بعد إنهائها العام الدراسي مبكرًا هذا العام؛ دشّنت جماعة الحوثي الإرهابية معسكراتها الصيفية لطلبة المدارس في مناطق سيطرتها، وتزامن ذلك مع تنفيذ حملات ترويجية، تضمنت وعوداً بجوائز وسلال غذائية، وسط الاهتمام الشديد من زعيم الجماعة بهذه المعسكرات، وتحذير الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من خطورة هذه المراكز الطائفية.
وتعد هذه المراكز التي تنظمها الجماعة المدعومة من إيران، أشبه بالمعسكرات المغلقة؛ لاستخدامها في استقطاب الأطفال للانضمام إليها، وتجنيدهم في صفوفها، وإرسال الآلاف منهم إلى جبهات القتال، بحسب ما جرى توثيقه خلال الأعوام الماضية عبر تقارير حقوقية محلية ودولية.
استدراج وإغراء
استخدمت جماعة الحوثي الإرهابية، أساليب متنوعة لاستدراج الأطفال إلى المراكز الصيفية، من خلال تقديم وعود بتحسين درجاتهم في امتحانات نهاية العام الدراسي، وإعفاؤهم من الرسوم في العام الدراسي المقبل، وإغراؤهم بالحصول على مكافآت مختلفة مثل الرحلات والهدايا والجوائز.
وبهذا الصدد، يعتقد الصحفي سلمان المقرمي أن عمل المراكز الصيفية الحوثية يشبه عمل الباسيج الإيراني الذي يستهدف النشء باعتباره جهاز مدني داخلي، ويقوم بعملية قمع المعارضين، وبالأصح يمكن اعتبار المراكز الصيفية معسكرات تقوم بعملية تجنيد مسلحين.
ويضيف المقرمي في حديثه لـ"المجهر" أن عدد من أهالي الطلبة تلقوا وعودًا بالحصول على سلال غذائية بمجرد إلحاق أبنائهم بالمراكز الصيفية، وهو ما يكشف استغلال الجماعة للأوضاع المعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويشير الصحفي المقرمي إلى أن الجماعة ربطت توزيع شهادات العام الدراسي في محافظة إب بحضور مراكزها الصيفية الطائفية، في مسعى منها لإجبار الطلاب على حضور تلك المراكز، وهو ما يفسر حملة الترويج الكبيرة التي قامت بها الجماعة في ظل رفض مجتمعي واسع.
إلى ذلك، أفادت مصادر تربوية لـ"المجهر" أن القائمين على المراكز الصيفية الحوثية أبلغوا الأطفال الذين سيلتحقون بها بالحصول على جوائز عدة، ومنها تخصيص أجهزة لوحية (تابلت) للمتفوقين، والمشاركة في رحلات إلى أماكن لم يتم تحديدها، إلى جانب تمكينهم من الالتحاق بالكليات التي يرغبون بها في دراستهم الجامعية مستقبلاً.
تحشيد واسع
مطلع الأسبوع الجاري، أعلنت جماعة الحوثيين تدشين المراكز الصيفية لهذا العام، ورافق ذلك اهتمام كبير من قبل زعيم الجماعة ومجلس الحكم التابع لها (المجلس السياسي الأعلى)، حيث عبّر الأول في خطاب ألقاه بمناسبة تدشين تلك المراكز عن حرص جماعته على الاهتمام بها، ومتابعة تنظيمها وفعالياتها ونتائجها شخصيًا، واصفًا إياها بـ"الهوية الإيمانية".
وزعم الحوثي أن هذه المراكز تأتي في إطار مشروع تحرري يجعل اليمن قائداً للتحرر والاستقلال من الأعداء، موجهًا جماعته بتقديم الدعم للدورات من خلال المؤسسات والقطاعات الخاضعة لها، مع التشديد على توفير كامل متطلباتها.
من جهته، ناقش اجتماع موسع لمجلس الحكم التابع لجماعة الحوثيين بحضور مدير مكتب عبدالملك الحوثي توفير احتياجات الدورات والمراكز الصيفية وفق الخطط المعدة لذلك، لافتًا إلى تلقيه توجيهات صارمة من زعيم الجماعة بهذا الخصوص.
القيادي في جماعة الحوثيين، عبدالله الرازحي والذي يعمل رئيسا للّجنة الفنية للأنشطة والدورات الصيفية في وزارة الشباب التابعة لحكومة الجماعة غير المعترف بها توقع أثناء تدشين المراكز الصيفية للعام 2023- 1444 أن يشهد ارتفاع عدد الطلاب الملتحقين إلى مليون و 500 ألف طالب وطالبة، تستوعبهم ما يقارب تسعة آلاف و100 مدرسة مفتوحة ونموذجية ومغلقة، ويعمل فيها 20 ألف عامل ومدير ومدرس.
وأضاف الرازحي أن دوراتهم الصيفية حققت خلال العام الماضي "نجاحات فاقت التوقعات، بتنفيذ أكثر من مليون نشاط استهدف 733 ألفاً و722 طالباً وطالبة التحقوا في تسعة آلاف و16 مدرسة، عمل فيها 42 ألفاً و772 عاملًا وعاملة".
وأشار إلى أن "إجمالي الأنشطة المنفذة في الدورات الصيفية خلال العام (2022- 1443) بلغت مليوناً و235 ألفاً و228 نشاطاً، استهدفت ثمانية آلاف و838 دورة صيفية مفتوحة منها 185 دورة مغلقة".
تفخيخ العقول
تهدف جماعة الحوثي من خلال تنظيمها للدورات الصيفية إلى تحقيق عدة أهداف، منها تعزيز الهوية المذهبية والطائفية للجماعة، وتوسع فكرها العنصري في عقول النشء لضمان استمرارية هذا الفكر في المستقبل، وكذلك رفد جبهاتها بالمقاتلين.
بحسب المصدر التربوي "تتكون المناهج التي تُدرس في مراكز الصيفية التابعة لحوثيين من 7 كتب تحتوي على 278 صفحة، حيث يكون الكتاب الأول لمؤسس الحوثية للمؤلف بدر الدين أمير الدين الحوثي، والكتاب الثاني لمحمد بدر الدين الحوثي، بينما ما تبقى من كتب اختصارات من ملازم حسين بدر الدين الحوثي".
ويضيف المصدر في حديثه لـ" المجهر " أن هذه المناهج تخضع للتعديل سنويًا، ويتم تقسيم المشاركين بحسب الفئات العمرية إلى ثلاث مستويات (المستوى الأول، المستوى المتوسط، المستوى العالي). تبلغ فترة الدراسة في هذه المراكز حوالي 50 يومًا، ويتم إعداد الجدول حسب المستويات، تزعم الحوثية أن هذه المراكز يدرس فيها القرآن الكريم والقراءة والكتابة والسيرة والفقه والآداب والمعارف، لكنها في الحقيقة مراكز متخصص لتدجين الأطفال وتشويه فطرتهم وتسميم حاضرهم وتفخيخ مستقبلهم بخطاب الكراهية والعنف وتعزيز العبودية للسلالة، بالإضافة إلى دورات عسكرية متخصصة يتم من خلالها تدريبهم على حمل السلاح وكيفية استخدامه وزيارات ميدانية لمقابر قتلى الحوثية.
ويؤكد أن المناهج التي يتم تدريسها للضحايا تحتوي صورة من تاريخ الإمامة وفكرها الذي يصادم الفطرة ويناهض المساواة ويقسم المجتمع إلى طبقات ويقدس الخمينية السياسية ويحث على ضرورة اتباع الفكر والعقيدة التي يتبناها الحوثيون.
ويوضح بأنه يتم تكريس مصطلحات عسكرية في المراكز الصيفية حيث يعلمونهم ماذا يعني المجاهد، والشهيد، المرتضى، القتال، السلاح، الأعداء واعتبار اليمنيين المناهضين للفكر الحوثي أعداء ومنافقين يستحقون الموت)، أما في درس قـراءة الجمل وكتابتها فشعار الخميني أو ما يسمى بالصرخة، ومضامين أخرى هدفها صناعة جيل يتشرب العنف والكراهية.
ويشير المصدر التربوي الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن المنهج يتضمن أيضًا دروسًا في القراءة والكتابة وتدريب على كتابة الكلمات، وتقديم تمرينات في قراءة الجمل وتدريب على الكتابة والتعبير. وتحتوي المصطلحات المستخدمة في الدروس على درس تدرب على قراءة الكلمات وكتابتها: (اذبحك) وفي درس التاء المربوطة والتاء المفتوحة: (مسيرة، مسيرات) وفي درس التعبير: (حسينيون، أميركا الشيطان الأكبر).
والقاموس اللغوي لمعد الكتاب ينضح بكلمات (اللعنة، الموت، ولـي، شهيد، اذبحك، السلاح، الجهاد، مسيرة، مسيرات، الأقوى، أمريكا، إسرائيل، الأعداء، الولاء)معانٍ تحمل الكثير من الدلالات الثقافية والدينية للحوثيين. يتميز القاموس بكلمات تعزز الثقافة الدينية والتشدد، دون أي إشارة إلى السلام أو التعايش أو الوطنية، وفق المصدر ذاته.
تجنيد الأطفال
وفقًا لتعريف منظمة الأمم المتحدة، الطفل هو كل كائن بشري لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، ما لم يبلغ سن الرشد قانونيًا، والطفل المجند هو أي شخص دون سن الثامنة عشرة ويكون عضوًا في قوة مسلحة أو مجموعة مسلحة، ويشارك في مهام قتالية، وهو الهدف غير المعلن الذي تقوم به جماعة الحوثيين عبر مراكزها الصيفية.
وبحسب تقارير حقوقية دولية، فإن جماعة الحوثي المصنفة كمنظمة إرهابية عالمية تواصل استغلال الأطفال وتجنيدهم في الحروب بطرق غير أخلاقية في تحدٍ صارخ لكل القيم الإنسانية والدينية والمواثيق الدولية، الأمر الذي يستدعي تدخل إنساني ودولي عاجل لإنقاذ الأطفال من محارق الموت.
وفي وقت سابق، وثق تقرير لمنظمة ميون تجنيد "2233 طفلاً تم استخدامهم بشكل مباشر في النزاع المسلح لدى جميع الأطراف؛ موضحا أن عدد الأطفال الذين تم التحقق من قيام جماعة الحوثي بتجنيدهم في الجبهات بلغ 2209 طفلا، أي ما نسبته 98.9 في المئة من نسب الأطفال الذين شاركوا مع كافة أطراف الصراع".
وأوضحت المنظمة أن عملية تجنيد الحوثيين للأطفال بمدن سطوتهم قد دخلت مرحلة «جديدة» و«خطيرة»، حيث يعد ذلك انتهاكًا صارخًا لحقوق الأطفال، ويقوض جميع الجهود الدولية على مدى السنوات الماضية الهادفة لوقف تجنيد الأطفال في اليمن.
وكشفت عن إجبار الحوثيين عشرات الأطفال المجندين على تقديم عروض عسكرية حضرها القيادي محمد علي الحوثي وهو ابن عم زعيم الجماعة، وذلك باسم «اختتام دورات عسكرية مفتوحة»، أقامتها الجماعة بإحدى الساحات في مديرية سحار في محافظة صعدة، حيث معقلها الرئيسي.
تحذير حكومي
جددت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تحذيرها من مخاطر المراكز الصيفية التي تستغلها جماعة الحوثي الإرهابية لنشر أفكارها، وغسل عقول الأطفال بشعاراتها الطائفية وثقافة الحقد والكراهية، وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتدمير، ووقود لمعاركها التي لا تنتهي، وقنابل موقوتة تمثل خطراً على النسيج الاجتماعي اليمني، والأمن والسلم الإقليميَّين والدوليَّين.
ووصف وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، هذه المراكز بـ«المعسكرات» التي تأتي بعد حملات الحشد والتعبئة التي تنفذها الجماعة الحوثية منذ شهور «مستغلة مسرحياتها في البحر الأحمر ومزاعم نصرة غزة»، بينما تقتل اليمنيين وتدمر بلادهم وتتحرك بصفتها أداةً إيرانيةً لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد المصالح الدولية. وفق تعبيره.
واتهم الإرياني، في تصريحات رسمية، الجماعة بتجنيد غالبية مقاتليها من الأطفال من هذه المراكز التي تسببت بأغلب جرائم «قتل الأقارب» التي انتشرت في السنوات الماضية في مناطق سيطرة الجماعة، متمنياً من عائلات الطلبة الحفاظ عليهم، وعدم تقديمهم قرابين لزعيم الجماعة، «وأسياده في طهران»، مناشداً المنظمات المعنية والمثقفين والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان التوعية بمخاطر ذلك.
ووجّه الإرياني دعوة إلى المجتمع الدولي، والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن، ومنظمات حقوق الإنسان وحماية الطفولة؛ للقيام بمسؤولياتها القانونية والإنسانية والأخلاقية إزاء ما صفها بـ«الجريمة النكراء»، ووقف هذه المذبحة الجماعية للأطفال، والبدء بإجراءات «تصنيف الميليشيا الحوثية منظمة إرهابية، وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية».
نهب المال العام
في الوقت الذي تنفق فيه جماعة الحوثيين مليارات الريالات لتنظيم تلك المعسكرات الصيفية، من الأموال المنهوبة من الخزينة والإيرادات العامة للدولة، تواصل الجماعة المدعومة من إيران تخصيص تلك المبالغ لدفع مرتبات موظفي الدولة بحجة عدم توفر السيولة، في ظل تردي الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة الجماعة.
يؤكد الصحفي علي الفقيه أن "المليارات التي تخصص للمراكز الصيفية تنعدم كلياً عند الحديث عن توفير متطلبات التعليم النظامي الذي اختطفت وصودرت مؤسساته هو الآخر للتعبئة الطائفية من خلال المحاضرات اليومية وفعاليات الأنشطة المدرسية وإحياء المناسبات الطائفية التي لا تنتهي، والتي لم يكن يسمع بها اليمنيون قبل حلول الجائحة الحوثية بوجهها الطائفي وأفكارها المدمرة".
ويضيف الفقيه " بحسب تصريحات مسؤولين حوثيين فإن المراكز الصيفية التابعة للجماعة استهدفت العام الماضي مليون وخمسمئة ألف طفل يمني ولك أن تتخيل أن يتعرض هذا العدد لعمليات غسيل دماغ مركزة على مدار شهرين".
ويشير إلى أن جماعة الحوثيين وجدت هذا العام يافطة إضافية وهي "نصرة غزة ومواجهة إسرائيل" بعد أن انكشفت كذبتها الأولى في مواجهة العدوان "السعو صهيو أمريكي" وهي اليافطة التي رفعوها حتى تهتكت وصارت مدعاة للضحك والسخرية بعد أن ظهروا يتبادلون الأحضان والعناق مع المسؤولين السعوديين في الرياض وفي صنعاء، حد وصفه.
إبادة ثقافية
يعتقد الصحفي والباحث همدان العليي أن المراكز الصيفية التابعة لجماعة الحوثيين تعد وسيلة من وسائل عملية الإبادة الثقافية، وتعني السعي لتغيير المجتمع بشكل كلي، وما يقوم به الحوثي اليوم في المدارس والمؤسسات التعليمية بشكل عام سواء كانت ابتدائية أو اعدادية أو ثانوية، هي عملية تجريف متكاملة.
ويضيف العليي في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي الإرهابية لا تترك أي فرصة دون استغلالها لتكريس التعبية ونشر الأفكار الطائفية المستوردة من إيران، وهذا ما يحدث في المراكز الصيفية حيث تقوم الجماعة بتغيير هوية المجتمع تدريجيا.
ويشير إلى أن هدف المراكز الصيفية طمس الفكري الجمهورية وتغيير ديموغرافية السكان الذي كان أغلبه يحمل المعتقد السني وتحويله إلى شيعي وهذا يمس حرية المعتقد في البلاد والتي وقُعت فيها اتفاقيات تنص على ضمان حرية الاعتقاد وتجرم عملية تلقين الأطفال في المدارس وغيرها أي معتقد لا يرضى به الآباء.
ويؤكد الباحث العليي "الناس مجبرون على التعاطي مع مثل هذه الممارسات، كون هذه الجماعة ليس لقبحها أي حدود وتستخدم التنكيل والتجويع والترهيب والتحريض وكل الوسائل لتحقيق أهدافها ولهذا يضطر الكثير من الناس لإرسال أطفالهم إلى هذه المراكز".