المجهر- القدس العربي
عاش اليمنيون قبل أيام قليلة، مشاهد فرح نادرة، إثر قيام الأطراف المتنازعة بتبادل مئات الأسرى، الذين عادوا إلى أهاليهم من السجون الكثيرة في البلاد وخارجها.
تزامنت هذه الواقعة مع صعود موجة أمل بين اليمنيين بإمكان تحقيق تسوية سياسية، بعد التقارب السعودي ـ الإيراني، وهو ما دفع المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، للقول إن اليمن يواجه أفضل فرصة له للتوصل لاتفاق سلام منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل أكثر من ثماني سنوات.
غير أن اليمنيين، الذين كانوا يستعدون، مثل غيرهم في باقي البلدان العربية، للاحتفال بعيد الفطر، أصابتهم كارثة جديدة أدت لمقتل 85 شخصا، على الأقل، بينهم نساء وأطفال، وإصابة المئات بجروح، أكثر من 50 منهم في حالة حرجة، خلال حادثة تدافع في البلدة القديمة من صنعاء، أثناء توزيع بعض التجار مساعدة مالية عليهم.
تكتّم الحوثيون، الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية، على سبب التدافع، لكن بعض الشهود قالوا إن المسلحين الحوثيين حاولوا السيطرة على الجموع بإطلاق الرصاص في الهواء فأصابوا سلكا للتوتّر العالي الكهربائي مما أدى لانفجاره، وهو ما بث الرعب في الناس وبدأوا يتدافعون ويقتل بعضهم بعضا دهسا.
تكثّف الحادثة مأساة بلد كان يوصف في أدبيات التاريخ الإسلامي بـ«اليمن السعيد».
أول مظاهر هذه المأساة كان اكتفاء «حكام» العاصمة صنعاء، الذين يسمّون أنفسهم «أنصار الله» من المسؤولية الاقتصادية والسياسية عن كل هذا الفقر، بمراقبة مشهد توزيع بعض التجار للزكاة، ثم بالتسبب، عمليا، في تلك المقتلة، عبر خراقتهم وسوء تدبيرهم، ثم قيامهم، بعد حصول الكارثة، باعتقال التجار!
تذكر هذه الحادثة بأحد عناصر المأساة اليمنية الكبرى، وهو أن ثلثي السكان، أي أكثر من 21,7 مليون شخص، حسب أرقام الأمم المتحدة، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
الأطراف المشاركون في الحرب الأهلية، يتحمّلون المسؤولية، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن هذه الوضعية، بداية من الحكومة اليمنية نفسها، التي خسرت معركة العاصمة صنعاء، ثم خسرت معركة العاصمة الثانية عدن، وانتهى الأمر بمسار سياسي بائس، انتهى بذهاب رئيسها، عبد ربه منصور هادي، وتشكيل مجلس قيادة رئاسي، لا يبدو أنه قادر فعلا على قيادة البلاد.
الجهة الثانية هي الحوثيون أنفسهم، الذين كانوا منذ تأسيس حركتهم عام 1992، يحاولون إحياء الإمامة الزيدية في اليمن، وهو ما جعل حركتهم تمثيلا لإحدى طوائف البلاد، وليس لجميع اليمنيين، وانتهى تحالفهم مع الرئيس علي عبد الله صالح، ضد المنتفضين على حكمه، منذ عام 2011، بمقتل علي صالح، وبتقسيم عمليّ لليمن، بين الشمال الذي يسيطرون عليه، والجنوب الخارج عن حكمهم، وبانتهاء آمال اليمنيين بدولة مدنية ديمقراطية، وبسقوط البلاد في حرب أهلية مرعبة.
الجهة الثالثة، التي يمثلها «المجلس الانتقالي الجنوبي» والذي يمثل محافظات جنوب اليمن، التي كانت منتظمة ضمن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، فقد ساهمت بدورها في إضعاف شرعيّة وسيادة الدولة اليمنية، وفي حرمانها من مدينة عدن، التي سيطر عليها بشكل تدرجي خلال عامي 2019.
تضاربت مصالح الحوثيين و«الانتقالي الجنوبي» مع وجود دولة توحد اليمنيين، واستخدم الطرفان سرديّة سياسية يسودها الشعور بالمظلومية والتهميش والظلم، والاحتجاج على استئثار الدولة اليمنية، خلال فترة علي صالح، بالحكم، واستخدامها أنواع القمع ضد اليمنيين، وانتهت مناورات الحاكم المستبد، وتحالفه مع الحوثيين الذين بطش بهم مرات عديدة، إلى نهاية وخيمة أدت لنهايته، مع استمرار الحرب الأهلية التي دمّرت البلاد، وقهرت العباد.
تخلص الوقائع الآنفة إلى نتيجة أكيدة وهي أن إنهاء الحرب هو ضرورة قصوى لعودة اليمنيين، إلى «حياة طبيعية» ليس فيها قصف ومعارك وحصارات وتجويع وأمراض مستوطنة وفقر مهلك. حياة لا يتحكم فيها زعماء الحرب الذين يمثّل كثيرون منهم مصالح دول أخرى لا مصالح شعبهم، ولا يموت فيها الفقراء من أجل عشرة دولارات.
اقرأ أيضًا: الأزمات الدولية: الطريق طويل بشأن التوصل إلى حل شامل للحرب اليمنية