كشفت تقارير حديثة عن اعتراض شحنة مكونات خلايا وقود الهيدروجين في عرض البحر الأحمر كانت في طريقها إلى جماعة الحوثي، المصنفة أمريكيًا كمنظمة إرهابية أجنبية، مما أثارت تساؤلات مقلقة حول حجم هذه التقنية المتطورة التي باتت بحوزة الجماعة وما تشكله من خطورة أمنية وعسكرية على دول الجوار والمنطقة.
ونظرًا لأن الصين تعد رائدة في تطوير هذه التكنولوجيا، الأمر الذي يفتح باب التكهنات حول مصادر الدعم والتوريد وطبيعة علاقتها المتزايدة مع الحوثيين مع أحداث البحر الأحمر.
وبحسب مراقبين فإن امتلاك الحوثيين لهذه التقنية يثير مخاوف أمنية كبيرة، نظراً لما تمنحه من مزايا قتالية نوعية، إذ تتيح للطائرات المسيّرة مدى أطول بثلاثة أضعاف مقارنة بالمحركات التقليدية، مع مستوى ضجيج منخفض يعزز قدرتها على التخفي وتنفيذ هجمات دقيقة، ما يمثل تهديداً أمنياً متصاعداً في المنطقة.
قفزة نوعية
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً استقصائياً، الخميس الماضي، عن محاولات إدخال تقنيات جديدة لجماعة الحوثي الإرهابية، بما يمكنها من جعل طائراتها المسيرة أكثر تخفياً وتسير لمسافات طويلة.
وتحدث التحقيق الذي يعود إصداره إلى مركز أبحاث بريطاني ضبط عملية تهريب مكونات خلايا وقود الهيدروجين صينية الصنع كانت في طريقها إلى الحوثيين في اليمن، مبيناً أن التقنية ستمنح الجماعة "قفزة نوعية في تكنولوجيا الطائرات المسيرة".
وكان المحقق في مركز أبحاث التسلح في الصراعات (CAR) تيمور خان، قد وثق أجزاء من نظام خلايا وقود الهيدروجين، عُثر عليها، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، في قارب قبالة السواحل اليمنية، إلى جانب أسلحة أخرى لدعم الحوثيين.
وفي الظاهر كان القارب ينقل شحنة من منتجات الأسمدة الكيميائية إلى ميناء الصليف الخاضع لسيطرة الحوثيين، إلا أن عناصر تابعة للمقاومة الوطنية اكتشفت أن الشحنة تحتوي أيضاً على كمية كبيرة من المكونات غير المعلنة لتطوير نظام أسلحة تقليدية، بما في ذلك طائرات بدون طيار.
ويضيف التحقيق البريطاني، أن ضمن شحنة الدعم العسكري للحوثيين ضبطت مئات الطائرات والزعانف التي تستخدم في التجميع المحلي لصواريخ المدفعية الموجة بدقة من فئة بدر عيار 270 ملم ومحركات نفاثة صغيرة تصنعها شركة أوروبية.
تطور مقلق
الخطر الأكبر الذي كشف عنه التحقيق البريطاني، هو وجود خزانات غاز مضغوطة بسعة 9، 12، 20 لتر، مغلفة بألياف الكربون، تحمل تعريفاً مموهاً على أنها "أسطوانات أكسجين"، إلا أن الوثائق التي عُثر عليها كشفت بوضوح بأنها أسطوانات هيدروجين صينية الصنع وتستخدم في نظام خلايا الوقود للطائرات بدون طيار.
ويشير التحقيق إلى أن العلامات الموثقة على الأسطوانات والعناصر الأخرى أظهرت أن كل واحدة تختلف عن الأخرى من حيث جهة الصنع في الصين، إلا أن المواقع الإلكترونية لهذه الشركات لتؤكد أن هذه العناصر مُخصصة للاستخدام كجزء من أنظمة خلايا وقود الهيدروجين للطائرات المُسيرة.
ورغم أن بعض المصنعين يعلنون عن هذه التقنية باعتبارها خيار متاح للتصدير، فإن كل الطائرات المُسيرة التي وثقتها مركز (CAR) في اليمن، كانت تعمل إما ببطاريات ليثيوم أيون أو بمحركات بنزين أو ديزل صغيرة.
ومع أن أسطوانات غاز الهيدروجين قد تستخدم لأغراض مدنية مشروعة، الا أن مركز أبحاث الصراعات يرى أن خزانات غاز الهيدروجين التي تم ضبطها في المخا كانت مخصصة للاستخدام من قبل الحوثيين لتشغيل أنظمة غير مأهولة (طيران مُسير).
ويبين المركز أن هذه تعد أول محاولة عالمية لاستخدام وقود الهيدروجين في منظومات غير مأهولة من قِبل أي جهة مسلحة غير حكومية على مستوى العالم، ما يمثل تطوراً مقلقاً. فهي إلى جانب تمتعها بمدى أطول بثلاثة أضعاف على الأقل من تلك التي تعمل ببطاريات الليثيوم التقليدية، تُعد المحركات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين أهدأ بكثير من محركات البنزين والديزل، مما يُتيح لها قدرة أكبر على التخفي.
ويرى المركز البريطاني (CAR) أن ذلك من شأنه أن يُفاقم بشكل كبير التهديد المُحتمل الذي يُشكله الحوثيون، الذين يهددون أهدافاً بحرية في المياه الإقليمية بالإضافة إلى قدرتهم الفعلية على مهاجمة الدول المجاورة.
موجة تصعيد قادمة
بالحديث عن أثر ضبط شحنة وقود الهيدروجين التي كانت قادمة إلى الحوثيين، يقول الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية د. علي الذهب، إن ذلك بدا سريعاً من خلال الضربات الأمريكية الأخيرة وتعليقات المسؤولين الأمريكية عن ضرورة توجيه ضربات قاسمة ضد الحوثيين.
إلى جانب تهديد الحوثيين باستئناف استهداف الشحن التجاري في البحر الأحمر، يشير الذهب في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الضربات الأمريكية تحمل دلالات واضحة على المخاوف الدولية من تملك الحوثيين للوقود الهيدروجيني.
كما أن الأمريكيين في مراقبة مستمرة للدور الروسي والصيني في تسهيل وصول الدعم العسكري للحوثيين مثل الوقود الهيدروجيني، ولذلك يريدون أن يبعثوا برسائل واضحة ليس فقط للحوثيين وإنما للداعمين الإقليميين والدوليين. وفقا لحديث الذهب.
وبدوره يرى الصحفي اليمني المتخصص في شؤون الحوثيين سلمان المقرمي، أن النقطة الأخطر على اليمنيين هي إمكانية حصول الحوثيين على محركات تعمل بالوقود الهيدروجين، لأن هجمات الحوثيين الخارجية محدودة ومعركته الأساسية في الداخل.
ويضيف في حديثه لـ"المجهر" أن هذه المحركات لا تشكل خطورة كبيرة على الملاحة في البحر الأحمر أو على المملكة العربية السعودية، بقدر خطورتها على اليمنيين في الداخل، وبطبيعة فمن الخطر أن يمتلك الحوثيين أسلحة قوية لم يمتلكها من قبل.
تداعيات متلاحقة
لابد أن تداعيات امتلاك جماعة الحوثيين لأسلحة قوية ومتطورة، ستنعكس آثارها الاقتصادية على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وسيقوم الجانب الأمريكي بتشديد قبضته الاقتصادية بموجب قرار تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية من قبل وزارة الخزانة الأمريكية.
ويرى الباحث علي الذهب في حديثه لـ"المجهر" أن من أبرز التداعيات هو توقف سفن النفط من الوصول إلى موانئ الحديدة مع بداية أبريل/ نيسان القادم، إلى جانب أن موانئ الحديدة نفسها ستتأثر حيث ستقل الواردات عبرها بفعل القيود المفروضة ضد الحوثيين. إذ أن لدى الأمريكيين اعتقاد جازم بأن الجمارك والضرائب على البضائع من موانئ الحديدة التي يجنيها الحوثيون تذهب إلى خزينة الحرب الحوثية.
إلى جانب ذلك، سيكون هناك تأثير فيما لو تعرضت دول الجوار (السعودية والإمارات) لهجمات من قبل جماعة الحوثيين، في سياق خلط الأوراق وإثارة العنف في المنطقة بشكل عام.
ويعتقد الذهب أن الرد العنيف لن يكون محصوراً على هاتين الدولتين، وإنما ستكون إلى جانبهما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في مواجهة الحوثيين، وبالتالي ستتسع رقعة الحرب وتتنوع فواعلها الخارجية.
ويشير إلى أن الحوثيين لا يأبهون بالسلام، وسيستمرون بالمقامرة حتى وإن خسروا بعضاً من مناطق التي يسيطرون عليها، بمعنى أنهم قد ينزحون إلى المرتفعات الجبلية العُليا في محافظتي صعدة وحجة ليديروا المعركة ويتحول اليمن بؤرة صراع دولية وإقليمية يستعصي حلها خلال العشر السنوات أو الخمسة عشر سنوات القادمة.
تنامي الصراع
يرى الإعلامي السعودي عبدالرحمن الراشد، بأن حصول الحوثيين على مكونات خلايا وقود هيدروجين، يعني أن الصراع الدولي مع الحوثي يكبر، والكشف عن وثائق وأسطوانات غاز تم اعتراضها هو تهيئة لتصعيد الحرب في المنطقة.
ويقول الراشد في تدوينة له على منصة "إكس" رصدها "المجهر" إنه في حال تمكن ممولو الحوثيين ممن تحقيق ذلك بنجاح، سيحقق تطورا كبيرا في قدرات الجماعة اليمنية المسلحة، ويشير إلى أن الكشف الجديد عن وقود الهيدروجين قد يكون هو الدفع وراء تصنيف الحوثيين رسيماً كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل إدارة ترامب.
وفي حال نجح الحوثيون في الحصول على إذا نجحت، ستمكنها من حمل حمولات أكبر والسفر لفترات ونطاقات أطول بكثير مما تسمح به مصادر الطاقة التقليدية، سواء جوية أو برية أو بحرية. وفقًا للإعلامي الراشد، ويذكر تحقيق (CAR) أن هذه هي أول محاولة لاستخدام وقود الهيدروجين في الأنظمة غير المأهولة من قبل أي جهة مسلحة غير حكومية، على مستوى العالم، كما هو الحال مع جماعة الحوثيين.
تهديد إقليمي ودولي
يبين رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية عبدالسلام محمد، أن ما تم الكشف عن محاولة تهريبه للحوثيين هي في الأساس محركات متطورة تعمل بالهيدروجين وليست وقود هيدروجين.
ويشير عبدالسلام في حديثه لـ"المجهر" إلى أنه طالما تم القبض على معدات تكشف استخدام الحوثيين محركات بالهيدروجين، فهذا يعني أن الحوثيين يسعون لتطوير الصواريخ والاستغناء عن الوقود النفطي بعد الحصار والضرب لمخازن الوقود في الحديدة.
ويذهب عبدالسلام محمد، إلى الجزم بأن تطوير هذه الأسلحة سيزيد من تهديد الأمن الإقليمي والدولي، مشيراً إلى هذا جعل التوجه لضرب الحوثي هدف دولي بقيادة أمريكا التي باتت تشعر أن الاقتصاد الدولي تضرر بشكل كبير جراء هجمات الحوثيين على البحر الاحمر لاسيما البوارج والقطع البحرية الامريكية. مضيفاً أن محركات الهيدروجين إلى جانب تزويد الطيران المُسير بهذه التقنية المتطورة الوقود ويجعلها تطير إلى أبعد مكان وفترة زمنية طويلة، فهو يكشف نوايا الحوثيون بعملهم على تجهيز محركات من هذا النوع في الداخل.
ويشير عبدالسلام إلى أن مواطنين يمنيين كانوا تمكنوا من تشغيل سياراتهم بوقود الهيدروجين، قبل العام 2011م، إلا أن جهاز المخابرات قام بملاحقتهم والقبض عليهم، موضحاً أن هناك معدات حديثة حالياً ويعمل الحوثيين لتطويرها.
تابع المجهر نت على X