طوال مسيرتها الممتدة، على مدى عقود من الزمن، اعتمدت جماعة الحوثي الإرهابية في تمويل أنشطتها، منذ بدء التأسيس، على أفراد وكيانات يعملون في دول مختلفة إلى جانب الدعم الإيراني الرسمي، ولجأت الجماعة إلى طرق عديدة للتحايل على الرقابة الدولية لعملية التمويل المالي، الذي تتلقاه عبر آليات مختلفة.
بيد أن جماعة الحوثيين خلال السنوات الأخيرة، وسعت من شبكاتها المالية في الخارج، والتي شملت أفراداً وكيانات وشركات تجارية، حيث تمارس البيع غير المشروع للنفط، والبضائع الإيرانية في الخارج، وتقوم بتحويل قيمة تلك السلع إلى الجماعة في الداخل عبر منشآت وشركات صرافة.
شبكة الظل
انتهجت الشبكة المالية، عمل الظل في تهريب النفط الإيراني وتمرير الأموال الخاصة بها إلى الحوثيين على مدى سنوات، عن طريق عدد من الطرق من أبرزها نقل النفط من الموانئ الإيرانية، على مراحل متعددة، ونقل النفط من سفينة إلى أخرى في وسط المحيط، بعيدًا عن سلطات الموانئ والمراقبة، وإدخال مواد كيميائية أو علامات يمكن أن تغير البصمة الجيوكيميائية للنفط الإيراني والتي بدورها تجعل التعرف عليه أكثر صعوبة من قبل المراقبين الدوليين، ثم بعد ذلك يتم البيع لشركات أوروبية صغيرة.
وتُدر الشبكة المالية لجماعة الحوثي، في الخارج، عشرات الملايين من الدولارات من عائدات تهريب الوقود والمنتجات البترولية للأذرع الإيرانية في المنطقة العربية، وتحوي أفراداً وكيانات مختلفة، لكنّ أبرز تلك الشخصيات التي تردد اسمه كثيراً في قائمة العقوبات الأمريكية، هو رئيس الشبكة سعيد الجمل، المقيم في إيران.
رئيس الشبكة
ورد اسم رئيس الشبكة المالية الداعمة للحوثيين سعيد الجمل، لأول مرة في يونيو 2021 على قائمة العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية، قبل أن تتسع القائمة في مارس 2022 لتشمل 25 فردا وكيانا بما فيه رئيس الشبكة سعيد الجمل.
في ديسمبر/ كانون أول الماضي، جددت وزارة الخزانة الأمريكية فرض العقوبات على الشبكة المالية للحوثيين في الخارج، برئاسة سعيد الجمل، وتشمل الشبكة 13 شخصاً وكياناً، قالت الخزانة الأمريكية إنهم متورطون بتحويلهم عشرات الملايين من الدولارات من العملات الأجنبية إلى جماعة الحوثي في اليمن، ليبرز اسم سعيد الجمل، دون غيره مرارا في بيان وزارة الخزانة الأميركية.
وقالت الخزانة الأمريكية، إن الحرس الثوري الإيراني دعم مخططا يتضمن شبكة معقدة من شركات الصرافة والشركات في دول متعددة، بما في ذلك اليمن وتركيا وسانت كيتس ونيفيس.
وتجمد العقوبات جميع الممتلكات والمصالح الخاصة بالكيانات والأشخاص المستهدفين في الولايات المتحدة وتمنع بشكل عام الأميركيين من إجراء معاملات معهم.
وأشارت الوزارة إلى أن الكيانات والأفراد الثلاثة عشر الذين شملتهم العقوبات الأخيرة يضمون متجرا للمجوهرات ومكتبا للصرافة في تركيا بالإضافة إلى مكاتب صرافة ووكلاء شحن وأفراد في سانت كيتس ونيفيس وبريطانيا وروسيا.
ويُعد سعيد الجمل وسيطاً مالياً هام للحوثيين، إلى جانب بلال حدرج، الذي يدير شركة صرافة مقرها لبنان، وكلاهما يخضع بالفعل لعقوبات أميركية.
استخدم الجمل لسنوات شبكة من مكاتب الصرافة في اليمن وخارجها لتحويل عائدات مبيعات السلع الإيرانية للحوثيين والحرس الثوري الإيراني، وتمكن بمساعدة بلال حدرج في إجراء تحويلات مالية للحوثيين.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية، أيضا عقوبات لأشخاص دعموا الجمل أيضا في شبكة تمويله، من بينهم العنصر الفعال في الشحن غير المشروع ورجل الأعمال الدولي. فادي دنيز، المعروف أيضا باسم فادي غازوغلي، الذي قام بتنظيم شحنات متعددة نيابة عن الجمل، بما في ذلك ترتيب المدفوعات للسفن المستخدمة لنقل شحنات الجمل السلعية، وفق الخزانة الأميركية.
وفي الحقيقة أن البحث والتحري عن طبيعة الشبكة المالية الداعمة للحوثيين، في الخارج، يحتاج، إلى إفراد مساحات كبيرة، للحديث عن طرق وأساليب الشبكة، في عملية الدعم المالي، وتحويل الأموال إلى الداخل، لكننا في هذا التقرير سنحاول التعرف على أبرز هذه الشخصيات الداعمة للحوثيين، والذي يُعد الرأس المدبر الذي يُشرف على عمل الشبكة المالية للحوثي، في الخارج.
من هو سعيد الجمل؟
اسمه "سعيد أحمد محمد الجمل" مولود في العام 1979 في منطقة "همدان" بمحافظة صنعاء، ويحمل أسماء حركية عدة لإخفاء هويته منها "أبو علي"، "أبو أحمد"، لدى تعاملاته وتنقلاته بين اليمن وإيران ولبنان وعديد الدول التي زرع فيها أذرعه.
استقر سعيد الجمل، منذ عام 2009 بالتزامن مع آخر حرب خاضتها مليشيات الحوثي في معقلها صعدة في إيران وشيد أخطر شبكة اقتصادية لتمويل المليشيات الإرهابية، حيث جرى تكليفه في 2004، ليكون مندوباُ للجماعة في إيران.
ونجح الجمل في تكوين خلية من رجال الأعمال وخبراء الشحن يعملون على البيع غير المشروع للبضائع الإيرانية، في الخارج وإعادة الأرباح إلى كيانات بما في ذلك الحوثيون في اليمن، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله وكيانات أخرى، طبقاً لمصادر متعددة.
في مايو/آيار 2013 قام سعيد الجمل بشراء عقارات في اليونان، حيث بدأت علاقاته بالتوسع داخل الاتحاد الأوروبي وتركيا، وأجرى علاقات واسعة في الاتحاد الأوروبي، تمكن من خلالها عقد العديد من الصفقات التجارية مع رجال الأعمال في اليونان وقبرص، من ضمنهم (كونستانتينوس ستافريديس) الذي شملته العقوبات الأمريكية لتعاونه مع (الجمل) في تهريب النفط الإيراني من خلال الشركة المملوكة له والتي تحمل أسم Fani Oil في اليونان.
مكتب الإنتربول الدولي، كشف وثيقة عن الاسم المزيف الذي استخدمه (سعيد الجمل) في التنقل خارج إيران، وذلك من خلال جواز سفر إيراني يحمل اسم رامي أبو أحمد، وطبقا للإنتربول فإن الجمل تنقل بعديد جوازات سفر صادرة بأسماء مختلفة من عدة بلدان.
تزوير سعيد الجمل، لهويته في الجوازات، صعّب عملية رصد مكانه الدقيق، والقبض عليه، حيث يُعتبر مطلوبًا للعدالة وفق قوائم الداعمين للإرهاب الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
خلال فترة بقائه في إيران وتنقله بين تركيا واليونان وقبرص، أنشأ (الجمل) شبكة كبيرة لغسيل الأموال واستثمارها في هذه الدول من جنسيات متعددة.
عقوبات أمريكية
طبقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، فأن هناك أكثر من 20 كيان تم إثبات تورطهم بتهريب الأموال التابعة للجمل، من ضمنها شركات صرافة وتحويلات مثل شركة (Garanti Ihracat) التركية وكذلك شركات أخرى تختص بالاستيراد ونقل وشحن بحري، بالإضافة إلى شخصيات تعمل في مجال تهريب البشر إلى أوروبا عبر تركيا وقبرص، من بينهم عبد الجليل ملاح – السوري الجنسية المُقيم في اليونان، والذي يمتلك شركة Abamco Enterprises INC التي تعمل على غسيل الأموال النفطية لصالح الجمل، وأموال المخدرات والكبتاجون لصالح حزب الله والنظام السوري.
مطلع مارس/ آذار الجاري، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركتين مقرهما هونج كونج وجزر مارشال، وسفينتين مملوكتين لهما لنقلهما شحنات من إيران بواسطة الشبكة الحوثية، التي يرأسها سعيد الجمل.
استخدمت الشبكة المالية، هذه السفن لنقل البضائع الإيرانية، برئاسة سعيد الجمل، وبموجب، قرار وزارة الخزانة الأميركية، فقد تم فرض عقوبات على سفينة RENEEZ التي ترفع علم بالاو والمملوكة لشركة مقرها في جزر مارشال، وسفينة ETERNAL FORTUNE التي ترفع علم بنما والمملوكة لشركة في هونج كونج.
أعضاء الشبكة
في ديسمبر 2023 أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات على 13 شخصا وكيانا على علاقة بتمويل مليشيا الحوثي، ومن أبرز الأفراد والكيانات المشمولة بالعقوبات الامريكية الجديدة:
-بلال حدرج: عمل من خلال شركة شركة حدرج للصرافة ومقرها لبنان مع الميسر المالي للحوثيين، سعيد الجمل، لإجراء تحويلات مالية إلى قيادات مليشيا الحوثي في اليمن، حيث اعتمد الجمل لسنوات على مجموعة من مكاتب الصرافة، في اليمن وخارجها، لتحويل عائدات مبيعات السلع الإيرانية إلى حركة الحوثيين وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وأرسلت شركة حدرج للصرافة ملايين الدولارات واليورو إلى شركات الصرافة اليمنية المتحالفة مع الجمل، بما في ذلك شركة الحظا للصرافة والشركة العالمية السريعة للصرافة والتحويلات المالية.
- أحمد دوري: ساعد شركة حدرج للصرافة التي نسقت بعض هذه التحويلات المالية مع متجر المجوهرات وشركة الصرافة بيرلانت في إسطنبول ، وكويومكولوك تيكاريت المحدودة، وسيركيتي (بيرلانت)، المعروفة أيضًا باسم جوهرة للصرافة، و كليهما شملا ضمن قرار العقوبات.
- شركة أبو سمبل للتجارة العامة (ذ.م.م) (أبو سمبل) عملت بطريقة مماثلة خارج مقرها الرئيسي في دبي، وقامت بالتعامل مع الأموال نيابة عن الجمل، بما في ذلك الأموال المرتبطة بأعماله مع حزب الله اللبناني.
وموظفو أبو سمبل قاموا بجمع ملايين الدولارات نقدا نيابة عن الجمل، وتم تحويلها بعد ذلك عبر وسيط لصرافة العملات، وتحويل ملايين الدولارات من أموال الجمل إلى شركة دافوس للصرافة والتحويلات المالية (خالد يحيى راجح وشريكه) (دافوس للصرافة) ومقرها اليمن، وهي شركة صرافة أنشأها الجمل وأحد أفراد عائلته.
- خالد يحيى راجح العذاري: أنشأ الجمل وراجح بورصة دافوس في عام 2021 كوسيلة للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على شركاء الجمل للصرافة في اليمن وتركيا.
جدوى العقوبات
في خضم العقوبات المتواصلة التي تفرضها وزارة الخزانة الأمريكية على الشبكة المالية الداعمة للحوثي، يتساءل مراقبون عن جدوى هذه العقوبات في التأثير على الدعم المالي الذي يصل للجماعة بشكل مستمر، حيث وأن هذا الدعم ساهم في توسع أنشطة مليشيا الحوثي في جوانب مختلفة بالداخل.
ويقول مراقبون، إن هذه العقوبات ستعمل على تضييق الخناق على التمويل الحوثي، والحد من الموارد المالية المتدفقة للحوثي، عبر شخصيات وكيانات مختلفة.
في المقابل يرى آخرون، أن هذه العقوبات، لن تؤثر بشكل كبير على الوضع المالي للحوثيين، سيما وأنهم يسيطرون على موارد محلية كبيرة، تمكنهم من البقاء والهيمنة وبناء مزيدا من النفوذ في الجانب العسكري والمالي.