غزة.. انتصار البقاء على قيد الحياة

بعيداً عن جدلية النصر والهزيمة بمعناها المادي، أن تبقى على قيد الحياة بكل جراحك ودمائك النازفة بعد معركة ضارية لا سلاح لك فيها سوى عدالة قضيتك، فتنجو فأنت منتصر. بقائك واقفاً في مكانك بكل أشلاءك الممزقة والنازفة دون أن تستسلم فانت منتصر، أن يخذلك الجميع ويتركوك تواجه مصيرك وحيداً، وثباتك كل هذا الوقت ورغم كل هذا الخذلان فأنت منتصر أيضاً, أن تبقى في وجه كل هذه القوة الهمجية المتغطرسة و الخرساء صامداً محتسباً فأنت منتصر.

فالنصر والهزيمة لا تقاس بعدد الضحايا والأشلاء والأعيان المدمرة وإنما بمدى صمودك و تماسكك وجسارتك وبقائك وافقاً ممسكاً بخيط حقك و تقاوم كل صنوف القهر والظلم والخذلان، هذا في حد ذاته انتصار بطعم الهزيمة، يراكم التعافي ويضمد الجراح ويقلل مرارة الفقدان والخسارات. 

قد لا يعني النصر أن تسحق خصمك وتحرر أراضيك وتمضى لإعلان الاستقلال وأنما أن تخوض معركة غير متكافئة وتخرج منها واقفاً على قدميك الممزقة، هذا هو في حد ذاته انتصار و إن كان بطعم الهزيمة يبقى أنك انجزت خطوة للإمام لتبنى عليها وتراكم كفاحك حتى النهاية. 

أما النصر فهو حساب إلاهي لا تصنعه القوة القاهرة وحدهما وإنما الإيمان وعدالة القضية وكفاحك الدائب من أجلها وعدم اليأس والتشكي فهذه خطوة على طريق النصر حتماً اليوم أو غداً طال الزمن أو قصر.