ما بعد العاصفة.. هل تُعيد الضربات الأمريكية رسم خارطة الصراع في اليمن؟ (تقرير خاص)

ما بعد العاصفة.. هل تُعيد الضربات الأمريكية رسم خارطة الصراع في اليمن؟ (تقرير خاص)

يبدو أن تعهدات الإدارة الأمريكية الحالية بمواصلة الحملة العسكرية حتى استكمال القضاء على قدرات الحوثيين جعلها تأخذ طابعاً أكثر ضراوة عما كان عليه في ظل الإدارة السابقة، وهو ما يفسر جديتها في استهداف الجماعة.

ومن المؤكد أن حالة التكتم الشديدة لدى جماعة الحوثي بعدم الإفصاح عن حجم خسائرها المهولة نتيجة الحملة الجوية التي تستهدفها منذ منتصف مارس/ آذار الماضي، تكشف صدمتها غير المتوقعة من الضربات الأمريكية التي انهالت بصورة واسعة على قوتها العسكرية.

وعلاوة على ذلك، فقد تزامنت الحملة الجوية مع جملة من العقوبات الاقتصادية لتضييق الخناق على جماعة الحوثيين وتجفيف منابع الدعم المالي لعملياتها العسكرية، وأبرزها حظر استيراد الوقود عبر ميناء الحديدة.

وبطبيعة الحال فإن صمت الحوثيين عن أي ردة فعل واضحة، هو مؤشر على حالة الارتباك السياسية والعسكرية لدى الجماعة، ما يفسر مخاوفها من أي تحولات استراتيجية محتملة معها كذراع إيراني في اليمن يستهدف الأمريكيون شلّ قدراتها لتكون أقل حدة عن السابق بحيث لا يبقى لها تهديد يذكر على خط الملاحة الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن.

والملاحظ أن إصرار الأمريكيين في القضاء على قدرات الحوثيين ليست من أجل تقويض هجماتهم على خط الملاحة فحسب، وإنما تهدف واشنطن كذلك إلى انتزاع أحد أوراق النفوذ الإيراني التي يساوم عليها في المنطقة، وبالتالي فإن الحملة تأتي في إطار استراتيجية أوسع للضغط على طهران حتى يأخذ التفاوض معها منحى آخر بما يجعل واشنطن تفرض صيغة جديدة للاتفاق حول الملف النووي وفق شروطها.


تأثير بالغ

 

بعد مرور 29 يوما على بدء الحملة العسكرية ضد الحوثيين، ذكرت القيادة المركزية الأمريكية أن عملياتها قد تستغرق ستة أشهر للقضاء نهائيا على مصادر التهديدات الحوثية للملاحة، مشيرين إلى أن حملتهم دمرت ورش ومعامل محلية لتصنيع الصواريخ والطائرات المُسيرة.

وتفيد المعلومات التي توصل إليها "المجهر" إلى الضربات الأمريكية استهدفت مواقع عسكرية حساسة لم يعلن عنها الجانب الأمريكي وتكتم عنها الحوثيون، وهي عبارة عن مخابئ لتخزين الأسلحة وإيواء القيادات.

وفي هذا الجانب، يقول العقيد عبدالباسط البحر وهو نائب التوجيه المعنوي لمحور تعز العسكري، إن الإدارة الأمريكية أخذت مسألة القضاء على تهديدات الحوثيين على الملاحة الدولية بجدية كاملة، وهو ما ظهر بوضوح من خلال العمليات النوعية لاستهداف قدراتهم العسكرية.

ومن الواضح أن الحملة الأمريكية حققت تأثيرا بالغا على قدرات الجماعة بعد تغيير بنك الأهداف بشكل دقيق، للقضاء على أسلحتها الفعالة وبعض خبرائها وقياداتها السرية التي كانت تشكل ثقلاً ديناميكيا على المستوى العسكرية والفني.

هذا الضغط المتواصل من قبل الجانب الأمريكي، جعل العقيد عبدالباسط البحر يذهب إلى الاعتقاد بأن الحملة ستؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الحوثيين وشل قدراتهم العسكرية، وبالتالي إحداث تغيير في الخارطة العسكرية على الأرض التي قال إنه من المستحيل أن تبقى كما كانت عليه قبل الضربات. 

إلا أنه وفي حديثه لـ"المجهر" يشير البحر إلى أن الأهداف الأمريكية المعلنة لم تتضمن القضاء على الجماعة حتى الآن أو تغيير الخارطة السياسية والعسكرية في اليمن وإنما متعلقة بتأمين الملاحة الدولية ومنع الهجمات الحوثية العابرة للحدود.

ومن الطبيعي أن استمرار الحملة لمدة طويلة سوف تؤدي إلى تغيير حتمي في الخارطة السياسية والعسكرية للحوثيين في اليمن بغض النظر عن هدف واشنطن المُعلن، وتصريحات المسؤولين الأمريكيين هي مؤشر لوجود أهداف بعيدة المدى وبالتالي فإنه من الممكن تمديد الحملة لفترة أطول. 

 

تضليل إعلامي

 

تتخذ جماعة الحوثيين استراتيجية التضليل الإعلامي لإخفاء حقيقة خسائرهم كما هو الحال مع غيرها من التنظيمات الإرهابية في العالم حتى لا يتم كشف حالة انهيارها الداخلي في مرحلة كالتالي تمر بها الجماعة اليوم.

إلا أن هذا كله لا يغني عن العمل العسكري على الأرض من خلال حملة برية للقضاء تماما على قدرات الحوثيين، وفقا لما يراه العقيد عبدالباسط البحر الذي قال إن الفرصة باتت مواتية لذلك في الظروف التي تعيشها الجماعة.

وأرجع العقيد البحر سبب تكتمها إلى كونها تتعامل وفق سلسلة قيادية هرمية سرية، وخشيتهم من حدوث اختلالات قيادية قد يفقدون السيطرة عليها، وبالتالي تتراجع معها شعبيتهم التي ظلوا طوال فترة الحرب تكريسها بأساليب كثيرة لاسيما في استغلال قضية مناصرة غزة.

ومع ذلك يمتلك الجانب الأمريكي أمكانيات استخبارية واسعة النطاق سواء على المستوى البشري أو على مستوى القدرات التكنولوجية المتقدمة، وذلك بما يمكنه تمكنه من اختراق الهيكل القيادي للحوثيين وإلحاق الخسائر بهم ومن ثم التأكد من حجم تلك الخسائر.

وبدوره يشير رئيس مركز أبعاد للدراسات والأبحاث عبدالسلام محمد، إلى أن الأمريكان يدركون تفاصيل كثيرة عن الحركات الحليفة لإيران ويعرفون كيفية تفكيكها لأنها تشكلت في الأساس خلال الفترات الماضية عندما تم استغلال الملف الشيعي ضد الأغلبية السنية في المنطقة.

أما على مستوى القدرات العسكرية للأمريكيين، فقد كشفت الحملة الأخيرة استخدام أسلحة أكثر دقة على التدمير واختراق التحصينات الحوثية، إلى جانب أهداف متحركة، وبالتأكيد فأن الأمريكان ما يزال لديهم أسلحة أكثر تطوراً من تلك التي استخدموها في هجومهم على الحوثيين ما يعني أن كل ما سبق كان تلويحا بالعصا وليس ضرب بها، حسب مراقبين.

مشيرين إلى أن هذا التلويح بالعصا هي بمثابة رسائل صارمة للضغط على طهران، تنطلق من قناعة واشنطن أن الحركة الحوثية ما هي إلا امتدادا لها وفقا لحقائق مبنية على معلومات بخصوص تطويرها لقدرات الحوثيين بشكل متنامي خلال الفترة الماضية.

ويدرك الجميع اليوم، أن التحركات الحوثية في المنطقة باتت لعبة مكشوفة تتعلق بخطط إيران القائمة على التوازنات التي تحاول خلقها لابتزاز المجتمع الدولي والدول الإقليمية من أجل تحقيق تقدم في ملفها النووي.

 

خيارات محدودة

 

لم يعد الحديث عن خارطة السلام اليوم خياراً ناجعاً أمام الحوثيين، فبعد الحملة الامريكية يعتقد محللون أن الجماعة باتت أمام خيارين أحلاهما مُرّ، فإما يستسلمون للشروط التي ستفرضها عليهم واشنطن أو يتم القضاء على قدراتهم وإجبارهم على تسليم مواقعهم. 

يشير العقيد عبدالباسط البحر في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الحوثيين في السابق ظلوا يستغلون مفاوضات السلام كفرصة لإعادة ترتيب أوراقهم وإعادة شن الحرب مجدداً، لأنه وحسب وصفه فالحرب بالنسبة للحوثيين هي وظيفتها الأساسية ولا تستطيع الاستمرار في ظل الاستقرار والسلام.

ويؤكد أن الحملة الأمريكية ضد الحوثيين لابد أن تكون ضمن استراتيجية أوسع تشمل التنسيق مع الشريك المحلي ممثلا بالحكومة الشرعية، للتدعيم بعملية برية وكذلك من أجل وضع معالجات للعقوبات الاقتصادية التي ستؤثر حتماً على المدنيين في مناطق سيطرة الجماعة.

ويقترح البحر أن يتم منح الجيش اليمني التابع للحكومة الشرعية الدعم العسكري الكافي من اجل استكمال عملية التحرير وحماية المدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين من تداعيات استمرار الوضع الراهن.

وبما أن جماعة الحوثي لم تعد قادرة على تقييم المرحلة الحالية، فهذا يجعلها أيضا غير قادر على استيعاب المرحلة القادمة التي تنتظرها كونها لا تنطلق من مسؤوليتها تجاه مصالح الشعب والحفاظ على السيادة الوطنية بدليل حالة التباهي التي كانت الجماعة تتحدث عنها في مزاعم مواجهة ما وصفته بـ "العدوان الأمريكي والاسرائيلي" عليها وتوظيف ذلك في إطار الأجندة الإيرانية.

والواضح أن الحوثيين وقعوا اليوم في الفخ الإيراني الذي أوصلهم إلى توريط المناطق التي يسيطرون عليها إلى حالة من الانتحار السياسي العسكري والاقتصادي، وهذا يؤثر إلى حدٍّ كبير على وضع المواطن اليمني في تلك المناطق.

ولم يعد من ردة فعل تذكر لقيادة الحوثيين اليوم، عدا بيانات مكررة مثل إعلان استهداف حاملة الطائرات الأمريكية (ترومان)، وهو ما يثير سخرية واسعة لدى الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن حالة الضعف التي تعيشها الجماعة نتيجة الهجمات الشرسة التي تتلاقها.

 

الحوثيون وإيران

 

استهدفت الضربات الأمريكية الجوانب الفنية والمهنية للحوثيين على الأرض، وهي تعتبر نقاط الارتكاز مثل مخازن الأسلحة والخبراء والفنيين والمهنيين، ومعظم هؤلاء لا يظهرون في الهيكلة العامة للجماعة إلا أن غالبيتهم ذو فاعلية كبيرة داخل الحركة.

يعتقد رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبدالسلام محمد، أن الحملة الأمريكية على الحوثيين ستتصاعد وستستمر إلى أن تحقق الهدف منها والمتمثل بإجبار الجماعة على الاستسلام.

وفي حديثه لـ"المجهر" يبين عبدالسلام، أن جماعة الحوثيين الحليف البارز للإيرانيين في المنطقة بات أمام خيارين فإما أن يدفع طهران إلى الدخول في حرب شاملة تعرضها للضربات بجانب الجماعة، أو التراجع والقبول بصيغة جديدة من الاتفاق حول الملف النووي.

ويرجح أن خيار تراجع إيران عن المواجهة وبالتالي جعل الحليف الحوثي مكشوفاً أمام الاستهداف الأمريكي والقبول بتعرض قوته للتفكك ومن ثم الاستسلام وتقديم التنازلات ودفعه نحو الهروب من المناطق الساحلية، مؤكدا على أن الجماعة لن تعود كما كانت خنجرا يهدد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

أما بالنسبة لخيار السلام، يرى عبدالسلام أن خارطة السلام التي كانت مطروحة صار منتهية الصلاحية، ولم يعد أمام الحوثي إلا أن يستسلم ويتيح المكان لدخول الدولة أو خيار السقوط سواء بواسطة قوات الشرعية أو عبر انتفاضة شعبية تتشكل على ضوؤها نظام جديد.

 

اعتبارات أمريكية

 

يذهب الصحفي المهتم بشؤون جماعة الحوثيين سلمان المقرمي، إلى تصور مختلف تماما، حيث يعتقد أن الأمريكان يحاولون باستمرار إيصال رسائل للحوثيين، مفادها أنهم حريصون فقط على تحرير السواحل اليمنية من قبضتهم العسكرية لتأمين خط الملاحة الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويتوصل في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الإدارة الأمريكية غير مبالية بسيطرة الجماعة على المساحة البرية من الجانب الشمالي لليمن أو حتى المساحة البرية للبلاد بأكملها، معتبراً تصريحات المسؤولين الأمريكيين بمثابة تفاوض غير مباشر مع الحوثيين، وهو ما يوضح بشكل كبير موقفها مما يحدث في الداخل اليمني، على الرغم من أنهم في أشد مراحل الصراع.

ويستند المقرمي في تصوره إلى أن الأمريكيين لم يعيروا أي اهتمام للجانب الحكومي ممثلاً بمجلس القيادة الرئاسي والقوات الحكومية منذ بداية الحملة الجوية على الحوثيين، وهذا يفسر بحسب نظره تعامل الولايات المتحدة مع الجانب الشرعي كطرف غير مجدي تماما كما حدث مع حكومة "أشرف غني" في أفغانستان قبل سيطرة طالبان على سدة الحكم.

وكانت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، أعلنت عن سلسلة لقاءات جمعت قائدها الجنرال "مايكل إريك كوريلا" مع قيادة الجيوش في عدة دول عربية بينها ورئيس هيئة الأركان اليمنية - قائد العمليات المشتركة الفريق صغير بن عزيز. في المملكة العربية السعودية.

موضحة أن اللقاء الذي جرى في المملكة العربية السعودية ناقش "الجهود المستمرة ضد الحوثيين المدعومين من إيران، بما في ذلك العملية الحالية من أجل استعادة حرية الملاحة".

 

تقييمات متباينة

 

ذكر مسؤول في الجيش الأمريكي أن بلاده نفذت منذ منتصف مارس الماضي أكثر من 300 ضربة جوية ضد أهداف تابعة للحوثيين في اليمن، بمعدل هجمات شبه يومية، مؤكداً في تصريح نقلته قناة "الجزيرة" أن الضربات العسكرية متواصلة كون الجماعة لا تزال تمتلك قدرات لتنفيذ هجمات على القوات البحرية الأمريكية وسفن الشحن في المنطقة.

وأشار إلى أن قاذفات استراتيجية من طراز B-2 تشارك في هذه العمليات انطلاقاً من قاعدة “دييغو غارسيا” في المحيط الهندي، فيما لا يزال تقييم نتائج الضربات قيد الدراسة، دون تأكيد حول فاعليتها حتى الآن.

ومع تصاعد الحملة العسكرية ضد الحوثيين، تحدثت مصادر دبلوماسية لشبكة "سي إن إن" أن إدارة ترامب تتوجه نحو شن هجوم بري واسع النطاق لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، بما في ذلك الميناء الحيوي الحديدة، لكن الخبير الأمني "مايكل نايتس" توقع أن الولايات المتحدة لن تشارك بقوات برية، وقد تكتفي بنشر وحدات خاصة محدودة لتعزيز الضربات الجوية.

وفي أبرز تعليق للإدارة الأمريكية، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الحملة الجوية التي تشنها بلاده على جماعة الحوثيين في اليمن، ضرورية ولابد أنها ستحقق نتائج مثمرة، مشددًا على أن بلاده لا يمكن أن تسمح لعصابة من المجرمين بالسيطرة على البحر الأحمر.

وفي سياق ذلك، شكك مراقبون دوليون من أن الضربات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة ضد جماعة الحوثيين في اليمن تفتقر إلى الاستراتيجية واضحة، وأكدوا على ضرورة دعم حملة برية للتمكن من ردع الجماعة، مشيرين إلى أن هذا الخيار لا يزال مستبعدًا سياسيًا وعسكريًا حتى الآن.

معتبرين أن الغارات الجوية الأمريكية، لم تحدث تغييراً جذرياً على سلوك الحوثيين أو تقليص قدرتهم في تهديد الملاحة الدولية، على الرغم من استهداف قيادات متوسطة ومواقع مختلفة تابعة للجماعة.

وبحسب بيانات صادرة عن إعلام الحوثيين لا تشمل خسائر الجماعة العسكرية، فإن الغارات الأمريكية المتواصلة أسفرت عن مقتل 78 مدنياً وإصابة 196 آخرين على الأقل، بينهم نساء وأطفال.

وبدوره يحمّل مجلس القيادة الرئاسي، جماعة الحوثيين التي تصنفها واشنطن كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، مسؤولية التصعيد العسكري الأمريكي وجلب العقوبات الدولية عطفا على استهداف خط الملاحة الدولية وعسكرة المياه الإقليمية.