عاجلعاجل

اليمن: استمرار انهيار العملة المحلية يفاقم من معاناة موظفي الدولة (تقرير خاص)

اليمن: استمرار انهيار العملة المحلية يفاقم من معاناة موظفي الدولة (تقرير خاص)

تشهد اليمن أزمة اقتصادية حادة بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات, فاقمها انهيار العملة المحلية وتدهور الوضع الاقتصادي، مما يؤثر سلبًا على حياة المواطنين والموظفين بشكل خاص.

ويعيش المواطنون ظروفًا صعبة جراء الانهيار المتتالي للريال اليمني أمام الدولار في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليا ، حيث يشهدون ارتفاعًا مستمرًا في أسعار السلع والخدمات.

ويعتبر الراتب الحكومي غير كافٍ لتلبية احتياجات الأسرة، حيث يتلقى الموظفون رواتب تقدر بآلاف الريالات اليمنية فقط ، وهذا لا يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد أي تدابير فعالة من الحكومة لمواجهة هذا الانهيار.

 

تحديات اقتصادية

 

تراكمت التحديات الاقتصادية والمالية في اليمن، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد بشكل عام. وتضررت القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة ويذكر لهذا التدهور عدة عوامل رئيسة , بحسب  الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي.

ويقول العوبلي " بأن هناك عدة أسباب تشترك في تفسير فشل الاقتصاد اليمني وتوقعات المستقبل المظلمة فأولاً، تأثير الانقلاب الحوثي واستمرار الصراع السياسي يعتب عامل رئيس في تدهور الاقتصاد اليمني".

ويضف في تصريحه لـ"المجهر" أن الحرب المستمرة والنزاع المسلح أدى إلى تعطيل النشاط الاقتصادي وتدمير البنية التحتية للبلاد، بما في ذلك المصافي والموانئ.

ويؤكد أن هذا التدهور يعيق القدرة على تصدير النفط واستيراد السلع الأساسية، مما يؤدي إلى نقص الموارد وارتفاع أسعار السلع.

 ويشير عبدالواحد العوبلي إلى أن إلى الفساد وتخاذل القيادات الشرعية في التصدي للانقلاب الحوثي مما أدى إلى زيادة الهدر والنهب المالي, في ظل الغياب القوي للرقابة المالية والفساد المستشري.

ووفق العوبلي فإن كل تلك العوامل أدت إلى تراجع الثقة في النظام المصرفي وتجارة العملات. فهناك عدم توفر احتياطي كافٍ من العملات الأجنبية يعرقل القدرة على دعم الريال اليمني وتثبيت قيمته.

 

ظروف صعبة

 

يشرح عبدالجليل سعيد معلم في مدرسة الميثاق لـ"المجهر" وضعه قائلاً "أنا كمواطن يمني وموظف حكومي على وجه الخصوص ,وأعايش ظروفاً قاسية جداً في ظل الانهيار المتتالي للعملة أمام الدولار فنحن ننام على انهيار ونستيقظ على انهيار جديد وأسعار مختلفة عن اليوم الأول بل ارتفاع الأسعار بالساعة الواحدة".

ويضيف" هذا الأمر ينذر بكارثة حقيقية تنتظر الجميع وخاصة الموظف الحكومي فأنا لولا أني أعمل بمكان آخر لما استطعت حتى توفير الاحتياجات الأساسية من مقومات الحياة".

من جهته, يؤكد نجيب الشميري الحالة الصعبة التي يعاني منها الموظف الحكومي في  ظل هذه الظروف قائلا: إن الموظف الحكومي يواجه العديد من الصعوبات أمام مطالب الحياة العامة أو الخاصة فهذا لا يؤثر عليه مادياً فقط أنه لا يستطيع توفير متطلبات الحياة العامة والخاصة  بل يعيش حالة من  الاضطراب النفسي الذي يؤثر سلبا على الأداء الوظيفي ، ويفاقم من تدهور الحالة المادية للموظف.

ويضيف الشميري الذي يعمل موظفا في إحدى المكاتب الحكومية بتعز في تصريح لـ"المجهر" أن التعايش مع الوضع  ومع أن الموظف الحكومي  يدرك دوره المسؤول في مجتمعه فهو يتحمل الأمرين لأجل تحقيق أدنى مستويات النجاح في عملة ومسؤولياته الأسرية معتمدا على العلاقات العامة أو الأسرية، أو العمل خارج فترة الدوام ، لتوفير احتياجات العيش الضرورية".

 

وبدوره, يقول تيسير السامعي الموظف لدى القطاع الصحي " نحن نواجه العديد من المشكلات مع الموظفين حيث أن تصلنا الكثير من الشكاوي عن الموظفين ومنهم بسبب تأخرهم عن ساعات العمل وذلك لأن الموظف لا يجد  ما يكفيه بالراتب للمواصلات".

ويضيف السامعي لـ"المجهر" أن العديد من الدوائر الحكومية تشكو من شحة الموظفين وذلك لسبب انخفاض الراتب أو انقطاعه أحياناً لبعض أشهر, حد وصفه.

 

رواتب لا تكفي

 

يعتقد تيسير السامعي أن الموظفين الحكوميين في قائمة العاطلين , مبررا "أنا كموظف اليوم لا فرق بيني وبين العاطل عن العمل فراتبي لا يكفيني ليومين حتى فاليوم الراتب لا يعتبر حتى ضمان اجتماعي مقارنة بالأمس عندما كان الموظف يستلم 200 دولار في ظل ظروف مستقرة تقريباً أما اليوم فالراتب عبارة عن 30 دولار لذلك لا يمكننا أن نطلق عليه كلمة راتب بالأساس".

ويؤكد ذلك نجيب الشميري بقوله " إن مسألة الراتب هي مسألة تراكمية وليست وليدة اللحظة فالموظفين سابقاً عندما كان الدولار يساوي 50 ألف كان راتب الموظف 12 ألف ريال لكن اليوم وفي ظل هذه الظروف راتبي لا يتعدى ال 46 دولار لا يكفيني لشراء المتطلبات الأساسية حتى"

إلى ذلك, يرى عبدالجليل سعيد أن الراتب اليوم حقيقه لا يكفي باحتياجات ثلاث أيام في الشهر, فقد كان الموظف قبل انهيار الدولة وسيطرة جماعة الحوثي أي في عام 2015 وما قبله يستلم ما يقارب 1400 ريال سعودي في المتوسط".

ويضيف سعيد" وفي وقتنا الحالي لم يبق له غير ما يقارب 200 ريال سعودي  كل ذلك وما زال الانهيار لا يتوقف والبلاد تسير الى المجهول ولم نر من الحكومة أي اجراء  للحد من ذلك"

 

معالجات مطروحة

 

لوقف هذا التدهور وإعادة الاستقرار للاقتصاد اليمني، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي عبدالواحد العوبلي أن الحكومة بحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية عقب تعيين رئيس جديد للوزراء.

 ويضيف العوبلي"  للقيام بعمل حلول فعلية وحقيقة هناك ما يقارب 3.8 مليار دولار يقومون بشرائها من المشتقات النفطية وهذا يشكل لهم استهلاكاً كبيراً بالعملة الصعبة لكن  بإمكانهم توافي هذا المبلغ عن طريق  تفعيل مصافي عدن التي ستقوم بتغطية السوق المحلي بداية من وقود الطيران إلى تعبيد الشوارع بالإضافة إلى تشغيل منشآة بلحاف وتوزيع الغاز المسال على محطات الكهرباء الذي ستساعد في إنعاش وتنمية الوضع اقتصاديا وزراعيا وصناعيا وهذه حلول يمكن أن تقوم بها الحكومة المعترف بها"

ويشدد أن على الحكومة العمل على مكافحة الفساد في إغلاق الثقوب السوداء التي تلتهم العملة الصعبة سواء الراتب بالعملات الأجنبية التي تستلمه طفيليات الشرعية في الخارج والسفارات الغير ضرورية والمنح الدراسية للمسؤولين والنافذين".

فيما يعتقد تيسير السامعي أن استمرار عمل الموظف يستوجب أن تعمل الحكومة على صرف الرواتب للموظفين بالعملة الصعبة وأقل القليل أن يستلم الموظف ما كان يستلمه في 2014 هذا أقل ما يمكن أي ما يعادل ال 200 دولار لأصغر موظف وإلا فإن الأمر يندد بكارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية, حد قوله.

 

حلول طويلة الأمد

 

بحسب عبدالواحد العوبلي فإنه ولضمان تراجع قيمة الريال اليمني وإعادة الاستقرار للاقتصاد، يجب إنهاء انقلاب جماعة الحوثيين واستعادة السلام والاستقرار السياسي في البلاد  كما يجب أيضًا تفعيل القطاع المصرفي وتوجيه المساعدات الإنسانية عبر البنك المركزي في عدن.

ويؤكد العوبلي، "يجب إجبار المؤسسات والوزارات الحكومية على التعامل حصريًا مع البنوك ووقف التعامل مع شركات الصرافة والسوق السوداء. هذا سيساهم في تعزيز النظام المصرفي وتحسين ثقة المستثمرين والجمهور في الاقتصاد اليمني".

ويضيف الخبير في الشأن الاقتصادي أن مع تنفيذ هذه الإجراءات، يمكن أن يحسن من حالة الاقتصاد اليمني, لذلك يجب أن نلاحظ أن استعادة الاستقرار الاقتصادي والسياسي في اليمن ستستغرق وقتًا طويلاً وسيكون هناك تحديات كبيرة في تنفيذ هذه الإصلاحات. فلابد أن يتعاون المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية مع اليمن لتقديم الدعم اللازم لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز الاستقرار.

ويشير إلى أنه من المتوقع أن يستمر الريال اليمني في التراجع في الفترة المقبلة طالما أن العوامل الأساسية للضعف الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي لا تزال قائمة فهذا يستوجب على الحكومة اليمنية تكثيف جهودها للحد من الفساد وتعزيز الشفافية و الاستدامة الاقتصادية.

وبين هذا وذاك، يمكن الاستنتاج بأن انهيار العملة المحلية وتدهور الوضع الاقتصادي يعدان تحديين كبيرين يواجهان رئيس الوزراء أحمد بن مبارك المعين حديثا وحكومته, التي يتوقع منها وضع معالجات للتضخم، والعجز المالي، في ظل الاستقرار السياسي المتدهور، وتدهور الثقة في الاقتصاد المحلي.

وقد يكون لانهيار العملة المحلية تأثيرات واسعة النطاق على الاقتصاد وحياة المواطنين. كما يؤدي إلى زيادة تكاليف المستهلك وانخفاض القدرة الشرائية للأفراد, والزيادة من تكاليف الواردات ورفع أسعار السلع المستوردة، مما يؤثر على الاستدامة الاقتصادية ويقلل من النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تدهور الوضع الاقتصادي إلى انخفاض مستوى الاستثمارات وتراجع الثقة في الأعمال التجارية. يمكن أن يزيد من معدلات البطالة والفقر، ويؤدي إلى تفاقم العدالة الاجتماعية وزيادة التوترات الاجتماعية والسياسية.

ووفق مراقبون اقتصاديون فإن تلك التحديات تستوجب اتخاذ إجراءات قوية وفعالة من قبل السلطات الاقتصادية والسياسية التي عليها أن تبني سياسات مالية ونقدية متوازنة، وتعزيز الشفافية والمساءلة في الإدارة المالية. يجب أيضًا تعزيز الاستثمار في البنية التحتية وتعزيز التنافسية الاقتصادية من خلال تحسين بيئة الأعمال.