الأربعاء 18/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

عزوف وإقبال ضعيف.. التعليم الجامعي يحتضر تحت سلطة الحوثيين (تقرير خاص)

عزوف وإقبال ضعيف.. التعليم الجامعي يحتضر تحت سلطة الحوثيين (تقرير خاص)

المجهر- تقرير خاص

ينتظر التعليم الجامعي في مناطق سيطرة الحوثيين مستقبل مظلم في ظل المضايقات التي يواجهها الأكاديميين في الجامعات والطلاب على حد سواء، وهو ما يؤثر على مخرجات العملية التعليمية .

ومع بداية العام الدراسي، شهدت معظم الجامعات الحكومية بمناطق الحوثيين إقبالاً ضعيفاً على التسجيل، في ظل عبث الجماعة بنظام التعليم الجامعي الأمر الذي يثير الشكوك حول عدم الاعتراف بشهادة الجامعة خارج اليمن .

وبشكل عام تتجه جماعة الحوثي إلى تدمير المنظومة التعليمية في الجامعات الواقعة تحت سيطرتها، في إطار حربها العقائدية القاصدة إلى استبدال المنشئات والكوادر الأكاديمية بأخرى تتفق مع توجهاتها سعياً لصناعة أجيال غارقة وسط الجهل والعبودية.

إقبال ضعيف

في جامعة صنعاء، أدى الاقبال الضعيف إلى تمديد التسجيل في كليات التجارة والهندسة والحاسوب والصيدلة وطب الأسنان، إلى جانب تمديد التنسيق في كليات العلوم واللغات والتربية والآداب والزراعة حتى نهاية أغسطس/ آب المنصرم. وفقا لمصدر أكاديمي.

وأكد المصدر الأكاديمي لـ" المجهر " أن إدارة الجامعة قامت بإلغاء امتحانات القبول في عدد من التخصصات بجامعة صنعاء، مشيراً إلى أن العملية التعلمية في الجامعة تخضع للوساطات.

ورغم استمرار انقطاع المرتبات وتردي الأوضاع المعيشية في مناطق الحوثيين، إلا أن الجماعة أجبرت الكادر الأكاديمي والإداري في جامعة صنعاء على التعهد الخطي بعدم العمل في جامعات أخرى وسنت عقوبات على من يقوم بذلك.

وكان ما يسمى بملتقى الطالب الجامعي التابع للحوثيين، أصدر سلسلة من التعميمات لمنتسبي جامعة صنعاء، منها على سبيل المثال قرار فصل الطلاب عن الطالبات وتقسيم أيام الأسبوع بين الجنسين.

وقبل أكثر من شهر، فتحت جامعة ذمار باب التسجيل للعام الجديد فكانت المفاجأة أن عدد الطلاب الذين تم تسجيلهم بلغ فقط (45) طالباً وطالبة، في الكليات التابعة للجامعة بمختلف أقسامها.

وقال الأكاديمي في جامعة ذمار الدكتور عبدالله صلاح، إن عدد المسجلين في كلية التربية بأقسامها العشرة بلغ (17) طالباً، وفي كلية الزراعة بقسميها الزراعي والبيطري (17) طالبا. وفي كلية الآداب بأقسامها الثمانية (9) طلاب، فيما تم تسجل طالبين فقط في كلية العلوم التطبيقية بأقسامها الستة.

فوضى إدارية

في جامعة إب كذلك، تشهد العملية التعليمية إقبالا ضعيفا على التسجيل وسط فشل إداري في معالجة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، إلى جانب انتهاك قانون الجامعات الحكومية.

وقال مصدر إداري في جامعة إب لـ"المجهر" إن إدارة الجامعة قامت بقبول خريجي هذا العام قبل حصولهم على استمارة الثانوية، إضافة إلى إلغاء اختبارات القبول في عدد من التخصصات بما فيها الهندسة.

وأضاف المصدر – رفض ذكر اسمه – أن جامعة إب لجأت خلال الأعوام الماضية وصولاً إلى هذا العام، بتخفيض نسبة القبول في الكليات والأقسام التابعة للجامعة وتمديد فترة الالتحاق، إلى جانب تأخير إعلان نتائج العام الدراسي السابق.

وأوضح أن الطلاب يشكون من عدم انتظام الجدول الدراسي خلال العام الماضي، حيث أخذت المادة من 5-7 محاضرات في الترم الواحد بدلاً من 12-15 محاضرة في المعدل الطبيعي كما كان يحدث في السابق.

وذكر المصدر، أن جامعة إب قامت بفتح مراكز لتدريس دبلومات تقنية ومهنية في مخالفة واضحة لقانون تنظيم المعاهد والمراكز التابعة لوزارة التعليم الفني والتدريب المهني، كما قامت بأخذ الكادر التعليمي من المعاهد الخاصة.

ليس هذا فحسب، فالجامعة لا تمتلك الحد الأدنى من الإمكانيات والمعامل الخاصة بالتطبيق العملي في تخصصات مثل الصيدلة والتمريض والقبالة ومساعد طبيب والإدارة الصحية.

إلى ذلك، قال مستشار محافظ محافظة إب لشؤون الإعلام إبراهيم عسقين، إن جماعة الحوثي استحدثت مادة جديدة في كلية الطب بجامعة إب لا علاقة لها بالتخصص.

وأضاف عسقين، في حسابه على منصة "إكس" أن المادة تحمل مسمى الصراع العربي الإسرائيلي ويقوم بتدريسها القيادي الحوثي عبدالفتاح غلاب، حيث وأن الكتاب من إعداده وتأليفه.

ومما ورد في الكتاب، يدعي غلاب أن اليهودية والنصرانية ليست أديان سماوية، في مخالفة واضحة للنص القرآني.

إقصاء وتهميش

أصدرت كلية الإعلام بجامعة صنعاء مؤخراً، قراراً بإعفاء الدكتورة سامية عبدالمجيد الأغبري من رئاسة قسم الصحافة بالكلية، فيما اعتبره مراقبون استهدافا للكادر الأكاديمي النسائي من قبل جماعة الحوثيين.

وذكرت الدكتورة سامية في صفحتها على "فيسبوك" أن جماعة الحوثي تسعى لإزاحة كافة الكوادر النسائية من الجامعة والفصل بين الجنسين في كافة كليات الجامعة.

من جهته أوضح مصدر أكاديمي في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، أن كثير من حقوق أساتذة وموظفي الجامعة أصبحت مسلوبة بسبب عبث جماعة الحوثي بقرارات الجامعة وإيراداتها المالية.

وذكر المصدر – تحفظ عن ذكر اسمه – أن " دكاترة جامعة صنعاء أصبحت تعمل بنظام الساعات، ويحصلون على الفتات مقابل الجهد الذي يبذلونه، كما أنهم لا يتمكنوا من عمل بحوث للحصول على ترقيات بشكل كافي والسماح لهم بالتفرغ للبحث العلمي".

وأضاف أن الكادر الأكاديمي في الجامعات الحكومية اضطر للعمل في جامعات خاصة لملاحقة لقمة العيش نتيجة انقطاع المرتبات في مناطق الحوثيين، وهو ما أثر على المخرجات التعليمية في الجامعات الحكومية.

ونوه المصدر الأكاديمي إلى أن دكاترة جامعة صنعاء يشكون إلى جانب انقطاع رواتبهم، من انعدام حقوقهم سواء في السكن أو في التأمين الصحي أو في الترقيات والتعيينات أو في تحسين أوضاعهم المعيشية.

ويبدو أن هذه الحالة جعلت الجامعات الخاصة تقوم باستقطاب دكاترة الجامعات الحكومية وتقدم لهم اغراءات مادية للعمل لديها، وهو ما يؤثر على العملية التعليمية في الجامعات الحكومية. وفق ما يرى المصدر.

كما يعتقد أن من أسباب تراجع مستوى التعليم الجامعي بمناطق الحوثيين هو هجرة الكوادر الأكاديمية خارج البلاد، للحصول على مستوى معيشي أفضل.

ولفت المصدر إلى أن بعض الجامعات الخاصة تتبع قيادات حوثية وتسعى من خلالها لتدمير الجامعات الحكومية وانهاكها لصالح التعليم الخاص.

تعليم تجاري

لم تعد الحياة الجامعية صحية كما كانت قبل سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء في العام 2014م، حيث أن الطالب لا يحصل على حقه من توفر الوسائل التعليمية سواء بالنسبة للمعامل في الكليات العلمية أو الاستوديوهات بالنسبة لكلية الإعلام.

وأفاد المصدر الأكاديمي في جامعة صنعاء أن "مدخلات ومخرجات التعليم في الجامعة أصبحت هابطة، إضافة إلى أن النظام التعليمي نفسه رديء ولا يساعد الطالب على دراسته بشكل أفضل".

ومن بين الأسباب الذي ذكرها المصدر لعزوف الطلاب عن التعليم الجامعي، هو أن الظروف المعيشية الصعبة أجبرت كثير من خريجي الثانوية العامة على الالتحاق بسوق العمل لتوفير لقمة العيش خصوصاً وأن كثير من خريجي الجامعات بدون فرص عمل.

كما أوضح أن التعليم في الجامعات الحكومية أصبح مضغوط حيث وأن المحاضرات كلها أصبحت نظرية دون تطبيق عملي بالمستوى الكافي، وبالتالي أدى ذلك إلى ضعف العملية التعليمية حيث يشعر الطالب بعد تخرجه أنه لم يتأهل يما يكفي لسوق العمل.

وخلال السنوات الأخيرة، أصبح الطالب يضمن مقعده الجامعي سواء حكومي أو خاص مقابل دفع رسوم مالية بغض النظر عن معدله ومستواه العلمي، ولم يعد هناك تقييم للجامعات الخاصة ومدى التزامها بمعايير الجودة التعليمية.

ويرى المصدر الأكاديمي أن الجامعات الحكومية اليمنية تحتاج إلى دعم كبير بما يضمن إلغاء التعليم الموازي والنفقة الخاصة، ويجعل تسجيل الطلاب شبه مجاني حتى تكون فرص التعليم للجميع.

ويبدو أن سوء النظام التعليمي في مناطق الحوثي لا يشجع الطالب على مواصلة تعليمه الجامعي، في ظل عدم وجود رحالات علمية ونشاطات ثقافية ورياضية داخل الجامعة.

اقرأ أيضا: حقوق مسلوبة وقمع مستمر للمعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين (تقرير خاص)

تمييز ومحسوبية

إلى جانب الجامعات الحكومية، تشمل حالات عزوف الطلاب عن الاقبال على التعليم الجامعي كذلك الجامعات الخاصة، حيث اضطرت إلى تخفيض الرسوم وإجراء إعلانات مكثفة مع بداية كل عام الدراسي.

وتعتقد الطالبة نور_ اسم مستعار_ أن تردي الأوضاع المعيشية واستمرار انقطاع المرتبات ساهمت إلى حد كبير في عزوف الطلاب عن الدراسة الجامعية، حيث يضطر طلاب الثانوية العامة إلى أخذ لقمة العيش من مهنة أخرى بدون الشهادة الجامعية.

وتضيف نور إحدى الطالبات بجامعة 21 سبتمبر تخصص طب مخبري، أن من الأسباب التي أدت إلى تراجع نسبة الإقبال على التعليم الجامعي في مناطق سيطرة الحوثيين هو التخلف الحكومي الكبير الذي وصلت إليه في مستوى التعليم.

وبينت في حديثها لـ"المجهر" أن هناك عنف دراسي تشهده العملية التعليمية في الجامعات الحكومية والخاصة بمناطق الحوثيين، إلى جانب عدم انتظام الدراسة.

وبالنسبة لقرار الحوثيين فصل الطالبات عن الطلاب، تعتقد نور أن القرار صائب لكنها تشكي من سوء الأسلوب في التعامل مع الطلاب من قبل الأكاديميين والإداريين في جامعتها.

ومن أبرز الحلول التي تراها نور، هو أن يكون التعليم الجامعي مجاني ويخضع لاختبارات القبول ومعدل الثانوية العامة، كما تدعو إلى ضرورة وجود جامعات راقية بمحتواها وتضع للطالب اليمني مكانه في مجتمع. حسب قولها.

من جهتها ذكرت الطالبة أفراح _ اسم مستعار_ أن من أسباب عزوف طلاب الثانوية عن الالتحاق بالجامعات هو اعتماد جماعة الحوثي لكتب تتحدث عن ثقافة وتوجهات جماعة الحوثي ضمن المقررات الجامعية.

وأوضحت أفراح الطالبة في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، أن هناك تمييز بين الطلاب، مشيرة إلى أن جماعة الحوثي تعطي للطلاب التابعين لها حق التصرف حسب رغبتهم والتحدث باسم الدفعة كاملة دون موافقة بقية الطلاب.

وأضافت في حديثها لـ"المجهر" أن إدارة جامعة صنعاء تضغط على الدكاترة من أجل رفع درجات الطلاب المحسوبين على جماعة الحوثي بغض النظر عن مستواهم التعليمي.

وترى أن قرار الحوثيين بفصل الطلاب عن الطالبات يعد قرارا خاطئاً، مؤكدة على أن تسليم السلاح للدولة والامتثال لسلطة القانون هو السبيل الأمثل لعودة الحياة الجامعية إلى مستواها الطبيعي.

الوضع المادي

تتفق الطالبة معالي _اسم مستعار_ في حديثها لـ" المجهر" أن الوضع المادي أثر على كثير من الطلاب في مواصلة تعليمهم الجامعي، حيث يجدون صعوبة في دفع الرسوم كما أن بعضهم غير قادر على توفير تكاليف المواصلات.

وذكرت معالي - طالبة في كلية الطب السريري بجامعة 21 سبتمبر - أن انقطاع المرتبات تعتبر السبب الرئيسي في عزوف الطلاب عن التعليم الجامعي إلى جانب عدم توفر فرص عمل لخريجي الجامعات.

وترى أن قرار جماعة الحوثي فصل الطلاب عن الطالبات غير صائب أبداً، واعتبرته قرارا تهكمياً على حقوق الطالب الجامعي، وفي الوقت ذاته لا ترى أن جماعة الحوثي تفرض توجهات بعينها على الطلاب إلا في حدود الدراسة.

كذلك نفى الطالب فهيم وجود مضايقات متعلقة بالدراسة من قبل جماعة الحوثي، كما أنه لا يرى مشكلة في قرار فصل الطلاب عن الطالبات في قاعات التدريس.

وقال فيهم، أحد الطلاب في جامعة 21 سبتمبر تخصص رعاية تنفسية، إن الأوضاع المادية السيئة أدت إلى عزوف كثير من الشباب عن الدراسة الجامعية والالتحاق بفرص عمل تضمن لهم معيشتهم اليومية.

ويضيف في حديثه لـ"المجهر" أن عدم قدرة الطلاب على توفير متطلبات الجامعة ومستلزماتها أدى بهم إلى ترك الدراسة والتوجه إلى الأعمال الأخرى، معتقداً أن توفر المرتبات هو الحل الأبرز لعودة زخم التعليم الجامعي في مناطق الحوثيين.

استهداف الأكاديميين

استهدف الحوثيون الجامعات الحكومية والأهلية في مناطق سيطرتهم بعدد من الأنشطة الطائفية، وأجبروا الكوادر الأكاديمية والإدارية والطلاب على تنظيم وحضور هذه الفعاليات تحت تهديد العقوبات الصارمة.

وذكر رئيس مركز البلاد للدراسات والإعلام حسين الصوفي، أن جماعة الحوثي استهدفت العملية التعليمية في الجامعات الواقعة بنطاق سيطرتها، من خلال اقصاء وتهميش عدد من الكوادر الأكاديمية.

وأضاف في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي " قامت باستبدال اتحادات الطلبة بكيانات مليشاوية، وجعلت من رسائل الدراسات العليا مهزلة لإعادة ملازم الحوثي".

ويرى الصوفي، أن من أسباب تراجع العملية التعليمية في الجامعات الخاضعة لسيطرة الحوثيين هو قيام الجماعة بقطع الرواتب عن أساتذة الجامعات وملاحقتهم والتضييق عليهم لمنعهم من التدريس في أي محضن أكاديمي آخر.

ومؤخراً أعلن عدد من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية بمناطق سيطرة الحوثيين، تأسيس نادي نقابي بهدف المطالبة بمرتباتهم فيما اسموها مهمة البحث عن لقمة العيش.

ويأتي إعلان تأسيس النادي بعد عجز النقابات الجامعية الأخرى وتقصيرها بواجبها تجاه منتسبيها، وفقا للبيان الصادر عن النادي الذي حمل قيادة الحوثيين مسؤولية انقطاع المرتبات منذ انقلاب الجماعة على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء.

ملشنة التعليم

اعتبر رئيس مركز البلاد للدراسات والإعلام حسين الصوفي، أن عزوف طلاب الثانوية عن الالتحاق بالجامعات هو صورة من النضال الوطني ومؤشر رفض وعزل للوضع الذي تفرضه جماعة الحوثي في حربها الممنهجة ضد التعليم والكتب الدراسية، مشيراً إلى أن ذلك سيكون له ثمن كبير وتبعات مؤثرة على الوضع الذي تعيشه مناطق الحوثيين.

وتعمدت جماعة الحوثي كذلك إلى فرض أنشطتها وفعاليتها الطائفية على العملية التعليمية في مناطق سيطرتها، وهو ما يفسر عزوف الطلاب وأولياء أمورهم عن الإقبال على المؤسسات التعليمية الجامعية.

كما أن اجبار الطلاب على الالتحاق بجبهات القتال، يهدف إلى تعطيل العملية التعليمية من أساسها، إلى جانب تحويل كثير من المدراس والجامعات إلى ثكنات عسكرية ومراكز تدريب لمسلحي جماعة الحوثيين.

اقرأ أيضا: المراكز الصيفية الحوثية.. قنبلة موقوتة في خاصرة المجتمع اليمني (تقرير خاص)