في ظل الحصار الخانق التي تفرضه جماعة الحوثي الإرهابية على محافظة تعز منذ عشرة أعوام على التوالي، تفاقم معاناة السكان في المدينة نتيجة زيادة نسبة أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية.
وتبقى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعيدة المنال أمام المواطن، بسبب التدهور المعيشي، ناهيك عن معاناتهم خصوصًا في ظل استمرار الحصار، وتزداد حالتهم إلى الأسوأ نتيجة تضاعف أسعار السلع.
الأمر الذي وصل سعر الكيلوجرام الواحد من محصول الطماطم في أسواق المدينة، إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال بالعملة الجديدة، ما يعادل «دولارين» في مستوى قياسي غير مسبوق منذ سنوات.
في حي النقطة الرابع بمدينة تعز، تعيش أم أمجد مع أسرتها المكونة من ستة أفراد. كانت حياتهم تسير بشكل طبيعي، ولكن في الآونة الأخيرة، بدأت أسعار المواد الغذائية تشهد ارتفاعًا جنونيًا، مما جعلها تشعر بالقلق والتوتر.
في حديثها لـ "المجهر" تقول أم أمجد قررت الذهاب إلى السوق المركزي في وسط المدينة لشراء بعض الخضروات والمواد الغذائية الضرورية، بدأت بالتجول بين أكشاك الخضار، تبحث عن الأفضل لعائلتها، وعندما اقتربت من أحد البائعين، بدأت تتحدث معه عن الأسعار، دون أن تتوقع ما ستسمعه. طلبت منه كيلو من البطاطس، و كيلو من البطاط، و كيلو من البصل والثوم، وعندما جاءها حسابها، شعرت وكأن الأرض تزلزل تحت قدميها.
"11 ألف ريال!" قال البائع بابتسامة. كان صوت الرقم كالصاعقة على مسامعها، كيف يمكن أن تصل الأسعار إلى هذا الحد؟ تذكرت أطفالها الذين ينتظرون عودتها، وقلقها بشأن كيفية توفير الطعام لهم.
عادت إلى المنزل برفقة أكياس مثقلة بالأعباء، ليس فقط من الخضروات، بل من هاجس الأسعار المرتفعة التي لا تتوقف، جلست مع عائلتها، وبدأت تُفكر في كيفية تدبير أمورها في ظل هذه الظروف الصعبة.
ارتفاع غير مسبوق
شهدت مدينة تعز في الآونة الأخيرة من سبتمبر/ أيلول الفائت ارتفاع غير مسبوق في المواد الاستهلاكية والغذائية، لا سيما في الخضروات والفواكه.
في هذا السياق يقول سليم نجيب صاحب بسطة خضروات في منطقة بيرباشا لـ "المجهر" أن أسعار الطماطم لأول مرة يرتفع أسعارها إلى 3500 ريال، ناهيك عن بقية أسعار الخضراوات الأخرى كالبطاط والبصل.
وأرجع نجيب أن سبب ارتفاع سعر الكيلوجرام الواحد للطماطم إلى 3500 ريال، نتيجة الحصار وانهيار الصرف، وعدم تصدير الطماطم من مزارع الضباب هذا الموسم، ونتيجة لذلك يقومون باستيراد الطماطم من مدينة الحوبان بأسعار باهظة، حيث تبلغ شراء السلة الواحدة 100 ريال سعودي، ما يعادل 50 ألف ريال بالعملة الجديدة.
من جانبه يقول فيصل شكري تاجر خضروات لـ "المجهر" يتحمل تجار الخضروات بالمدينة عبء ضريبة مزدوجة؛ حيث يتم دفع ضرائب في مناطق سيطرة الحوثيين ويتم دفع ضرائب أيضا في مناطق الحكومة الشرعية، وهذا يشكل كاهل على التجار والمصدرين، فيما يساهم في زيادة الأسعار بشكل كبير، بالإضافة لذلك، تزايد الجبايات المفروضة في النقاط الأمنية وهذا الأمر يزيد الوضع تعقيدًا.
في ذات السياق أرجع قاسم نجيب يعمل في استيراد الطماطم والبطاط إلى مدينة تعز في حديثه لـ "المجهر" أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع الطماطم يعود إلى الأمطار الغزيرة التي شهدتها مختلف مناطق الزراعية في اليمن خلال الفترة القريبة الماضية، ما أثر سلبا على كمية إنتاج المزارع من محصول الطماطم وغيرها.
غليان شعبي
في ظل تأزم الوضع المعيشي وانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، تؤكد الشكاوى المتزايدة من قبل التجار والمواطنين على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وخاصة الخضروات والفواكه في المدينة، فيما شهدت ارتفاعاً غير مسبوق، حيث تأتي معظم هذه السلع من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهذا ما يشكل عبء ثقيلا على المواطنين.
وخلال الأيام الماضية نشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن أسعار الطماطم والارتفاع الجنوني التي شهدته المدينة، مشيرين إلى أن سعر الكيلو الواحد تعدى حاجز 3000 آلاف ريال بالعملة الجديد، وأن الطماطم في تعز أصبح لمن استطاع إليه سبيلا، معبرين عن استيائهم من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية، وأن المواطن إذا حصل على حبة طماطم في اليوم الواحد فهو من السعداء.
في السياق ذاته يقول المواطن عبدالله صدام لـ "المجهر" من يدفع الثمن من ارتفاع الأسعار بالمحافظة هو المواطن، المواطن الذي أنهكه حصار الحوثي الذي أغلق عنه الطرقات وقطع عليه خطوط الإمداد، ناهيك عن الانهيار المستمر للعملة، وتدهور الوضع الاقتصادي إلى الصفر.
"لم ترحم نحنُ الحرب طوقت علينا من جميع الاتجاهات، حصار، ثم انقسام نقدي، ثم تدهور اقتصادي، ثم ارتفاع في الأسعار، أصبح كاهل على عاتقنا، أصبحنا اليوم لم نستطيع من شراء كيلو طماطم، وأصبحت الاسعار ولا بالخيال"، بهذه الكلمات اختتم عبدالله حديثه لـ "المجهر".
من جانبه يقول عبدالسلام عقيل لقد استغنينا عن الطماطم في هذه الأيام ليس لوجود بديل عنها بل لا نستطيع شراءها، فهناك الكثير من المتطلبات الأقل سعرًا ستحل محل الطعام، وبالنسبة للطماطم، نكتفي (بالفلفل الأخضر أو اليابس) كبديل للطماط، حتى يرخص ونستطيع شراءه، أما في هذه الأيام لم يكن لدينا القدرة على شرائه.
ويضيف أن هناك "نقص حاد في السلع الأساسية ورفع الأسعار إلى مستويات لا تحتمل، أصبح سعر الكيلو الطماطم لدى المواطنين رقم باهظ بالنسبة لأسرهم."
وفي رسالة جماعية وجه المواطنين في محافظة تعز لـ"المجهر" تضمنت رفع الحصار عن المدينة والسماح بمرور السلع الأساسية من المحافظات الأخرى، إضافة إلى ضرورة توحيد العملة المحلية لتخفف من الأعباء الملقاة عليهم، ووضع حلول ممكنة من تدهور العملة ومعالجة الأوضاع الاقتصادية، كما نتمنى تفعيل دور مكتب الزراعة بالمحافظة ودعم المزارعين وتشجيعهم لزراعة الخضروات والفواكه.
مسببات الارتفاع الجنوني
تشهد مدينة تعز موجة جديدة من ارتفاع جنوني في أسعار الخضروات والفواكه، ويعود ذلك لأسباب عديدة كان لها أثر بالغ في تفاقم معاناة السكان.
في هذا السياق يوضح مسؤول سوق الخضر المركزي في بيرباشا أديب ناصر في حديثه لـ "المجهر" أن أسباب ارتفاع أسعار الخضروات نتيجة الانقسام النقدي وانهيار العملة في مناطق الحكومة الشرعية.
ويضيف أن التجار يعانون من رفع أجور نقل البضائع من مناطق سيطرة الحوثيين نتيجة ارتفاع المشتقات النفطية والجبايات المفروضة من قبل النقاط الامنية والعسكرية، بالإضافة إلى أجور العاملين الذين يقومون بتحميل البضائع.
ويشير إلى أن سعر السلة الواحدة للطماطم يتفاوت ما بين 50 إلى 60 ألف ريال بالعملة الجديد، وسعر السلة البصل إلى 50 ألف ريال، وسعر السلة البطاط إلى 40 ألف ريال، بينما بلغ سعر الكيلو الفلفل "البسباس" إلى 3000 آلاف ريال، وسعر الكيلو الثوم إلى 4500 ريال.
منوهًا إلى أن المزارعين هذا الموسم تعرضوا لخسائر نتيجة الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي طمرت مزارعهم، ما جعلهم عاجزين عن تعويض ما خسروه في إنتاج المحصول، الأمر الذي جعلهم يبيعون ما تبقى من المحصول بأسعار باهظة.
انهيار اقتصادي
في هذا السياق يقول الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي وفيق صالح لـ "المجهر" أن واقع الوضع الاقتصادي والمعيشي في مستويات خطيرة ، مع استمرار تدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع منسوب التضخم في المستوى العام للأسعار، و تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، نتيجة تصاعد المخاطر التي تهدد سبل العيش وفرص العمل، والأنشطة التجارية، علاوة على توقف الرواتب على نحو مليون موظف حكومي في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويضيف صالح في ظل هذه المعطيات، والمؤشرات القاتمة، نلحظ أن العملة المحلية تفقد مزيدا من قيمتها باستمرار، وأسعار السلع والغذاء تتضاعف بشكل يفوق القدرة الشرائية للسكان، وهو ما يضع البلاد على عتبة تحديات كبيرة وأزمات حادة تكاد تعصف بالأمن الغذائي، وتهدد بتعقد الأوضاع المعيشية بشكل عام.
من جانبه أرجع عبدالرحمن القُليعة مدير مكتب الصناعة والتجارة بتعز في حديثه لـ "المجهر" أن ارتفاع الأسعار نتيجة الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيا الحوثي على محافظة تعز وإغلاق الطرق الرئيسية، بينما أصبحت نقل البضائع عبر طرق بديلة ووعرة ومسافات كبيرة يسلكها السائقين.
وأضاف القُليعة أن ارتفاع الاسعار أصبح على مستوى محافظات الجمهورية نتيجة انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بالإضافة إلى الجبايات التي يتم فرضها في مناطق سيطرة المليشيات وسيطرة الحكومة الشرعية في عدة نقاط أمنية وعسكرية، إلى جانب التصعيدات العسكرية المستمرة في البحر الأحمر وهذا الأمر يشكل خطرا كبيرا على التجارة العامة والوضع الاقتصادي في البلاد.
وأشار إلى أن منسوب المنتجات الزراعية واجهة اضرار جسيمة نتيجة الفيضانات والسيول التي شهدتها معظم المحافظات اليمنية، ما أدى إلى جرف الكثير من المحاصيل الزراعية في بعض المناطق، وقلة استيراد محصول الخضروات والفواكه إلى المدينة.