ترامب يُهدد.. ضربات أمريكية ضد الحوثيين ترسم ملامح مواجهة جديدة (تقرير خاص)

ترامب يُهدد.. ضربات أمريكية ضد الحوثيين ترسم ملامح مواجهة جديدة (تقرير خاص)

في تصعيد عسكري جديد، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية جماعة الحوثيين أمام واقع مختلف، حيث شنت واشنطن سلسلة من الضربات الجوية المكثفة على مواقع حوثية لأول مرة في عدة محافظات يمنية أبرزها صعدة وصنعاء، وسط تصريحات أمريكية شديدة اللهجة، وجادة في تقويض قدرات الجماعة، وهو ما قد يُعيد خلط الأوراق من جديد، ويفتح الباب أمام المواجهة، فما الذي دفع واشنطن لاتخاذ هذا القرار؟ وكيف سيكون رد الحوثيين؟.

وأمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليلة أمس الأول بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الحوثيين في اليمن، ووجه إنذارًا للجماعة، ففي بيان أعقب الغارات الأمريكية، أكد أن الرئيس ترامب أمر الجيش بشن ضربات على جماعة الحوثي، ردا على هجماتها على السفن في البحر الأحمر، محذرًا إياها من مغبة عدم توقف تلك الهجمات.

وهدد ترامب جماعة الحوثيين: "لقد انتهى وقتكم ويجب أن تتوقف هجماتكم بدءً من اليوم.. إن لم تفعلوا، فستشهدون جحيمًا لم تروا مثله من قبل". يأتي هذا القرار بعد أشهر من التصعيد الحوثي في الهجمات البحرية، والتي وصفتها واشنطن بأنها تهديد خطير لحرية الملاحة الدولية.

وعاشت جماعة الحوثي الإرهابية، ليلة عصيبة في أول جولة من ضربات أمريكية، شُنّت على حي "الجراف" بصنعاء، قبل أن تتوسع إلى محافظة صعدة، والبيضاء، وحجة، وذمار، استهدفت للمرة الأولى مباني يستخدمها الحوثيون لأغراض عسكرية.

هكذا باغتت الولايات المتحدة الحوثيين بضربات مدمرة لمقرات قيادتها في صنعاء، ومعقلها الرئيسي في صعدة، وغيرها من المحافظات، حيث ركزت على قصف منازل حولها الحوثيون إلى مقرات عسكرية وغرف عمليات لقيادات حوثية، في تطور يكشف نهج إدارة الرئيس ترامب الحازم للتعامل مع الجماعة، بحسب مراقبين.

 

أبعاد إقليمية

تناقلت منصات عربية ودولية تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووصفت القرار بأنه عملية عسكرية حاسمة وقوية ضد الحوثيين، حيث قال ترامب عبر منصة "تروث سوشيال": "مرّ أكثر من عام منذ أن أبحرت سفينة تجارية تحمل علم أميركا بسلام عبر قناة السويس، أو البحر الأحمر أو خليج عدن" بسبب هجمات الحوثيين. وأضاف: "لن تتمكن أي قوة إرهابية من منع السفن الأمريكية من الإبحار بحرية في الممرات المائية بجميع أنحاء العالم".

توضح تصريحات ترامب أن الجيش الأمريكي يستهدف قادة الحوثيين وقواعدهم ودفاعاتهم الصاروخية، فمن خلال حديثه أكد ترامب بقوله: "لن نتسامح مع الهجمات على السفن الأمريكية وسنستخدم القوة المميتة حتى تحقيق هدفنا"، مشيراً إلى أنهم إن لم يتوقفوا عن شن الهجمات، فستشهدون جحيماً لم تروا مثله من قبل".

وفي حديث واضح، حذّر الرئيس الأمريكي إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، من استمرار دعم الجماعة، قائلاً إنه إذا هددت إيران الولايات المتحدة، "فإن أمريكا ستحملكم المسؤولية الكاملة، ولن نكون لطفاء في هذا الشأن".

وحسب مسؤولين أمريكيين، فإن الضربات قد تستمر لأيام وربما لأسابيع، وتعد أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ تولي ترامب منصبه في يناير2025، مؤكدين أن هذه العملية تأتي في الوقت الذي تصعد فيه الولايات المتحدة ضغوط العقوبات على طهران في محاولة لجلبها إلى طاولة المفاوضات على برنامجها النووي.

يقول محللون إن الهجمات الأمريكية جاءت بعد إعلان الحوثيين عزمهم استئناف الهجمات على السفن الإسرائيلية التي تمر عبر البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب وخليج عدن، لينهوا بذلك فترة من الهدوء النسبي بدأت في يناير مع وقف إطلاق النار في غزة.

ويشير ناشطون عرب، إلى أن هذا التصعيد يأتي في إطار استراتيجية أمريكية أوسع لزيادة الضغط على إيران، خاصة في ظل المفاوضات المتعثرة حول البرنامج النووي الإيراني، سيما أن الرئيس ترامب بعث قبل أيام رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني "خامنئي"، سعيًا لإجراء محادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني.

 

استراتيجية واشنطن

 

يمثل التصعيد الأمريكي ضد جماعة الحوثيين تحولاً كبيراً في استراتيجية واشنطن تجاه اليمن والمنطقة، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى حماية مصالحها وإضعاف النفوذ الإيراني، فإن نجاح هذه الضربات يعتمد على قدرتها على تحقيق أهدافها دون تفاقم الأوضاع الإنسانية أو العسكرية في اليمن. 

وتفيد معلومات "المجهر" بأن انفجارات عنيفة هزت عددًا من المواقع العسكرية للحوثيين في العاصمة المختطفة صنعاء، إثر قصف جوي نفذته مقاتلات حربية أمريكية، باتجاه مطار صنعاء الدولي وحي الجراف الواقع شمالي صنعاء.

وعن الأسباب التي جعلت واشنطن تستهدف حي الجراف، يؤكد كثيرون أن الحي كان أول منطقة يتخذها الحوثيون منطلقًا لإسقاط صنعاء أواخر2014، نظرًا لأن غالبية الخلايا الحوثية تركزت في الحي بعد قدومها من محافظة صعدة، معقل الجماعة الحوثية، التي حوّلت حي الجراف، إلى منطقة مغلقة على المواطنين ومركز تجمع لأبرز قادتها وأنصارها.

فيما استهدف الطيران الأمريكي بعدة غارات بلدة "قحزة" شمالي مديرية صعدة، وبلدة "الشعف" في مديرية ساقين، وبلدة "آل سباع" في مديرية سحار، وشرق مديرية مجزر من محافظة صعدة، حيث أكدت وسائل إعلام حوثية، أن الغارات على صعدة دمرت ثلاثة مبانٍ بشكل كامل، وخلفت عشرات القتلى والجرحى، دون مزيد من التوضيح عن هوية الضحايا.

أما في محافظة البيضاء، فقد استهدفت الولايات المتحدة معسكر "القصير" القريب من جبل أُحرم الاستراتيجي في مديرية رداع، إضافة إلى "معهد القريشية التقني" قرب منطقة حنكة آل مسعود، في مديرية القريشية الواقعة في الشمال الغربي من المحافظة.

وتوضح المعلومات، أن الهجمات الجوية طالت محافظة ذمار، حيث ضربت الغارات الأمريكية موقعًا للحوثيين يعرف بمقر الشرطة العسكرية، واستهدفت غارات أخرى موقعًا عسكريًّا في مديرية عنس الواقعة في الجزء الشرقي من المحافظة، كما استهدفت الولايات المتحدة موقعًا للحوثيين في مديرية مبين بمحافظة حجة.

 

ضغط أمريكي

 

يرى خبراء يمنيون أن الضربات الأمريكية وقبلها العقوبات المشددة تمثل ضغطا غير مسبوق على جماعة الحوثي، خاصة أن الرئيس ترامب لن يتعامل بنفس طريقة سلفه جو بايدن المهزوزة مع الحوثيين، الأمر الذي يوضح نية واشنطن الإضرار بالحوثيين، ويتساءل كثيرون عن مدى قدرة الإدارة الأمريكية على تسدد ضربات دقيقة تجنب المدنيين أي كلفة وتضرب عمق القدرات العسكرية للجماعة.

ويرجح مراقبون أن هذه الغارات العنيفة إضافة للعقوبات السابقة قد تشكل ضغطًا كبيرًا على الحوثيين، وقد يتطور الأمر لاستهداف قيادات من الصف الأول للجماعة، خاصة أنها أعلنت التصعيد، ما يوحي بأن الحوثيين مصممون على مواصلة هجماتهم، وهذا ما قد يضع البلد على حافة تصعيد أكبر قد تكون نتائجه غير محسوبة.

وفي هذا السياق، توعد الحوثيون بأن الهجمات الأمريكية لن تمر دون رد، معلنين أنّ قواتهم جاهزة للمواجهة، حيث قال محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي بجماعة الحوثي، إن "تورط الولايات المتحدة في العدوان على اليمن «غير مبرر»، وإن الحوثيين سيقابلون التصعيد بالتصعيد".

من جهته، أكد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام على منصة "إكس" أن الجماعة سوف ترد على الضربات الأمريكية، زاعمًا أن الاستهداف الأمريكي لن يثني جماعة الحوثي عن الاستمرار في دعم غزة، وأن ادعاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتشكيل الحوثيين خطرًا على الملاحة الدولية في مضيق باب المندب "غير صحيح". ويشير المتحدث باسم الحوثيين بقوله: "الحظر البحري المعلن من جانبنا يقتصر فقط على الملاحة الإسرائيلية حتى يتم إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة".

 

قواعد اشتباك

 

يقول ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات، إن الغارات الأمريكية في صنعاء وصعدة وغيرها من المحافظات، هي تصعيد للخشونة الأمريكية المتزايدة في مواجهة الحوثيين، بدءً من قرار تصنيف الحوثيين بـ "FTO"، وصولاً إلى قصف المكتب السياسي في الجراف بصنعاء.

ويضيف المذحجي في تغريدة على منصة "إكس": "هذا المسار سيعيد صياغة التفاعلات المحلية والإقليمية الراهنة، فهو من جهة قد يكبح جموح الحوثيين المتصاعد للتفجير في الجبهات المحلية مثل مأرب وقد يؤدي به للنزول من "على الشجرة"، عبر استجابة ضعيفة ورمزية للضربات الأمريكية، خشية أن التصعيد قد يعني انكشاف ظهره، وهذه المرة خصومتهم مع أمريكا وليس التحالف العربي".

ويستطرد بقوله: "لكن من زاوية أخرى، وباعتبار الضربات الأمريكية في جزء منها "تأديب" على الشغب في البحر الأحمر، لكنها أيضا رسالة لإيران الحليف العضوي للجماعة الحوثية، واستجابة الحوثيين بالتهدئة أو التصعيد ستعكس مصالح طهران وليست فقط صنعاء".

ويوضح المذحجي: "طهران تعرضت أصولها الاستراتيجية في المنطقة لضرر بالغ ولم تعد هناك ساحة تعويضية في "المحور" سوى الساحة اليمنية التي يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في حماية إيران حال استطاع الصقور الإسرائيليين والأمريكيين إقناع ⁧‫ترامب‬⁩ بضرب طهران وبرنامجها النووي". ‏ويشير إلى أن ترامب يريد فرض قواعد اشتباك جديدة برفع التكلفة على الجماعة الحوثية، واستجابة الحوثيين الأولية رغم صوتها العالي إلا أنها بالتأكيد أكثر ذعراً وقلقاً هذه المرة.

 

اختيار مدروس

 

يعتقد الباحث السياسي مصطفى ناجي الجبزي، أن ترامب سيختار الحوثيين في اليمن، ليكنوا عبرة في قدرته على البطش مقابل أن يمضي في مقاربته الصفقاتية في مناطق أخرى.. ويضيف: "ترامب بحاحة إلى استخدام عصاه في منطقة لن تقود أمريكا إلى مواجهة مكلفة، واختياره الحوثيين اختيار مدروس قياسًا بالرد الممكن من طرف الحوثيين وبعد انتفاء توحيد الميادين والجبهات المزعوم من المحور".

ويوضح بأن إيران ستترك الحوثي لمواجهة مصيره على أمل أن تنجو بجلدها، وسيكون نصيب اليمن في مناطق الحوثي من الدمار وافراً إذا عاند الحوثي، وبالتالي من المتوقع أن تستهدف الجماعة الإرهابية مناطق ومصالح الشرعية لتخفيف الضغط عليها واستيعاب الغضب في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

ويلفت إلى أن "التباكي على صنعاء لن يجدي نفعًا، حتى خارطة الطريق لم تعد قابلة للتنفيذ بصيغها السابقة، والحقيقة أن أفق الحل السياسي لم يكن مسدودًا كما هو عليه اليوم.. لكن يبقى الحل بيد الشرعية التي يمكنها أن تُبادر بطرح حل مختلف والإمساك بزمام الأمور بعد إقناع التحالف بأن حالة الموت وتجميد الملف اليمني ستقود إلى شر أكثر مما هو متوقع".

 

استجابة حكومية

 

إلى ذلك، يؤكد محللون أن الضربات الأمريكية ضد الحوثيين لن تكون كافية ما لم يرافق ذلك دعم الحكومة اليمنية عسكريًا والسماح لها بعمليات عسكرية برية ضد الجماعة المصنفة إرهابيًا، وذلك لتحرير كل الجغرافيا التي يسيطرون عليها، خاصة أن الجماعة الحوثية لن تنصاع للتحذيرات والضربات الأمريكية، لأن قرارها بيد إيران التي تواصل استخدم الحوثيين كرأس حربة في تصعيدها بالبحر الأحمر والمنطقة.

وبالتزامن مع هذا التصعيد، أجرى وزير الدفاع الفريق الركن محسن محمد الداعري، اتصالاً هاتفيا برئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة الفريق الركن صغير بن عزيز للإطلاع على مستوى الجاهزية القتالية للقوات المسلحة في مختلف جبهات القتال وفي الاتجاه الاستراتيجي مأرب على وجه الخصوص.

وشدد الوزير الداعري، على التحلي باليقظة والحفاظ على الجاهزية العالية والتصدي بحزم لأي خروقات أو اعتداءات على مواقع القوات المسلحة من قبل جماعة الحوثي الإرهابية، ووجه برفع مستوى كفاءة الوحدات العسكرية بمختلف تخصصاتها من خلال التدريب النوعي على كافة المستويات.