشاغل: ما هو الدور الذي ستلعبه إسرائيل في هذا التغيير الإقليمي الجديد؟ وهل تمثل الأولويات السعودية الجديدة خطوة أولى نحو تفكيك اتفاق أبراهام؟ الأكيد أننا سنكتشف ذلك قريبًا.