تسببت حرب الحوثيين منذ انقلابهم على السلطة الشرعية في اليمن 2014, بتفاقم معاناة السكان في عموم البلاد بعد عشر سنوات من الحرب, حيث أدى ذلك إلى تضرر البنية التحتية للكهرباء العامة وتدمير المحطات وخطوط النقل العمومية، في جميع المحافظات المحررة.
ويعد انقطاع الكهرباء المتكرر أكبر المعضلات أمام الحكومة المعترف بها دوليا, خصوصا في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد, والتي تعد إحدى المدن اليمنية الأكثر تعرضا لدرجات الحرارة في فصل الصيف حيث تصل إلى ما يزيد عن 40 درجة مئوية.
ضغوطات نفسية
ناشدت مؤسسة كهرباء عدن، قبل أيام، الحكومة المعترف بها ومجلس القيادة الرئاسي، بسرعة توفير النفط اللازم، محذرة من تفاقم الأزمة إثر نفاذ الوقود في محطة توليد الطاقة التي تغطي مديريات عدن، في الوقت الذي ردت فيها السلطات بأنها تعيش أزمة كبيرة أمام الكهرباء وتسعى لعمل حلول طويلة الأمد.
وشكى سكان المدينة المعلنة عاصمة مؤقتة (جنوب البلاد) من مشكلة انقطاع الكهرباء بشكل مستمر، منذ عيد الفطر الماضي، في ظل وضع معيشي صعب للغاية بفعل درجة الحرارة التي يبلغ ارتفاعها الصغرى 30 درجة مئوية، مما يسبب الإجهاد الحراري والجفاف ومشاكل التنفس والصحة العامة خاصة عند المصابين بالأمراض المزمنة، حيث يجد السكان صعوبة في توفير مصادر كافية للتبريد والتكييف.
وبهذا الصدد, تقول سيدرا بسام ربة منزل، في حديثها لـ" المجهر " أن جسدها تعرض لحبوب حمراء بسبب ارتفاع درجة الحرارة في مدينة عدن والانقطاع المتكرر للكهرباء.
وتضيف أنها تعاني من ضغوطات نفسية متراكمة وصعوبة في النوم ليلًا وخلال ساعات النهار، بسبب انقطاع الكهرباء وتتفاقم هذه الحالة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، الذي يعاني منه الكثير من الناس العاصمة المؤقتة للبلاد.
من جهتها, تقول سلوى (اسم مستعار) الطالبة بكلية الطب في جامعة عدن أن درجات الحرارة المرتفعة تفاقم الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والرئة، والشعور بالتعب والإرهاق الناتج عن الحرارة إلى قلة التركيز في الدراسة.
وتؤكد في حديثها لـ"المجهر" أنه بفعل انقطاع التيار الكهربائي، تصبح الثلاجات غير فعالة، مما يؤدي إلى فساد الطعام بسرعة, مشيرة إلى أنها تقوم بشرب كميات كبيرة السوائل لتجنب الهبوط، وارتداء الملابس الفضفاضة الخفيفة، وفتح النوافذ لعبور الهواء.
غضب شعبي
الأسبوع الماضي, شهدت مدينة عدن، انتفاضة شعبية في مديريات الشيخ عثمان والمنصورة والمعلا، بسبب تردي الأوضاع المعيشية وانقطاع الكهرباء، حيثُ كانت فترة تشغيل الكهرباء لا تزيد عن ساعتين ونصف، مقابل 12 ساعة من الانقطاع، حيث رفع المحتجون شعارات تطالب الحكومة المعترف بتوفير وتحسين الخدمات الأساسيّة أهمها الكهرباء.
كما شهدت العاصمة المؤقتة للبلاد مسيرات حاشدة في عدد من المناطق، حيث قطع المحتجون شوارع رئيسية في مدينة كريتر وخور مكسر وأحرقوا إطارات السيارات التالفة في الشوارع، مطالبين بتحسين الخدمات العامة، وعلى رأسها الكهرباء.
وفي هذا السياق, يعتقد الصحفي معتصم الجلال أن هذا الصيف تجاوز مرحلة التحدي, لافتا إلى أنه "لم تعد لدى المواطن ما يتحدى به الصيف وهجران الكهرباء سوى الاستلقاء على ظلال الشجيرات والنوم في العراء".
ويصف الجلال في حديثه لـ"المجهر" الوضع في عدن أنه كارثي وليس ثمة ما يطمئن الشعب، أن مشروع الكهرباء في عدن أصبح كابوس وهمّ ثقيل يؤرق المواطن كل يوم، يعكس مدى حنكة وبراعة وإخلاص سياسينا الثمانية الذين يعتلون رأس الهرم دون خجل, حد قوله.
وعود مؤجّلة
منذ تشكيل المجلس الرئاسي لم تتمكن الحكومة المعترف بها من معالجة مشكلة الكهرباء في المحافظات المحررة خاصة عدن وتعز على الرغم من الوعود التي أطلقها مسؤولون مرات عديدة عبر وسائل الإعلام.
وفي الخامس عشر من أبريل/نيسان الماضي، وعد رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك بمعالجة المشكلة في المؤسسة، لكن ذلك ظل وعد مؤجل وعالقة على معاناة المواطنين، حسب وصف المراقبين.
ووصل إجمالي التوليد الكهربائي ببعض المحطات في العاصمة المؤقتة، إلى 140 ميجا وتم التوقف تدريجياً للمحطات منذ فجر الأحد الماضي, كما أن المحطة الرئيس تحتاج إلى تخصيص من النفط الخام 200 ميجا للخدمة والتي بدورها ستخفف من حدة انقطاعات التيار في ظل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة.
وفي آخر المستجدات حول ملف كهرباء عدن، رتبت المؤسسة العامة للكهرباء مع قيادات المصافي والجمارك، لدخول ثلاثة آلاف طن من النفط إلى محطات كهرباء عدن.
فساد إداري
يرى الصحفي والحقوقي رضوان فارع أن هناك تعطيل لآلية عمل شركة النفط لصالح تجار وأطراف سياسية، لافتا إلى وجود ضعف في الحكومة التي تخللها الفساد منذ تحرير عدن بسبب الانقسامات السياسية وتقاسم القطاعات الحكومية بين تجار تابعين لأشخاص ذات نفوذ، وبين المكونات السياسة الحاضرة على الأرض الشرعية".
ويضيف فارع في حديثه لـ"المجهر" أن صراع البسط والسيطرة بين الشرعية والمجلس الانتقالي الذي اًعلن عنه في ٢٠١٧م " يتربع الفساد بين التجار والمسؤولين حتى أصبحت سلطة موازية غير كل مؤسسات الدولة، دون أي مانع أو معارض.
ويؤكد أن هناك ضعف لدى السلطات المحلية في اتخاذ قراراتها وعدم فاعلية الحكومة على إصدار قرارات من شأنها عمل حلول جذرية للخدمات.
ويمضي قائلًا أن الجهود التي تقوم بها الحكومة حاليا بحاجة إلى توافق في القرار، والتخلي عن المصالح الخاصة، والعمل على البناء المؤسسي ومحاسبة كل الفاسدين ووضع حد للعبث الحاصل الذي يقدم مصالح الأطراف التي تحكم والتجار التابعين لهؤلاء الأطراف.
ويوضح فارع أن الحكومة اليوم بكل مكوناتها إذا لم تستطع أن تضع حل لهذا الملف فإن الأمر سيذهب إلى فساد، يمنح الفاسدين صك الاستمرار في الاستحواذ على كل شيء حتى القرار الحكومي الذي يحاول أن يتحرر من سطوة الفساد, حد وصفه.
تكاليف باهظة
تعاني الحكومة اليمنية من تحديات جُمة في إدارة القطاع الكهربائي ومكافحة الفساد، وذلك بفعل الإدارة الجيدة للموارد والتأخير في تنفيذ المشاريع الضرورية والإصلاحات الهيكلية، أن الدولة انفقت ترليون ريال (ألف مليار) على الكهرباء العام الماضي منها 775 مليار لوقود المحطات، وفق تصريح رئيس الوزراء.
وفي وقت سابق وجهت شركة النفط اليمنية مذكرة لوزير النفط، الذي تضخه محافظة مأرب لمحطة توليد كهرباء عدن يوميا، حيثُ تضخ 9000 برميل نفط خام، وتقدر الفاتورة التي تدفعها مأرب يوميا حسب تسعيرة سعر النفط (82) دولارا ما يزيد عن مليار و200 مليون ريال- أكثر من 36 مليار ريال شهريا.
وفي تصريح صحفي لرئيس الوزراء قال أن 31% من موارد موازنة الدولة تذهب لصالح الكهرباء، وأكدت وكالة سبأ الرسمية، كلفة توليد الكهرباء في محافظة عدن تبلغ ٥٥ مليون دولار شهرياً في حدها الأدنى، تقدر 55 مليون دولار شهرياً × 1700 سعر الدولار = 93 مليار ريال 93 مليار ريال ÷ 30 يوماً = 3 مليار و100 مليون ريال يومياً.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المشاكل ليست فقط محدودة في عدن، لقد أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء في محافظة المهرة يوم الثلاثاء 14 مايو الحالي، عن تغير برنامج الاطفاء والتشغيل حيث أصبح 3 ساعات تشغيل مقابل 3 ساعات إطفاء، بينما كهرباء تعز معدومة منذ بدأ الحرب.