عيدروس الزبيدي يجتمع مع رشاد هائل سعيد ضغط على الصرافين لكن بدون حل للمشكلة

هناك أزمة مالية ونقدية واقتصادية تعصف باليمن.

 

هل يمكن لأي أحد معرفة سبب ما حدث؟

أنا أعتقد أن المجهول الأول هو أنه لا أحد يعرف سبب ما حدث من الارتفاع المفاجئ لقيمة الريال.

 

لكن صعود ريال اليمن، أحدث تغيرا زلزاليا في حياة اليمنيين

 

**

أولا: تطورات الأسبوع الماضي

**

 

ارتفعت قيمة الريال ٥٠٪؜ قبل أسبوع ويقولون أن الأسباب، هي:

 

١- مزادات البنك المركزي (تدخلات فنية)

*

البنك المركزي في عدن أعلن عن مزايدات لبيع الدولار للتجار بهدف تمويل واردات (قمح، وقود، سلع أساسية).

 

هذه المزادات (حتى لو كانت صغيرة نسبيا) أدت إلى تهدئة الطلب على الدولار لبعض الوقت.

 

(هذا تفسير، لا يكفي لارتفاع ٥٠٪؜.)

 

٢- توقعات بقدوم دعم خارجي

*

في الأيام السابقة، تم تداول معلومات (غير مؤكدة رسميا) عن وديعة سعودية/إماراتية جديدة أو دعم مالي، ما جعل بعض المضاربين يتوقفون عن شراء الدولار بكثافة انتظارا لما سيحدث.

 

(هذا تفسير، لا يكفي لارتفاع ٥٠٪؜)

 

٣- الرقابة على شركات الصرافة

*

حتى قبل الإغلاقات الكبيرة الأخيرة، بدأ البنك المركزي بتشديد الرقابة وإيقاف بعض شبكات الصرافة غير المرخصة، ما قلل من المضاربات اليومية.

لكن المضاربات، تتم بالتليفون.

 

(هذا تفسير، لا يكفي لارتفاع ٥٠٪؜)

 

٤- نفسية السوق (التوقعات)

*

بمجرد أن يرى الناس أن العملة تتحسن قليلا، تتغير قرارات الأفراد والتجار: بعضهم يؤجل شراء الدولار أو يبيع ما لديه خوفا من خسارة فرق السعر، ما يعطي دفعة مؤقتة للعملة المحلية.

 

(هذا تفسير، متروك قبوله لكم لقدرته على رفع سعر الريال ٥٠٪؜)

 

**

ثانيا: المفاجأة ٥٠٪؜ صعود الريال

**

 

لا نعتقد أن محافظ البنك المركزي ولا الحكومة ولا المجلس الرئاسي ولا الصرافين ولا التجار الكبار كانوا يتوقعون أن ترتفع قيمة الريال بمقدار ٥٠٪؜ وبهذه الصورة الدرامية المفاجئة من هذه التطورات.

 

١- غياب التخطيط المسبق

*

عادةً، مثل هذا التحسن الكبير في قيمة العملة يحدث إذا كان هناك:

ضخ كبير للعملة الصعبة من الخارج.

أو خطة اقتصادية واسعة تشمل عدة وزارات وبنوك.

 

غياب أي إعلان رسمي عن وديعة ضخمة أو إصلاحات يجعل القفزة غير متوقعة حتى من صناع القرار.

 

٢- مؤشرات “الصدمة”

*

حتى شركات الصرافة الكبرى أغلقت أبوابها أو توقفت عن البيع، ما يعني أنها نفسها فوجئت ولم تتهيأ لسعر جديد.

بعض التجار الكبار (مثل الجملة)، أصيبوا بالرعب وأغلقوا محلاتهم خوفا من الخسارة.

 

٣- احتمال “فاعل خفي”- نظرية المؤامرة

*

إذا لم يكن البنك المركزي أو الحكومة أو كبار التجار هم من حرّكوا السوق، فمن الذي فعل؟

هنا تبدأ نظرية المؤامرة، كما هي متداولة في الوسائط الاجتماعية :

 

أ- مؤامرة مضاربة منظمة من أطراف خارج الحكومة:

 

 (شركات، شبكات مالية، أو حتى قوى سياسية) لها القدرة على ضخ كميات ضخمة من الريال مقابل عملة صعبة.

(بما نعرفه عن الأوضاع، هذا كلام فارغ)

 

ب- مؤامرة تدخل أمني مباشر مفاجئ:

أغلق شرايين السوق فجأة، ما أدى إلى ندرة العملة الأجنبية في التداول ورفع الريال سريعا.

(بما نعرفه عن الأوضاع، هذا لم يحدث)

 

٤- تأثيرات الثقة والعوامل النفسية

*

المؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي أصبحوا أهم من وزراء المالية.

هذا يخلق “فوضى سيادية”.

العملة تتغير قيمتها بعيدا عن أدوات الدولة المعتادة.

(هذا سوف نترك لكم الحكم به إن كان كافيا لترتفع قيمة الريال بمقدار ٥٠٪؜)

 

**

ثانيا: تطورات ال ٢٤ ساعة الأخيرة

**

 

١- البنك المركزي اليمني في عدن، يغلق بعض أكبر مكاتب الصرافة في عدن.

٢- النيابة العامة، تأمر قوات مكافحة الإرهاب بتولي مسؤولية قفل مكاتب الصرافين.

 

٣- الصرافون الرسميون، يشترون الريال السعودي والدولار الأمريكي من المواطنين بسعر رخيص ولكن لا يبيعون.

(من المعروف أن الريال السعودي والدولار الأمريكي، يأتي من اليمنيين المغتربين الذين يرسلون لأهاليهم.)

 

٤- ظهر لاعبون جدد على المسرح: أشخاص يقفون على أرصفة الشوارع أمام مكاتب ودكاكين الصرافة، يغرون المواطنين بشراء الريال السعودي بسعر أغلى مما سوف يدفعه لهم الصراف.

(هذا هو ما نسميه بالسوق السوداء)

 

٥- مجموعة هائل سعيد— أكبر مؤسسة تجارية صناعية في اليمن— خفضت أسعار شراء منتجاتها الغذائية بالريال اليمني بمقدار ٣٥٪؜.

 

٦- كيس الدقيق أو كيس الأرز - مثلا- أصبح أرخص بالريال اليمني الذي قد ارتفعت قيمته لكنه أغلى بالريال السعودي والدولار الأمريكي الذي يصل للمواطنين من أهاليهم المغتربين.

أما المواطن الذي ليس معه مغترب، فإنه لا يوجد معه ريال يمني ولا ريال سعودي ولا دولار أمريكي.

 

٧- عيدروس الزبيدي يجتمع مع رشاد هائل سعيد.

هذا اجتماع لم ينتشر خبره في الوسائط الاجتماعية.

 

٨- مؤثرون في الوسائط الاجتماعية، يصبحون أهم من وزراء المالية والداخلية ومن محافظ البنك المركزي في عدن.

 

٩- محافظات جنوبية شبوة والضالع تمنع دخول منتجات مجموعة هائل سعيد إلى مناطقها.

 

١٠- بعض تجار الجملة يقفلون أبواب محلاتهم ودكاكينهم.

 

١١- استمرار حملات الكراهية والهجوم بالمنشورات والفيديوهات ضد مجموعة هائل سعيد والصرافين وتجار الجملة وتجار التجزئة والباعة الصغار في الدكاكين.

 

١٢- حملات من رجال الأمن في تعز على محطات بيع بترول السيارات لضبط الغش في معيارية جالون البترول.

(هذه مشكلة أخرى ومختلفة ولا علاقة لها بالمشكلة الكبرى التي تعصف باليمن الآن وهي ارتفاع قيمة الريال اليمني المفاجئة الكبيرة الغير مفهومة).

(هذا يدخل في باب "الحركة بركة" في أي مجال، ولا علاقة له بموضوعنا)

 

**

ثالثا: الضغط على الصرافين والسوق السوداء

**

 

هل الضغط على محلات الصرافة- وحده- يكفي لتحسن قيمة الريال ؟

 

لا، الضغط على محلات الصرافة وحده لا يكفي لإحداث تحسن كبير ومستدام في قيمة الريال.

هذا الإجراء قد يؤدي إلى تهدئة مؤقتة أو تثبيت اصطناعي قصير الأجل لكنه ليس حللا جذريا.

 

لماذا لا يكفي الضغط على الصرافين؟

*

١- جذر المشكلة أعمق:

*

 

قيمة الريال تعتمد على التدفق الفعلي للعملة الأجنبية (الصادرات، التحويلات، الدعم الخارجي) مقابل حجم الطلب على العملة الأجنبية (الواردات، تمويل الحرب).

إذا لم تدخل دولارات جديدة إلى السوق، فإن مجرد إيقاف مضاربة الصرافين لن يزيد الاحتياطي النقدي.

 

٢-إمكانية التحايل:

*

الصرافون لديهم قدرة عالية على الالتفاف على القيود (تداول في السوق السوداء، استخدام وسطاء)، خاصة إذا شعروا أن الأسعار ستعود للصعود.

 

٣- المزاج النفسي للسوق:

*

أي تحسن ناتج فقط عن “ترهيب الصرافين” يكون هشا؛ إذا شعر التجار والمستوردون أن العملة سترتفع مجددا سيعودون للمضاربة فورا.

 

ماذا ينتج عادة عن هذا الضغط فقط؟

١- تحسن سريع ثم تراجع: السوق يهدأ لأيام أو أسابيع، ثم يعود المضاربون إذا لم تتغير المعطيات الأساسية.

٢- إرباك بعض الصرافين الصغار: في حين يظل كبار المضاربين قادرين على التحايل.

٣-غياب أثر طويل الأمد: لأن الاقتصاد الحقيقي (إنتاج، صادرات، تدفق عملة أجنبية) لم يتحسن.

 

**

رابعا: اجتماع عيدروس الزبيدي مع رشاد هائل سعيد

**

 

هذا الحدث لم ينتشر خبره ولم يتناوله بالبحث عن المغزى أي أحد.

أنا لا أستطيع إبعاد هذا الخبر عن خاطري:

 

١- التوقيت الحساس

*

الاجتماع جاء في قلب الأزمة:

الريال يقفز بشكل دراماتيكي ومجموعة هائل سعيد تخفض الأسعار 35%.

المحافظات (شبوة والضالع) تمنع منتجات المجموعة.

وهناك حملة كراهية ضد المجموعة تتلون بأطياف مناطقية.

 

٢- رمزية الطرفين

*

أ- رشاد هائل سعيد: يمثل أكبر مجموعة تجارية وصناعية في اليمن (أغذية، استيراد، صناعة، تمويل جزئي للقطاع الخاص).

غالبا، يمثل المزاج التجاري في اليمن (إذا تأثر، يتأثر الاقتصاد كله).

رشاد هائل سعيد، بخبرته وتركيبته، هو أولا وقبل كل شيئ رجل فني وعملي.

هذه فرصة للتقليل من سوء الفهم وتبريد الأزمة.

 

ب- عيدروس الزبيدي:

الحاكم الفعلي لعدن وجنوب اليمن.

عضو في المجلس الرئاسي لكنه يمثل خطا سياسيا مختلفا (انفصالي/انتقالي).

عيدروس الزبيدي، بخبرته وتركيبته، هو أولا وقبل كل شيئ رجل سياسي.

هذه فرصة كبيرة للنجومية والتقليل من دور وأهمية بقية أعضاء المجلس الرئاسي.

 

٣- الإجتماع فاشل في تناول الأزمة

*

الإجتماع محكوم عليه مسبقا بالفشل، حتى لو كانت رغبة الطرفين أن يكون ناجحا.

لكي ينجح الإجتماع، يجب أن يتفق الطرفان أولا على تشخيص سبب الأزمة.

الطرفان، لا يتفقان على أسباب الأزمة ولن يتفقا.

 

٤- الفرق بين السياسي والفني

*

السياسي، يهمه الخروج بمظهر الرجل القوي وما يقوله الناس حتى ولو لم يحل المشكلة.

الفني ورجل الأعمال، يهمه حل المشكلة ولا يهتم بما يقوله الناس.

 

٥- لو أرادوا النجاح

*

هذه مشكلة فوق طاقة الحكومة اليمنية وفوق طاقة البنك المركزي وفوق طاقة المؤسسات التجارية.

بعض البلدان، تحل مثل هذه المشاكل بإدارة مشتركة بين الرئاسة والحكومة (السلطة التنفيذية)، والبنك المركزي (السلطة النقدية)، وكبرى المؤسسات التجارية (فهم الأسواق والتأثيرات المباشرة) وممثلي المواطنين ( السلطة التشريعية أي البرلمان)، وخبراء الاقتصاد الأكاديميين (العلم والمعرفة).

 

وكلهم يتعاملون بندية وليس بهيبة السلطة والقوة ولكن بهيبة البديهية والعلم وقواعد الاقتصاد والمصلحة العامة.

 

وكلهم، يتمتعون بالمرونة، والقدرة على الاستجابة بالتغيير المناسب لأي عواقب سلبية، بسرعة، وفي التوقيت المناسب.

 

ولكن كل هذا يحتاج للقائد الواحد: رئيس الجمهورية الذي يجمع بين هذه السلطات في ظل الأجواء المناسبة.

 

خاتمة

*

سوف تستمر هذه الفوضى النقدية والمالية والاقتصادية وتأثيرها المرهق لحياة الناس.

 

سوف تستمر التداعيات والتطورات والعواقب والمفاجآت غير المتوقعة، حتى تتوفر لليمن القدرة على القيادة وجمع كل السلطات مع المؤسسات التجارية الكبرى وممثلي مصلحة المواطنين فوق طاولة واحدة.

 

عبدالقادر الجنيد

٥ اغسطس ٢٠٢٥