ما هي حدود استعمال القوة؟

الاشارة المكثفة إلى دمار غزة المروع المصاحبة لسؤال ملغوم هو ماذا كسبت حركة حـ.ماس تنتج عن مقارنة فاسدة في مدخلاتها في العموم واذا كانت صادرة من اكاديمي او كاتب فهي تفتقر للنزاهة المعرفية. 

 

هي اشارة متغافلة واستغفالية وكأن البشرية لم تعرف من قبل إلا هذه الحرب بالتالي فليس لها دراية ولا مقياس. فضلا عن انها مقارنة تضع الحرب والخراب مقياسا بذاتيهما ولذاتيهما خارج سياقيهما النفعيين والأخلاقيين.

 

سؤالها هام جدا وينبغي طرحه وينبغي ان تطرحه الحركة على نفسها وامام شعبها وامام وعموم الشعب الفلسطيني والعربي إذا كانت جادة وحريصة، لكن السؤال هنا بهذه الطريقة الموضحة أعلاه يفصح ان هذه المقارنة تتجاهل نقاط عديدة تجعل منها غير سوية وقصدية خالية من اي تعاطف او سؤال عملي أو حتى اخلاقي على ضوء الواجب والمستطاع.

 

اولا، تعمد إلى عزل الوضع عن سياقه الاستعماري الاحتلالي الذي يخلق بطبعه مقاومة لها شروطها ومحدداتها ومنطقها الخاص الناتج عن اختلال ميزان القوة.

 

ثانياً، ولانها كذلك فإنها غير معنية بقيم مثل نصرة المظلوم او رفض العنف او رفض الاحتلال كون هذه المواقف تستدعي النظرة الكلية للمشهد واعادة موضعة الفاعلين بين معتدي ومعتدى عليه ودوافعهما الاخلاقية وهذا يقتضي دفع ثمن مادي ومعنوي لذلك. اي ان هناك مسؤولية. 

 

ثالثاً، لا تضع طرفي الصراع أمام مسؤلياتهما الاخلاقية أو التزامهما بأخلاق الحرب والصراع سيما وقد طورت البشرية قواعد حرب صادرة عن وعي كامل بضرورة الحرب كسلوك بشري ولكنها قيّدتها حتى لا تكون غايتها الإبادة ويكون للنصر او الهزيمة معنى. لذا فهي ترى ان الخراب صنيعة طرف كانت قدراته اقل من المواجهة وليست صنيعة طرف يمتلك كل اسباب التدمير وينتظر ابسط شرارة ليفعل ما يستطيع ان يفعل دون وازع او رادع او قيد. مجرد معادلة قوة لا معادلة حق وملكية. 

 

رابعا، طرح السؤال على هذا النحو بالتسليم بحق طرف يمتلك كل عوامل التدمير يشير إلى اختلال قيمي حول سوال الـحرب: إلى اي مدى يمكن للحرب ان تخلق دماراً؟ ما هي حدود استعمال القوة؟ هل بالضرورة ان يكون رد الفعل مساويا ومضادا للفعل ام له ان يتجاوزه على نحو طاغٍ؟ 

 

الحس العملي النابع من تعاطف خالص يقتضي ان تهب لمساعدة الغريق او المدفون اولاً ثم تسأله عن اسباب الحادثة وقد تلومه لاحقا. ما نراه هو المسارعة إلى القاء اللوم على الغريق قبل انقاذه.

 

لا ارى في هذا السوال بمقاربته الحالية غير لمز مرضي (باثيتيك) الغرض منه استلهام درس محاولة الرفض والتجريب والايحاء بضرورة العودة إلى بيت الطاعة بعيداً عن مبدأيه جوهرية في العلاقات الدولية ؛ حق الشعوب تقرير مصيرها.