لم يكتفِ الحوثيون المتواجدون في المنفذ الشرقي لتعز بالتضيق على المسافرين، والتفتيش المستفز للسيارات والمركبات التي تُغادر المدينة المحاصرة من قبل الجماعة المصنفة على قوائم الإرهاب باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرتها, بل منعت الجماعة عبور السيارات والمركبات المجمركة في المناطق المحررة، وعرقلت حركة تنقل المواطنين والمرضى، الذين استبشروا بفتح هذا المنفذ قبل أيام باعتباره سيسهل عليهم مشقة السفر.
المواطن أسامة الشرعبي، لم يستطع الخروج بسيارته رباعية الدفع، التي تحمل رقمًا "مؤقت عدن"، عبر طريق جولة القصر- الحوبان, خشية أن يتم احتجاز السيارة من قبل سلطات الحوثيين وإجباره على تحمل تكاليف جمارك جديدة.
يقول الشرعبي لـ "المجهر": "فتح طريق جولة القصر فرحة لا توصف بالنسبة لنا، لكن مؤخرًا بدأت جماعة الحوثي تُمارس أساليب استفزازية من خلال منع خروج سيارات المواطنين المجمركة في مناطق الحكومة الشرعية.. قبل يومين قررت أزور الأهل والأقارب في القرية، إلا أن الحوثيين رفضوا السماح لي بالعبور".
ويضيف: "عناصر الحوثي وضعونا بين خيارين، إما العودة بالسيارة إلى داخل المدينة، أو الخروج مقابل دفع مبالغ مالية رسوم جمارك جديدة وترسيم رقمًا جديدًا على سيارتي.. هذه الجماعة تتعمد عدم الاعتراف بالمؤسسات الحكومية الواقعة ضمن المناطق المحررة، في محاولة لابتزاز الناس وجني الأموال بطرق وأساليب مختلفة".
ويستطرد قائلًا بأسف: "بعضهم عرضوا بأن أدفع لهم مبلغًا ماليًا يقدر بـ 100 ريال سعودي، مقابل المرور بدون جمرك أو ترقيم.. يأخذوها لجيوبهم مثلها مثل الجبايات والإتاوات التي يفرضونها على التجار". ويتابع: "محزن أن يحول الحوثي بينك وبين زيارة أهلك وأسرتك.. حاليًا لا يوجد أمامي أي حل سوى أن الأهل هم من يأتون إلينا".
هكذا إذًا، تحتجز جماعة الحوثي سيارات المواطنين بالقرب من جولة القصر، وتُجبرهم على دفع جمارك مرة أخرى بمبرر الترقيم، حيث أكد الوافدون إلى المدينة بأن جماعة الإرهاب الحوثي تفرض منذ أيام جمارك مضاعفة وإتاوات تخليص إجراءات الترقيم وغيرها من معاملات الفحص والترسيم، فيما البعض قالوا إن عناصر الحوثي تطلب مبالغ مالية من مالكي السيارات التي تحمل أرقام جمركية حكومية دون وجود مسوغ قانوني، وهذا ما يضاعف حجم المعاناة.
منفذ جبايات
قد يتساءل الكثير من أبناء المدينة المحاصرة حوثيًا عن الأسباب التي دفعت الإرهاب الحوثي لمنع السيارات التي تحمل أرقاماً صادرة من المحافظات المحررة، العبور إلى مناطق الحوثيين، وإجبار أصحابِها على إعادة جمركتِها بالقوة، في مؤشرٍ يُظهرُ نوايا الحوثي من وراء فتح منفذ جولة القصر، ويكشف مخطط الجبايات الذي تنفذُه الجماعة في طريقٍ يُفترضُ أنّه اُفتتح للتخفيف من معاناة المدنيين وليس مضاعفتها.
"المجهر" أجرى استطلاعًا للبحث عن اجابات على تساؤلات المجتمع التعزي، ليجد العديد من أبناء المدينة تحدثوا حول تعنت الجماعة الإرهابية، ووضع اشتراطات حوثية مجحفة بحق العابرين، وكيف تسعى لوضع آلية تتحكم في مسألة الدخول والخروج، رغم عدم وجود اتفاقية واضحة أو آلية بين الطرف الحكومي والحوثيين، ومع ذلك تتمسك الجماعة بتصرفاتها الاستفزازية وعقاب أبناء المدينة المحاصرة منذ تسع سنوات.
تتحدث ياسمين محمد، لـ "المجهر": "الحوثيون في جولة القصر منعوا خروجنا بالسيارة الحاملة رقم مؤقت تعز.. بعد تفتيش السيارة والسؤال عن سبب خروجنا، وإلى أين سنصل، وأيش يشتغل.. أخبرناهم أننا سنذهب إلى حديقة «دريم لاند» في الحوبان، وسنعود المدينة مع حلول المساء، سمحوا لنا في البداية، لكن أثناء العودة احتجزونا ورفضوا السماح لنا بالعودة إلى بيوتنا".
وتوضح بقولها: "ميليشيا الحوثي احتجزت السيارة، لأنها تعرف أن منزلنا في المدينة، ومن الضروري عودتنا لذلك استغلوا الفرصة ورفضوا دخولنا إلى تعز". وتابعت: "طلبوا من زوجي أن يدفع مبلغ مالي كي يسمحوا لنا بالعبور.. هكذا أصبح التنقل عبر جولة القصر، وإذا رفضت الدفع تحتجز الجماعة السيارة وتطالب بجمرك جديد ودفع مبالغ وغرامات".
فيما المواطن توحيد بجاش، يؤكد في حديثه لـ "المجهر" بأن عرقلة حركة السير في منفذ جولة القصر، بدأت مع ظهور الازدحام الكبير لعملية مرور المواطنين، الذين يعبرون من هذا الطريق، ما جعل الجماعة الحوثية تطالب بجمارك جديدة لكل السيارات الحاملة أرقام مؤقت تعز أو عدن وغيرها من المحافظات المحررة.
ويسخر بجاش قائلًا: "يطالبون برسوم وجمارك جديدة وكأنهم دولة منفصلة أو مستقلة عن اليمن، وهذا يعيق تحرك المواطنين ويزيد من معاناتهم خاصة مع فرض الجماعة الدفع مقابل المرور.. تعتبر هذه الأموال ضمن مخطط الإتاوات والجبايات التي تأخذها الجماعة الحوثية بدون وجه حق".
مخاوف كثيرة
توقع مراقبون أن التصرفات الحوثية في المنفذ الشرقي لتعز، توحي بمخطط حوثي لإعادة إغلاق الطريق الإنساني، وفرض الحصار على أبناء المدينة، مشيرين إلى أن هذه الممارسات تثير الكثير من المخاوف وسط المواطنين، وقد تدفع الجماعة المدعومة من إيران في قادم الأيام لمصادرة السيارات والمركبات، وإجبار مالكيها على دفع جمارك جديدة بالقوة، كما فعلت في السابق حين صادرت المركبات واعتقلت مالكي محلات بيع السيارات (المستوردين) في محافظتي إب وصنعاء، وأجبرتهم على دفع رسوم جمارك وترقيم من المؤسسات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وفي هذا السياق، يقول الناشط الإعلامي ياسر الرازحي: "جميعنا استبشرنا خيرًا عندما فتحت طريق جولة القصر، لكن كما عهدنا جماعة الحوثي تنقض أي اتفاقية وتنقض أي عهد وتنقض أي ميثاق، أو أقل بقليل تُعرقل فتح الطرقات.. فتح منفذ جولة القصر الكمب كان فرحة عارمة لأبناء تعز واستبشر كل المواطنين خيرًا بأن تفتح باقي طرق تعز التي ما زالت مغلقة من قبل الحوثي".
ويوضح في حديثه لـ "المجهر": "مضى أكثر من شهر على فتح الطريق، ولكن الآن وكما يرى الجميع بأن هناك تعنت من قبل الجماعة الحوثية في إصدار جمارك جديدة للسيارات الخارجة من المدينة إلى الحوبان رغم أنها تدخل من أجل زيارة الأهل، وتعد متنفس للأقارب والأصدقاء، إلا أننا ما نلحظه اليوم هو عرقلة لمسألة فتح المنافذ والطرق المغلقة منذ عشر سنوات".
ويشير الرازحي إلى أن جماعة الحوثي تتعمد أن تغلق طريق جولة القصر، التي تعتبر المنفذ الوحيد القريب والسهل بالنسبة للمواطنين سواء المرضى أو الأصحاء الذين يدخلون ويخرجون من وإلى تعز من أجل زيارة الأهل، ومن أجل أن تتنفس المدينة الصعداء جراء الحصار الجائر التي تعانيه تعز، لذلك التعنت الحوثي ليس حديث اللحظة بل هو عهدها الدائم فيما يخص ملف الطرقات بالتحديد.
إلى ذلك، يرى كثيرون أن الاجراءات الحوثية والممارسات التعسفية بحق المسافرين من وإلى مدينة تعز، تزيد من أعباء السفر والتنقل وتعرقل حركة المواطنين الذين يعتمدون على هذه الطرق بدرجة رئيسية للوصول إلى مقاصدهم؛ كما لو أن جماعة الحوثي تريد تكرار سيناريو معبر الدحي، لكن هذه المرة بصورة مغايرة، يطغى فيها طابعُ الجبايات وابتزازُ المسافرين وقاصدي الطريق.
بدورها، لم تعلق اللجنة الحكومية الخاصة بفتح الطرقات بتعز، حول الأمر خصوصًا أن فتح طريق جولة القصر، تمت دون تحديد آلية أو شروط معينة بين الطرف الحكومي المفاوض على مسألة منافذ تعز، وطرف جماعة الحوثي الإرهابية، وبالتالي هي لم تقدم أي اعتراض حتى اللحظة، ولم يوجد تحرك معلن عنه من قبل سلطات تعز، فالحوثي يريد بهذه الممارسات التعسفية أن يجعل أبناء تعز بين خيارين إما أن يبقى المنفذ الشرقي مفتوحًا بشروط الميليشيا وإجراءاتها الانتقائية، أو تُعيد الجماعة إغلاقه من جديد في قادم الأيام.