السبت 07/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

أغلال الحوثيين تخنق حناجر الفنانين في عمران (تقرير خاص)

أغلال الحوثيين تخنق حناجر الفنانين في عمران (تقرير خاص)

تحولت دعوة الفنان لإحياء حفلة خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، إلى جريمة يعاقب عليها القانون بالنسبة لجماعة الحوثي الإرهابية، التي منعت بث الأغاني العاطفية والوطنية في الإذاعة والتلفزيون وسمحت فقط ببث الأناشيد المتخصصة في مدح الجماعة وقائدها والدعوة إلى الحرب وسفك الدماء؛ وذلك تكريسًا لنهجها في محاربة الفن أسوة بتنظيم داعش الإرهابي.

وتواصل الجماعة المدعومة من إيران شن حملات اختطاف واسعة في محافظة عمران، مستهدفة العديد من الفنانين والفنانات والعازفين، وأصحاب صالات الأفراح، ضمن مسلسل انتهاك حرية اليمنيين، فمنذ مطلع مايو/آيار الماضي، قامت الجماعة باختطاف وملاحقة مسعورة شملت الفنانين والمنشدين وملاك صالات الأعراس، وجميع العاملين بالمجال الفني في محافظة عمران، شمال العاصمة صنعاء لمخالفة القوانين الحوثية، التي تفرض سماع الزوامل الطائفية في الأعراس.

مصادر قبلية، أكدت قيام شرطة ما تسمى "الأخلاق" التابعة لجماعة الحوثي، وبمشاركة الزينبيات (قوة نسائية عسكرية) بحملة مداهمة شملت صالات الأعراس بمدينة عمران، حيث اختطفت عشرات الفنانين والفنانات والمنشدين ومهندسي الصوت إضافة إلى مُلاك عدد من قاعات المناسبات بتهمة "الغناء" في الأعراس، في خطوة اعتبرها ناشطون محاولة لطمس الهوية الثقافية لليمنيين.

وتأتي حملات اختطاف عشرات الفنانين والعازفين وملاك قاعات الأفراح، بتوجيه مباشر من قيادات حوثية أبرزهم المدعو عبدالعزيز أبو خرفشة، المعين من قبل الجماعة مدير أمن لمحافظة عمران، بحجة أن الغناء جريمة يجب أن تتوقف في عمران على غرار النظام الاجتماعي الذي فرضه الحوثيون في مدينة صعدة المعقل الرئيس للجماعة المدعومة من إيران.

 

حملات متواصلة

 

أفادت مصادر مطلعة لـ"المجهر"، بأن الحملة الحوثية طالت حتى منتصف الأسبوع الجاري 54 فناناً وفنانة ومنشداً وغيرهم من مهندسي الصوت في مدينتي عمران وثلا، إذ لا يزال غالبية المختطفين في سجون الحوثيين السرية، وسط رفض الجماعة إطلاق سراحهم، مشترطة عليهم توقيع امضاءات تُلزمهم بالتوقف عن الغناء، مع إحضارهم ضمانات تجارية.

وفي يونيو/ حزيران المنصرم، داهمت قوة نسائية تابعة لجماعة الحوثي (كتائب الزينبيات) قاعة آزال في مدينة عمران، أثناء إقامة عرس نسائي، حيث اعتدت القوة العسكرية النسائية الحوثية، على الفنانات "حنان" و "فوزية الخدري" وأمهما ليتم اقتياد الفنانات الثلاث إلى جهة مجهولة وتسببت في حالة من الرعب بين النساء والأطفال الحاضرين في القاعة.

من جهتها, تؤكد مصادر محلية، أن "ثلاث فنانات خرجن مع والدتهن من صنعاء للغناء في عمران وعند خروجهن من القاعة اعترضهن طقم حوثي عند البوابة" وأن أفراد الطقم أوقفوهن في المكان ولم يسمحوا لهن بالمغادرة صوب وجهتهن حتى حررن تعهداً بعدم الغناء مجددا في عمران.

وخلال عيد الأضحى اختطفت جماعة الحوثي الإرهابية، كل من  عزالدين راشد (مالك قاعة الحايطي للأعراس)، يحيى البصلي (مالك قاعة المدينة للأفراح والمناسبات)، يحيى المدري (مالك قاعة العمادي للأعراس)، بالإضافة إلى الفنانين محمد النيساني، بلال العامري، والمنشد نجيب الشامي.

وأول أمس الاثنين, أقدمت جماعة الحوثي على اختطاف ثمانية فنانين ومنشدين ومصورين أحدهم فني صوت في عمران, هم: صدام العشاري, محمد الريدي, نصار الخير, بندر سريع, أسامة المنتصر, أحمد طاهر, هيثم الفصلي, بسام اليشيعي.

ويأتي ذلك في سياق الحملة المسعورة لجماعة الحوثي بتوجيهات القيادي في الجماعة أبو خرشفة مدير أمن عمران بالتنكيل بالفنانين والفنانات ومالكي قاعات الأعراس لمنعهم من الغناء في القاعات ولا يزال بعض مالكي قاعات الاعراس في السجن الاحتياطي منذ عيد الفطر بسبب رفضهم التعهد بعدم السماح لأي فنان بالغناء في قاعاتهم.

 

طمس الهوية

 

الممارسات الحوثية الإرهابية، بحق الفن والفنانين قوبلت باستنكار شعبي ومجتمعي واسع، حيث وصف ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تصرفات الجماعة الحوثية بالتزمت والتشدد ومصادرة الحقوق والحريات الشخصية وأنها امتداد لمنع الأئمة أثناء حكمهم للأغاني في شمال اليمن.

وفي هذا السياق، يقول الكاتب مختار المريري: "الانتهاكات التي تقوم بها جماعة الحوثي بحق الفنانين في عمران هي امتداد لمنع الأئمة للأغاني، حيث حاولوا بكل وسيلة طمس الهوية واستبدالها بهويات قاتلة وطاردة، حيث تأتي ممارسة الحوثيين لطمس كل معالم الهوية الفنية من أجل استبدالها بهوية جديدة تتوافق مع أفكارهم الطائفية".

ويضيف المريري في تصريح خاص لـ "المجهر": بأن جماعة الحوثي استغلت وضع اليمن واليمنيين الغارق في التشظي والانهيار الاقتصادي وغياب المشروع الوطني الجامع من أجل إعادة صياغة وعي الإنسان اليمني بالهويات الضيقة المبنية على أسس مذهبية عنصرية قاتلة.

ويشير إلى أن جماعة الحوثي تستهدف الهوية اليمنية لأنها ركيزة أساسية في الحفاظ على الهوية الحضارية للشعوب، وتريد من خلال هذه الممارسات غربلة وطمس الهوية والتاريخ اليمني، حيث قامت بتفجير مساجد وقلاع تاريخية تعود للدويلات التي تعاقبت على حكم اليمن من أجل إعادة صياغة الهوية اليمنية بما يتوافق مع أفكارهم المستوردة، التي لا تنتمي لحضارتنا وثقافتنا وإغلاق الماضي العريق لليمنيين ليسهل عليهم خلق دولة جديدة دون أي مقاومة فكرية وحضارية من الشعوب وسلب الشعوب ارادتهم ونهب ثرواتهم.

 

اختطاف الفرحة

 

ناشطون يمنيون وصفوا الانتهاكات التي تقوم بها جماعة الحوثي ضد الفنانين ومالكي قاعات الأعراس في محافظة عمران، أنها تغتال آخر مصدر لفرحة اليمنيين في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

وأضافوا أن جماعة الحوثيين لم تترك لليمنيين أي مساحة لصناعة أي فرحة وأبت إلا أن تغتال آخر مصدر لفرحة اليمنيين وذلك عقب تحريمها الغناء في الأعراس والمناسبات وتحريم العزف بالأدوات الموسيقية كافة واستهداف الفن ورموزه على غرار التنظيمات الإرهابية التي تحصي أنفاس الناس.

فيما يعتقد كثيرون أن أعظم ألحان التراث الصنعاني كادت أن تندثر بعد أن حظر الإمام يحيى الغناء وعاقب ممارسيه وأن صنعاء أصبحت وراء الظلمة، والآن مدينة عمران تمر بنفس مرحلة غزو الاجتثاث الفني وكل المناطق الخاضعة للحوثي مهددة بالظلمة.

ومع ذلك، ترجح المصادر أن تكون السلطات الحوثية بصدد العودة بقوة إلى تنفيذ قرار سابق كان قد صدر في يونيو 2021 يقضي بمنع الفنانين والفنانات من حضور المناسبات والأعراس التي تقام في صنعاء ومناطق سيطرتها، في إشارة إلى مستويات التطرف الديني والمذهبي والانغلاق الثقافي والاجتماعي الذي يمارسه الحوثيون في تماه مع سلوكيات طالبان والقاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية.

وطالت قرارات التشدد الحوثية مختلف أشكال الإبداع الفني، وسمحت فقط بالأعمال التي يمكن أن تندرج في حملات التعبئة أو في الترويج للفكر الكهنوتي الذي تتبناه الجماعة، وفي عام 2018 أصدرت جماعة الحوثي تعميمًا للمدارس الحكومية والأهلية في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها بمنع الغناء والفرق الموسيقية والاستعراضية أثناء الاحتفالات المدرسية، مشددة على ضرورة أخذ إذن مسبق بإقامة الاحتفالات من قبلها.