في الوقت الذي تطمح فيه "توتال" لاستئناف أنشطتها لتصدير الغاز المسال في جنوب اليمن، تكشف مجلة "ماريان" عن ممارسات شركة النفط الفرنسية "توتال" البيئية والاجتماعية المشكوك فيها بين عامي 2005 و2015.
حطت شركة "توتال" رحالها رسمياً، في عام 2005، في الساحل الجنوبي لليمن، في محافظة شبوة. أنشأت هناك -مقابل مبلغ متواضع يبلغ 4.3 مليار يورو- محطة تسييل للغاز، وميناء، ومساكن مع مسبح لعمالها، ومهبط للطائرات، وصهاريج، وخط أنابيب غاز بطول 300 كيلومتر، ومحطة لتوليد الكهرباء.
كانت "توتال" آنذاك المساهم الأكبر (39.6٪) في مجموعة الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال. بالنسبة لمشروع مثل هذا، يقع على ساحل بري مع تنوع بيولوجي بحري فريد، يجب على "توتال" أن تأخذ في حسبانها الجانب البيئي.
حددت الشركة أربعة مواقع للاختيار بينها، لكن في الحقيقة كانوا قد اختاروا الموقع مسبقاً: سيكون بلحاف. المنطقة مثيرة للاهتمام بسبب جغرافيتها الطبيعية، التي لا تتطلب التجريف (لميناء ذي مياه عميقة) ولا بناء حاجز أمواج أو رصيف طويل.
بالنسبة لشركة "توتال"، أو الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، توفر هذه البيئة ملايين الدولارات. هل من مشكلة في ذلك؟ عند اختيارها بلحاف تجاهلت الشركة الشعاب المرجانية التي تعود إلى قرون من الزمن، وحقيقة أن هذا الموقع يحتوي على أكبر تنوع في أسماك الشعاب المرجانية في خليج عدن بأكمله.
في ذلك الوقت، تم إصدار قرار بتحويل المنطقة أيضاً إلى محمية وطنية وإقليمية. للحصول على التمويل، اضطرت "توتال" إلى تقديم "دراسة الأثر البيئي والاجتماعي" إلى المستثمرين. في عام 1997، قدمت الشركة الفرنسية العملاقة نصاً أولياً: "تم إجراء الدراسة في أقل من ثلاثة أسابيع، ولم يشمل الفريق أي باحث في الأحياء البحرية"، كما يؤكد فريدريك (1)، وهو رائد أعمال نفطي مطَّلع على الأمر.
الغريب، لم يتم الإعلان عنها من قِبل الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، ولا من قِبل شركة "توتال"، التي لم توافق على تقديم نسخة إلى مجلة "ماريان".
في غرفة شديدة الحراسة في مقر شركة "توتال"، في منطقة "لاديفونس" التجارية في باريس، كان فريديريك واحداً من القلائل الذين تمكنوا من الوصول إلى هذه الدراسة.
في عام 2005، كان الرجل مرشحاً لمنصب "مسؤول عن حماية البيئة والقضايا الاجتماعية. لقد كان يريد أن معرفة كل شيء عن مهمته. يقول: "لم يُسمح لي بأخذ أي ملاحظات أو صور. وفوق كل شيء، لم ترغب توتال في خروج هذه الدراسة من هذه الغرفة. لماذا؟ لأنهم قاموا برعاية دراسة تقييم الأثر البيئي والاجتماعي بجودة رديئة، وقدموها للمستثمرين وأخبروهم أنهم فعلوا كل شيء بشكل صحيح في حين أنها كانت هراء".
للحصول على استثماراتها البالغة 4 مليارات دولار، يجب أن تقدم الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال بدورها دراسة لتقييم الأثر البيئي والاجتماعي وبجودة مختلفة تماماً.
لكن "توتال" أسرعت بتعيين فريق أمريكي، وأرسلت مقاولين من الباطن إلى الميدان. هنا أيضاً، فإن جودة التقرير مشكوك فيها. ستتعارض بعض النتائج المتعلقة بالآثار البيئية مع تلك التي توصل إليها لاحقاً باحثون بحريون وظفتهم شركة "توتال"، بعد إنشاء الموقع.
لكن الناقلة الفرنسية كانت في عجلة من أمرها، وفي سبتمبر 2005، قامت الجرافات الأولى بتشويه جزء من الساحل بشكل غير قانوني، في حين أن دراسة تقييم الأثر البيئي والاجتماعي لن تكتمل حتى ديسمبر من العام نفسه.
في العملية الدولية، لطلب تمويل ضخم مثل هذا من المانحين، لا يمكن الحصول على قرض إلا بشرط إجراء دراسة الأثر البيئي في وقت مبكر. كيف تمكنت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال من الحصول على مثل هذا القرض، لا سيما من استثمارات البنوك الفرنسية "بي إن بي باريباس" (BNP Paribas) و"سوسيتي جينرال (Société Générale)، وقد خرقوا بذلك البروتوكول؟ يظل الأمر لغزاً.