السبت 11/يناير/2025
عاجلعاجل

تفاضح لصوص.. إنه أبوك

 الفساد.. لفظة مضللة، مدعوكة حد الاهتراء، غطاء للمجاهر والمحاذر، وستار للمجرم المدان والمنكر الجبان، مهرب شياطين خرس الروح والموقف.

 

الفساد.. بين ألفها والدال ذباب يطن وعفنٌ يتوطن.

 

الفساد.. لفظة زلقة رجراجة، مخاتلة لا تعكر صفو الفاسدين، كلمة سائدة لا تدل إلا على تسيد الجريمة وتعاظم الزيف، لا تقوم دليلاً على ناهب أو غاصب، ولا تشير إلى فساد صريح، ولا إلى فاسد قبيح، معاقة بلا لسان ولا أصابع، لا تتوجه إلى لصٍ باسمه وجرمه، يقف عليها الفسدة ملوكاً، واثقي الخطيئة في واقع يرى ويواري ويتقي عبء الرؤية.. كلمة مموهة يغيب معها الجاني والضحية وتضاع الحقوق.

 

كرش اللص الكبير يطحنك لحمة في حين تلوكه كلمة، تثير شهية الفاسدين وتؤجج شهواتهم للمزيد.  

 

الفساد في كل ما نكتب ونقول ونفعل، سيرة مفتوحة على باب محكم الإغلاق. نجد في المنتهى أنه الأب المبجل والأخ الكبير.

 

لسنا شجعاناً ما دمنا ندثر إنكارنا بهذه المفردة الغائمة، المبهمة، هذا الدغل المزخرف الذي ندفن الحق والحقيقة في جوفه ليل نهار.

 

نحن نغيب بقدر كثافة حضور هذه المفردة اللعينة في الخطاب الحكومي والحزبي المثار.

   

متسترون على الفساد وندعي محاربته، نواجهه بدبلوماسية مفرطة، نخضع له بالقول فيزداد سعاراً وتمدداً وتكاثراً. 

 

كيف نسقط الفساد من عليائه أسماءً، وجوهاً واجهات، وتوجهات، ونحن نسقط في خور جماعي مهين وفي صور من التواطئات المخجلة؟ كيف نواجهه ونحن نرعاه ونراعيه ونداجيه ونداهنه ونبرره..؟   

 

 أبناء الفساد لا يعقونه ولا، يشيرون إليه إلا تلميحاً، يعاملونه بتسامح وغفران وتساهل فهو منهم وإليهم، يؤسسون لإطالة عمره.

 

الفساد لا يحارب ذاته، ولا يكافح سوءاته، ولا يصم خياناته، والمجتمع الفاسد مرتع الشرور والآثام.

  

إحتضان الفاسدين وتسمينهم وإعادة إنتاجهم، سمة ملازمة لكل النظم والمجتمعات الفاشلة التي تأسست على الفساد، وصار بالنسبة لها من أدوات التكوين الراسخة، وضمن المواريث المحروسة بعناية.

 

لا تخش على الفساد، ساحتنا وفية لا تنكر بحق ولا تتنكر لمواريثها الحاكمة.  

 

فلتواصلوا الندب والبكاء و السقوط، وليبق الفساد عالياً، زاحماً الفضاء، موفور القدر محفوظ المقام ..

 

لكن من تقصد؟.. من يكونوا ؟ أين هم؟ 

 

آهٍ ما أفسدني!!   

 

الكلام الكثير انسكب، وما زال كأسي على حاله، مترعاً بالتعب.

 

في زمن سابق كان لدينا بعض المؤسسات التي تمثل حساسيتنا الوطنية تجاه مهددات الوجود، كانت تتولى ولو في الحد الأدنى مهام المراقبة والمساءلة والمحاسبة. 

 

اليوم، نحن خارج المواضعات، الأوضاع الهشة وفرت لكل هش فرصاً هائلة للهبش، واتسع نادي الهباشين حتى اندلقت الفضائح للفضاء العام في صورة تفاضح لصوص. 

 

لا تتحمسوا كثيرا، لن يحدث شيء، ستخفت الجلبة، وسيواصل الفساد نخره فينا بوتيرة أعلى، وسنتابع السقوط والصراخ، ومع كل تسريب سنضج أكثر، وقد نوغل في العراك والاشتباك.

 

ثم ماذا؟ لاشيء سيحدث ، لا شيء سيتغير ، سيقال هي مجرد دعاوى فاسدة تستهدف تقويض المقوض وتعويق المعوق وعرقلة الخطوات الراكضة بإصرار نحو المستقبل .  

 

لكأننا في فيلم هندي طويل، ينهينا ولا ينتهي، وكلما اشتبكنا مع الشرير وكدنا نصرعه، قفز صوت من قلب العتمة صارخاً: "إنه أبوك.. إنه أخوك".