في تغير لافت للخطاب الإعلامي لجماعة الحوثي الإرهابية، أعلنت قيادة الجماعة المدعومة من إيران استعدادها لفتح طُرق تعز الرئيسية لكن دون الحديث عن آلية معينة لفتحها والخطوات التنفيذية لذلك بما فيها نزع الألغام وإزالة الأنفاق والحواجز المستحدثة من قبل الجماعة.
ويقرأ مراقبون هذه التغيرات على أنها محاولة لامتصاص الضغوط التي يواجهها الحوثيون من قبل الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن لاسيما القرارات الصادرة عن البنك المركزي والمواقف الدولية والإقليمية الداعمة لها.
مزايدات حوثية
أعلنت جماعة الحوثيين استعدادها لفتح طريق الحوبان المؤدية إلى تعز (جولة القصر - الكمب) في حين لا زالت الحواجز الترابية والأنفاق والخنادق الحوثية موجودة على جنبات الطريق حتى اللحظة.
وجاء رد الحكومة الشرعية سريعا، فبعد يوم واحد من إعلان الحوثيين أكدت اللجنة الحكومية للتفاوض بشأن فتح طرق تعز أن جميع المنافذ مفتوحة من جانبها، متأملين أن تكون جماعة الحوثي صادقة في إعلانها.
وقال عضو اللجنة التفاوض الحكومية لفتح طُرق تعز نبيل جامل، إن الحكومة الشرعية ظلت تطالب بفك الحصار عن المدينة منذ اول اتفاق جرى مع الحوثيين في أبريل 2016م المعروف باتفاق ظهران الجنوب مروراً باتفاق ستوكهولم ووصولاً إلى اتفاق عمان والذي قوبل بالرفض الحوثي يومها بعد أن وافق عليه.
وأوضح نبيل جامل في تصريح لـ"المجهر" أن كل الخيارات التي كانت تطرحها الحكومة الشرعية قوبلت بالرفض من قبل الحوثيين يومها، في حين كانت الجماعة تذهب لاقتراح طرق بديلة بعيدة ووعرة، ومنها شق طريق الخمسين.
وأعتبر أن طرح الحوثيين مقترح فتح طريق تعز الحوبان يعد انتصار للحكومة الشرعية لإجبار الحوثيين على فك حصار تعز في سياق العزلة التي تعيشها الجماعة خصوصا بعد إجراءات البنك المركزي الأخيرة.
وأضاف "في حال لم يفِ الحوثي بوعده فنحن لم نخسر شيء وسنضيف تجربة من الكذب والخداع إلى رصيد ومسيرة الحوثيين" مؤكداً على أهمية البد بمرحلة جادة لفك الحصار عن تعز.
ولفت إلى أن أبناء تعز كل ما يهمهم هو تخفيف معاناتهم نتيجة الحصار المفروض من قبل الحوثيين، متأملاً أن يتكلل ذلك بالنجاح وتصدق الجماعة بفتح طريق تعز وتبدأ بإجراءات تنفيذية لفتحها.
استغلال واضح
يحاول الحوثيون استغلال ملف فك الحصار المفروض من قبلهم على تعز لأكثر من ثمان سنوات، حيث جاء إعلان الجماعة بعد أن رفضت الجماعة المبادرات الحكومية المتكررة.
ويمثل الإعلان الحوثي فتح طرق تعز في هذا التوقيت عظاءً مموها يخفي خلفه نوايا غير معلنة تخطط لها الجماعة وتريد من خلاله التهرب من التزامها تجاه فك الحصار ومحاولة رمي الكرة إلى ملعب الحكومة الشرعية بالرغم من أنها لم تبلغ الجانب الحكومي بذلك رسمياً.
ويطرح إعلان الحوثيين المتعلق بمنافذ تعز عدد من التساؤلات عن دوافعهم، حيث ذكر الصحفي والمحلل السياسي أحمد شوقي أحمد، أن توجهات الحوثي لفك الحصار مسالة متعلقة بقرارات الحكومة الشرعية التي اتخذها البنك المركزي بعدن.
وقال أحمد شوقي في حديثه لـ"المجهر" إن جماعة الحوثي تريد أن تصدر نفسها كشريك سلام من خلال تقديم مبادرات فتح الطرقات بهدف الحصول على تسهيلات لصالحها من قبل الشرعية والمجتمع الدولي لاسيما فيما يتعلق بمنع التعامل مع البنوك العاملة في صنعاء والتأثرات الاقتصادية الناجمة عن ذلك.
ويعتقد شوقي، أن الحوثي لديه أهداف أخرى فيما يتعلق بتعز، حيث يريد فتح طُرق ذات أبعاد استراتيجية أمنية لتطويق المدينة مجدداً كما كان في السابق والدخول لمنطقة المطار القديم جنوب مدينة تعز. حد قوله.
ولفت إلى أن الحوثي بدأ في الآونة الأخيرة بمناورة إعلامية من خلال إعلانه فتح طريق (جولة القصر - الكمب) متأثراً بالتحركات الأخيرة للحكومة الشرعية، وأكد على أن "هذا الإعلام كاذب بكل المقاييس".
وبعد أن ظلت تمارس عملية اذلال للمواطنين، تريد جماعة الحوثي اليوم كسب امتيازات سياسية من خلال التضليل الإعلامي الذي يمثل دعوى كيدية لخلق صراع داخلي بين أبناء تعز.
أهداف خفية
لابد أن هناك أهداف أخرى تقف خلف إعلان الحوثي فتح طريق تعز، حيث يرى الصحفي أحمد شوقي، أن الجماعة تحاول من خلال ذلك ابتكار سوق سوداء للتحويلات المالية في مناطق الشرعية بما يعود بالفائدة للحوثي بعد قرار الشرعية حصر التحويلات الخارجية بمراكز البنوك وشركات الصرافة في عدن، إلى جانب احتمالية استخدام هذه الطرق للتهريب من قبل الحوثيين.
وبجانب ذلك، هناك هدف عسكري يخطط له الحوثيين من خلال فتح طريق تعز لمحاولة إعادة الدخول للمدينة، حيث يعتقد شوقي أن ذلك هو الخيار الرئيسي المتاح للجماعة من أجل الضغط على الحكومة الشرعية وهز موقفها لإعادتها للتفاوض والتراجع عن قرارتها الاقتصادية.
وتحاول جماعة الحوثي أن تستخدم طريقة الإنجاز الإعلامي بينما هي في الحقيقة لا تنوي فتح طريق تعز بسبب أن الحوثي لم يقم بنزع الألغام وإنهاء الاستحداثات على الطريق. وفقا لشوقي.
وفي السياق، ذكرت مصادر في منطقة الحوبان أن عشرات السيارات توافدت إلى جولة القصر بعد أن سمعت بإعلان الحوثيين إلا أنها لم تجد الجرافات التي كانت متواجدة أثناء التصوير.
وأوضحت المصادر لـ"المجهر" أن الخط لم يفتح حتى اللحظة من الجانب الحوثي، ومازالت كومات التراب ومتارس الحوثي متواجدة أمام مستشفى ابن سيناء سابقاً ومتارس أخرى مقابل القصر الجمهوري يصل ارتفاعها 3 متر.
ونقل المصدر عن قيادي حوثي في منطقة الحوبان قوله؛ " أنت صدقت إنه عنسمح للدواعش يجوا عندنا خلي هؤلاء يصوروا ويرفعوا للإعلام " مؤكداً على أن فتح طريق الحوبان تعز في ظل هذا الوضع سيلحق الضرر بالمواطنين ويعرض لخطر الألغام.
وفي الأثناء أفادت مصادر محلية بتواجد جرافات تابعة للسلطات الحكومية بالقرب من أول متارس جماعة الحوثيين بحي الكمب، في انتظار وصول الجرافات التابعة للحوثيين والتي من المفترض أن تعمل في الجهة المقابلة.
وفي لقاء شخصيات من تعز بالعاملين من طرف الحوثي، ذكرت المصادر أن الطريق لم يفتح بعد مشيرين إلى أن العمل جارٍ تمهيداً لإزالة السواتر الأخيرة للعبور إلى منطقة الحوبان.
إجراءات عملية
تسعى جماعة الحوثي للهروب من التزاماتها بافتعال الأزمات السياسية والاقتصادية ومحاولة العودة إلى المواجهات العسكرية في أكثر من جبهة، خصوصاً مع تزايد الضغوط عليها مؤخراً لا سيما القرارات الاقتصادية التي اتخذها البنك المركزي في عدن.
وقال مصدر عسكري في محور تعز العسكري، إن جماعة الحوثي تحاول إشغال الرأي بمسرحيات دعائية غير واقعية وغير عملية على الأرض مثل فتح الطرقات مع عدم إيمانها بمثل هذه القضايا الإنسانية.
وأوضح المصدر في تصريح لـ"المجهر" أن " الوقائع على الأرض تقول إن الميليشيات الحوثية تقوم بتعزيزات غير عادية إلى عدد من الجبهات كما أنها تهدد باستهداف منشآت اقتصادية كميناء ومطار المخا".
وأضاف أن الجماعة تقوم باستحداث تحصينات وحواجز خراسانية وتقوم بنشر القناصين بشكل مكثف، ما يعني أنها تخطط لعملية عسكرية، إلى جانب تخطيطها لاختراق الجبهة الداخلية وإحداث فتنة بين المكونات عبر خلاياها والمتخادمين معها.
إلى ذلك, ذكرت مصادر محلية أن فريق نزع الألغام قام بتفكيك عبوة ناسفة أمام بوابة القصر الجمهوري، مؤكداً أن العمل جاري لرفع مخلفات الحرب والعوائق تسهيلاً لمرور المواطنين.
وعبر مشرف فريق مشروع مسام لنزع الألغام بتعز عن تفائله من إعادة فتح طريق تعز مؤكداً في حديثه لـ"المجهر" استمرار الفريق بتمشيط الطريق وإزالة الألغام المزروعة على خطوط التماس.
الموقف الحكومي
في أول موقف للحكومة المعترف بها صادر عن محور تعز، رحب المصدر العسكري بكل عمل يخفف من معاناة المواطنين مضيفاً "نحن لا نمانع ابداً وطرقنا مفتوحة ومواقفنا واضحة لتقديم تنازلات لكن بما يحقق مصالح المواطنين".
وبين المصدر العسكري أن التحركات والمسرحيات الدعائية الحوثية تستدعي الاستعداد من الجانب الحكومي لأسوأ الاحتمالات واليقظة في النقاط والجبهات والحراسة وخاصة في هذه المداخل الرئيسية.
وأشار إلى أهمية اختيار أفراد لهذا الغرض من نخبة قوات الجيش والأمن ممن يمتلكون خبرة قتالية عالية من اجل احباط أي نوايا عدائية تقوم بها الجماعة خلال الفترات القادمة.
من جهتها أكدت شرطة تعز جاهزيتها العالية فيما يتعلق بالترتيبات المتعلقة بفتح منافذ تعز، مبينة أنها أعدت خطة أمنية مشتركة مع محور تعز لتأمين الطريق الذي تم فتحه من طرف الحكومة الشرعية.
وكان وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محسن الداعري قد أكد على أن ملف فتح طريق تعز يتطلب اتفاقا لوقف إطلاق النار لضمان سلامة المدنيين والمسافرين من وإلى مدينة تعز.
وخلال اجتماعه المرئي بقيادة محور تعز شدد الوزير الداعري على ضرورة أن تتم العملية وفقاً لتوجيهات القيادة السياسية وعبر اللجان المعنية بعيداً عن العشوائية والتسرع.