تزعم جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، أن تهديدها لخط الملاحة الدولي في البحر الأحمر واستهداف الأراضي المحتلة هو نوع من التضامن مع الفلسطينيين الذي يتعرضون للقصف الإسرائيلي في غزة، فيما يعتبرها محللون عسكريون بمثابة رد مبطن لتدهور العلاقة بين أمريكا الحليف الرئيسي للكيان وإيران الداعمة للجماعة.
وتعتقد إيران أن الشراكات التي ظلت تؤسسها طول السنوات الماضية تحت مسمى "محور المقاومة" في العراق ولبنان واليمن وفلسطين وغيرها، سوف تجنبها المواجهة المباشرة مع أمريكا والدول الغربية ويمكنها أن تدير عبرهم حربا بالوكالة نيابة عنها.
واتساقاً مع ذلك ظهر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطاب له، الخميس الماضي، ليكشف عن طموحات الحوثيين لزعامة "محور المقاومة" بدلا عن حزب الله وإدارة المعركة التي تقودها إيران في المنطقة.
لاعب بديل
في محاولة لتعزيز حضوره ضمن ما يسمى "محور المقاومة" التابع لإيران في المنطقة، تظاهر زعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي، بدور مشرف المحور، عقب مقتل زعيم حزب الله اللبناني "حسن نصر الله" أحد أبرز قادة المحور وأكثرهم ولاء لإيران.
وحرص خلال خطابه على إبراز نفسه كامتداد طبيعي لنفوذ طهران في المنطقة، ووريث للدور القيادي من خلال تقليد خطابات "نصر الله" التي تناقش قضايا مختلف دول المنطقة، كما حاول طمأنة "حزب الله" وبقية المحور بخصوص الموقف الإيراني.
وقالت وكالة أسوشيتد برس في تقرير لها، إن الحوثيين يحاولون إظهار أنفسهم كلاعب بديل بعد مقتل زعيم حزب الله اللبناني "حسن نصرالله" على يد الجيش الإسرائيلي، والذي اعتبرته إيران خسارة فادحة ما جعل "خامنئي" يخطب، الجمعة الماضية، بالعربية في حالة نادرة لسد فراغ نصر الله في التواصل مع أذرع إيران.
وأوضح تقرير الوكالة أن ضربات الحوثيين الأخيرة على إسرائيل مدروسة لبعث رسالة أنه جزء من الصراع المعقد في المنطقة، مضيفاً أن الجماعة تسعى أيضا إلى استغلال الضربات على إسرائيل في أي مفاوضات محتملة مع السعودية بشأن حل الأزمة اليمنية.
ويعتقد الباحث في علم الاجتماعي السياسي الدكتور عبدالكريم غانم، أن توجيه زعيم جماعة الحوثي رسائل متعددة لحلفاء إيران يشير إلى رغبته في أن تعلب جماعته دورا عابرا للحدود.
وأوضح أن الجماعة حريصة اليوم على استغلال الفرص لشغل الفراغ الذي سيتركه غياب حسن نصر الله، وتراجع النفوذ العسكري لحزب الله اللبناني، مضيفاً أن "الحوثي يرى أن الرصيد الذي حققه خلال العام الماضي، يؤهل جماعته لتبوء المكانة التي كان يحتلها حزب الله في محور إيران.
وبالمقابل، يرى الكاتب الصحفي اليمني سلمان المقرمي، أن هناك طموح لدى جماعة الحوثي في زعامة "محور المقاومة" بدلا عن حزب الله وإدارة المعركة التي تقودها إيران في المنطقة التي تحمل أبعادا استراتيجية بالنسبة لطهران.
وذكر المقرمي في حديثه لـ "المجهر" أن خطاب زعيم الحوثيين، الخميس الماضي، ينطلق من أسباب محلية توسعية، معتبر أن كلامه فيما يخص حزب الله في لبنان والفصائل الشيعية في العراق عبارة عن "حديث فارغ ولا معنى له".
نفوذ إيران
من الواضح أن الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل كان محاولة لتعزيز تحالفاتها الإقليمية، لأن طهران كانت تشعر بالقلق من كون عدم الرد على الهجمات الإسرائيلية قد يؤدي إلى تقويض شبكة حلفائها في المنطقة ويحرجها أمامهم، وسط مخاوفها من تصعيد متزايد للصراع مع إسرائيل.
وقالت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن الحوثيين لم ينجحوا نسبيا في توجيه ضربات كبيرة بالصواريخ داخل إسرائيل، على الرغم من الجهود المتكررة.
ويرجح أنور العنسي مسؤول الملف اليمني في بي بي سي، أن تتكفل إسرائيل في المدى المنظور على الأقل، بالرد المباشر والفوريّ على أي هجوم للحوثيين عليها، مع احتمال أن يظل باب الحساب معهم مفتوحا لخطط ومراحل قادمة.
إذ لا يوجد ما يمنع إسرائيل من ارتكاب فضائع بقصف متهور في صنعاء كما فعلت في الضربة الأخيرة على الحديدة، ويعتقد خبراء في شؤون حلفاء إيران، أن الحوثيين سيكونون أكثر سعادة بقصف إسرائيلي في صنعاء، إذ يزيد من التحشيد في صفوفهم، ويزيد ترسيخ وجودهم في محور المقاومة، ويستخدم ذرعيه للتنكيل بمعارضيهم
وبشكل عام يعتقد الغرب أن "حزب الله" يمثل الأخطبوط الإيراني في المنطقة العربية لأهمية دوره في ربط وتنسيق العلاقات بين إيران وحلفاؤها بما في ذلك جماعة الحوثيين في اليمن والذي كان له الدور الأبرز في تعزيز علاقتها مع طهران.
واليوم يبدو أن الضغوط الشديدة التي تمارسها إسرائيل ضد حلفاء إيران، جعلت الأخيرة تخشى أكثر من أي وقت مضى تعرض شبكة محور المقاومة للانهيار وبذلك قد تنتهي أحلام خامنئي في التوسع بالشرق الأوسط.
حرص متبادل
من الملاحظ تراجع المواقف الراديكالية الحوثية تجاه إسرائيل، كون الجماعة الحوثية حريصة على عدم جعل نفسها عرضة لأعمال انتقامية قد تطال قياداتها ومخازن أسلحتها.
وفي هذا الجانب ذكر الباحث عبدالكريم غانم أن "كلا البلدين (إيران وإسرائيل) حريصتان على خفض كلفة الحرب، ونقل المعارك خارج حدودهما، لذا من المرجح ان تتغلب الاتجاهات الإصلاحية للحكومة الجديدة في إيران على النزعة الثورية التي يتبناها الحرس الثوري الإيراني.
ويتصور غانم، أن ذلك سيمثل حالة أشبه بفك الارتباط بين النظام الإيراني وجماعة الحوثي، بما يعنيه ذلك من تراجع الدعم الإيراني للحوثيين، تسليحا وتدريبا، وبالتالي تراجع الحوثيين عن الأعمال العدائية التي تستهدف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.
ويشير إلى أن ما حدث لحزب الله، ذراع إيران الطولى في المنطقة، ما يزال مثالا حيا على طغيان اسرائيل وعنجهيتها من جهة، واستعداد إيران للتخلي عن وكلائها من جهة ثانية.
بالرغم من أن الوضع العام عقب مقتل نصر الله يدخل إيران في معضلة رئيسية لمواجهة الضغط الإسرائيلي ضد تحالفاتها في المنطقة، إلا أن إميلي ميليكين الباحثة في "المجلس الأطلسي" تعتقد أن "استمرار العمليات واسعة النطاق في البحر الأحمر، يمكن أن تضع الحوثيين وزعيمهم عبد الملك الحوثي في موقع يؤهلهم لدور أكبر داخل شبكة إيران وحلفاؤها.
وقالت فاطمة أبو الأسرار الباحثة في معهد الخليج العربي بواشنطن والمتخصصة في الشأن اليمني إن " نصر الله كان شخصية موحدة للمجموعات المتحالفة مع إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي غيابه من المرجح أن يتولى عبد الملك الحوثي، الذي قلد أسلوبه وحضوره التلفزيوني لفترة طويلة، زمام الأمور في اليمن والمنطقة".
وترى ميليكين أن تحقيق الحوثيين للزعامة الجديدة سيأتي من خلال البدء في "إعلان مسؤولياتهم خارج الحدود اليمنية والاضطلاع بدور أكثر مركزية في استراتيجية فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي وذلك تمهيداً لنقله قيادته من الضاحية إلى صنعاء.
لملمة المحور
يتوقع محللون عسكريون أن ما حدث لحزب الله من مواجهات برية شرسة مع إسرائيل سيدفع إيران للاحتفاظ بما تبقى من أذرعها العسكرية، ما يعني احتمالات زيادة دعمها للحوثيين كجزء من استراتيجيتها للحفاظ على الحد الأدنى من نفوذها في المنطقة، وملء الفراغ الذي قد يتركه تراجع حزب الله.
ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي د. عبدالكريم غانم، أن ذلك سيجعل الحوثيون يسعون إلى زيادة الحشد لتجنيد المقاتلين، بحجة الحرب ضد إسرائيل، كما سيزداد قمعهم لمعارضيهم وترتفع معها حملات الاختطافات في مناطق سيطرتهم، كإجراءات وقائية لمنع تكرار ما تعرض له حزب الله من خرق استخباراتي.
ويتوقع الباحث غانم، في حديثه لـ"المجهر" تصاعد حدة الهجمات الحوثية ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي وباتجاه المدن الفلسطينية المحتلة أكثر مما كانت عليه من قبل الهجوم على الضاحية، مشيراً أن ذلك يترتب عليه غارات إسرائيلية عنيفة بالمقابل على البنى التحتية ومخازن السلاح في مناطق سيطرة الحوثيين، ومن غير المستبعد استهداف القيادات الحوثية.
ويبدو أن الصراع الدائر حاليا من شأنه أن يعيد تشكيل المنطقة، ليس فقط على مستوى الخارطة السياسية، بل على مستوى إعادة توزيع النفوذ والقوة، ويمكن أن يؤدي إلى تغيير في المحاور والعلاقات بين دول المنطقة.
ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي د. عبدالكريم غانم، أنه "في حال وجهت إسرائيل ضربة انتقامية قاسية تطال المنشآت النووية وتدمر البني التحتية الاستراتيجية لإيران من غير المستبعد أن تتطور الهجمات الجوية المتبادلة بين اسرائيل وإيران إلى حرب شاملة".
وفي هذه الحالة يرجح غانم، أن الحوثيين سينخرطون في الصراع بشكل أكبر، سواء فيما يتعلق باستهداف السفن في البحر الاحمر وخليج عدن، أو عبر شن الهجمات بالصواريخ والمسيرات على الأراضي المحتلة.
صراع مشاريع
يعتقد الناطق الرسمي باسم محور تعز العسكري العقيد عبدالباسط البحر، أن أفعال الأذرع الايرانية ساعدت إسرائيل الحليف الرئيسي لأمريكا في المنطقة على تمزيق الأوطان العربية، وتسليم أربع عواصم عربية لإيران الفارسية التي تخلت عنهم في أحلك الاوقات، ولم تساندهم إلا بالخطابات والشعارات. حسب وصفه.
وقال البحر في حديثه لـ "المجهر" إن حلفاء إيران بما فيهم الحوثيين، أسسوا ودشنوا قاعدة للمشروع الطائفي والحروب الداخلية في المنطقة العربية واعتبروا كل عربي لا ينتمي لمشروعهم، هو أداة صهيونية، معتبرا أن هذا السلوك من شأنه أن يمزق الشعوب والدول ويجعلها ضعيفة أمام عدو متربص بالأمة كلها.
ويرى المتحدث العسكري لمحور تعز ونائب رئيس شعبة التوجيه بالمحور، أن التأثير الحوثي مرتبط أصلاً بالإرادة الإيرانية، مضيفاً أن "العدو الصهيوني اتجه باتجاه لبنان لأنه يعرف أن مصدر الصواريخ التي يتبناها الحوثي تأتي من لبنان.
مستدلاً بالضربات الإسرائيلية في اليمن، التي قال إنها لم تستهدف مركز ثقل الجماعة في صعدة التي تتواجد فيها مرجعيات الحوثيين، كما أنها لم تستهدف ورش التوليف والتصنيع للمجنحات والطيران المسير للحوثيين من صنعاء.
وأشار البحر، إلى أن إسرائيل تريد ضرب مصالح الشعب اليمني في الحديدة، بعكس لبنان التي وجهت فيها ضربات دقيقه للصف الاول والثاني لحزب الله، ما يعني أن "الحوثيين لن يتأثروا عسكرياً بما يجري لحزب الله في لبنان، مالم تكن هناك تطورات بين الرعاة الإقليميين للاحتلال والمليشيا، أمريكا وإيران".
لكنه بالمقابل يتوقع، أن تأخر قوات الشرعية في تحرير صنعاء والحديدة في هذا الظرف الملائم، سيزيد من بروز تدخلات جديدة إلى جانب التدخل الإيراني في الأراضي اليمنية بحجة حماية خط الملاحة الدولية وحتى الاسرائيلي ستدخل بمبرر منع مفرقعات الحوثي التي يطلق عليها مسمى صواريخ.
انعكاس داخلي
ما تزال جماعة الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران تبيع الوهم لإتباعها والمغرر بهم من ابناء اليمن في مناطق سيطرتها مدعية أنها تناصر عزة من خلال تصعيدها العسكري غير مبرر في البحر الأحمر.
يقول وكيل وزارة الإعلام اليمنية فياض النعمان، إن الحوثيين جلبوا الدمار لليمن في محاولتهم بكل ما يملكون من دعم سياسي وعسكري وإعلامي يقدمه النظام الإيراني، بتحويل مناطق سيطرتهم إلى ساحة للصراع بين ما يسمى "محور الممانعة" و "الكيان الصهيوني الغاصب".
ويضيف النعمان في حديثه لـ"المجهر" أن " المليشيات الحوثية تصدرت الصراع في المنطقة ليس نصرة للقضية الفلسطينية أو نصرة غزة بل تقديم اليمن كبش فداء للنظام الإيراني ومشروع ولاية الفقيه في المنطقة".
وتابع: "منذ اليوم الأول لتصعيد الحوثي العسكري وعسكرة البحر الأحمر لم تحقق المليشيات أي انجازات تنعكس سلبا على الكيان الصهيوني اطلاقا ولكن كل انجازاتهم مجرد خطاب وبيانات إعلامية لا غير".
ويوضح أن الشعب اليمني جنى من هذا التصعيد تدمير مكتسبات ثورتي ٢٦ سبتمبر و١٤ اكتوبر في محافظة الحديدة والعاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي تعرضت للضربات الجوية سوا من إسرائيل أو باسم التحالف الأمريكي البريطاني تحت مسمى "حارس الازدهار".
ويعتقد الوكيل فياض النعمان، أن التصعيد الحاصل في المنطقة ستكون نتائجه كارثية على الكل، مضيفاً أن هذا التصعيد كشف أن الزعيم الإيراني المتطرف ( علي خامنئي) "عمل على تأسيس هذه الكيانات في الدول العربية لتكون حاجز الدفاع المتقدم لإيران وليس نصرة لقضايا المنطقة التي روجوا ونشروا لها منذ التأسيس.
ويشر في ختام حديثه لـ"المجهر" إلى أن " زعيم الحوثيين وجماعته الإرهابية هم مجرد بيدق بيد الولي الفقيه يستخدمها كيفما يشاء" متوقعاً أن نهاية الجماعة في المستقبل ستكون مشابهة لما حصل لحزب الله اليوم، حد قوله.
توسيع العلاقات
يذكر معهد صوفان للدراسات المخابراتية والأمنية الأمريكي أن جماعة الحوثي تعمل تنويع علاقاتها خارج إيران وشركاء محور المقاومة الآخرين، مما يزيد من استقلاليتها العملياتية.
وتعمل روسيا، على وجه الخصوص، على توسيع علاقاتها مع الحوثيين، معتبرة الجماعة أداة مفيدة لتطوير النفوذ ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. حيث تشكل هجمات الحوثيين على الشحن التجاري في البحر الأحمر تهديدا أكبر بكثير للاقتصادات الأوروبية والأمريكية من روسيا، التي تتم معظم تجارتها برا، بحسب تحليل معهد صوفان.
ويرى خبراء محليون ودوليون أن دعم روسيا المتزايد للحوثيين يتسق مع النمط الأخير لسياسات موسكو في المنطقة، بما في ذلك قرارها في عام 2015 بالتدخل عسكريا في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد.
أما بالنسبة للصين فمن غير المعروف أنها تقدم دعما مسلحاً للحوثيين لكنها على ما يبدو غضت الطرف عن جهود الحوثيين لشراء التكنولوجيا المتعلقة بالأسلحة عبر قيادات حوثية متواجدة في جمهورية الصين الشعبية وتملك شركات تصنيع هناك.
كما أن الصين أرسلت مؤخرا، سفنا حربية إلى قبالة سواحل البحر الأحمر القريبة من اليمن، لكنها ترفض الرد على نداءات الاستغاثة من السفن التي ضربتها صواريخ الحوثيين والطائرات بدون طيار.
التهديد الملاحي
يرى مراقبون أن هناك بطء في إدراك العواقب الكاملة لتقدم الجماعة المدعومة من إيران نحو ساحل البحر الأحمر، وذلك بعد أيام من اقتحام جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، للعاصمة المختطفة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م.
ويقول مؤرخ الشحن العالمي في جامعة كامبل بولاية نورث كارولينا "سلفاتوري ميركوجليانو" في حديثه لصحيفة ذا ناشيونال، إن القوى الغربية كانت بطيئة في التنبه للتهديد، ما يجعل تأثير التهديد الحوثي لخط الملاحة في البحر الأحمر مستمراً لسنوات أطول من حرب غزة ذاتها.
لكن الصحفي سلمان المقرمي يقول إن الإدارة الأمريكية تدرك منذ البداية، دور جماعة الحوثي في المنطقة، مشيرا إلى أن الأمريكيين هم من ساعدوا في استمرار الوجود الحوثي في اليمن عبر إيران، وبالمقابل ما تزال الجماعة تعمل ضمن الإطار الأمريكي.
مستدلاً بما ما قاله مسؤول القيادة المركزية الأمريكية، الاثنين، بإنه ليس لديهم نية جادة باستهداف الحوثيين أو منع هجماتهم، بمعنى أن الأمريكيين لا ينظرون للحوثي كمشكلة بل على العكس يعتقدون أن تصرفات الحوثيين تخدمهم. وفقا للمقرمي.
فمن الواضح أن نظرة الأمريكان لجماعة الحوثي لم تختلف في ظل الظروف السياسية والعسكرية في المنطقة والعالم، والتي يبدو أنها ساهمت في توسيع علاقات الجماعة مع أطراف محورية غير إيران.
ويتطرق الباحث اليمني د. عبدالكريم غانم إلى أن "الحوثيين لم يتورطوا، حتى الآن، في قتل مواطنين أو جنود أمريكيين أو اسرائيليين، باستثناءات محدودة، لا تكاد تذكر، خلافا لحزب الله اللبناني وفصائل الحشد الشعبي، المتهمة بقتل الكثير من الامريكيين، وهو ما يجعل صفحة الحوثيين أقل سوادا من الفصائل الأخرى الموالية لإيران".
ويضيف أن غياب الحوثي عن المشهد في المنطقة، يعني للأمريكيين ترك الفراغ أمام عودة صعود تنظيم القاعدة، فعداؤه لأمريكا عداء شكلي، ولا يمثل خطر فعلي على المصالح الأمريكية، وهو ما يفسر وفقاً لغانم عدم تصنيف الإدارة الأمريكية الحالية لجماعة الحوثي كجماعة إرهابية أجنبية، والاكتفاء بتصنيفها جماعة إرهابية عالمية.
كما يشير إلى أن الحوثيين يشكلون خنجرا في خاصرة الجزيرة العربية وهذا يضمن استمرار حاجة دول الخليج النفطية للتواجد الأمريكي والسلاح الأمريكي، فمن وجهة نظر الأمريكان منافع الحوثيين ماتزال تفوق مخاطرهم. وفقاً لغانم.
مركز المحور
في أوائل عام 2015م ومع انطلاق عاصفة الحزم في اليمن، قال قائد ما يسمى بـ "فيلق القدس" حاليا إسماعيل قاآنيي، " إن أولئك الذين يدافعون عن اليمن تم تدريبهم تحت علم الجمهورية الإسلامية".
وذكر تقرير لوكالة استخبارات الدفاع الإسرائيلية، نشر في وقت سابق من هذا العام مدى الدعم الإيراني للحوثيين، مبينا أن طهران زودت على مدى العقد الماضي، جماعة الحوثي "بترسانة متنامية من الأسلحة المتطورة والتدريب" واستمرت خلال الصراع في البحر الأحمر.
وسواء كان الحوثيون يريدون التحوّل ليصبحوا مركزاً إقليمياً جديداً للثورة الإيرانية، أو يملكون طموحاً ليكونوا نظام إيراني جديد في المنطقة فإن ذلك سيكون أكبر مهددات الأمن القومي ليس لدول مجلس التعاون الخليجي وحدها بل وحتى دول شرق أفريقيا والاقتصاد العالمي الذي سيبقى تحت التهديد.
وهو ما يقلص الحلول المطروحة أمام دول المنطقة والمجتمع الدولي وفي مقدمتهم اليمنيين، ما لم فأن المنطقة مقبلة على طور جديد من سياسات الثورة الإيرانية التدخلية في المنطقة والعالم يستمر عقوداً، أكثر فتكاً وتهديداً للأمن القومي لشبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي والتجارة الدولية.
ومع ذلك، يستبعد رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث، أنور الخضري، استبدال إيران لجماعة الحوثي في اليمن بدلا عن حزب الله اللبناني في مركزية ما يسمى "محور المقاومة".
وقال الباحث الخضري في تصريحات صحفية، إن "استثمار إيران في حزب الله استمر لأربعة عقود، ومن المستحيل أن تضحي به، خصوصا أنه بنى إمبراطورية إعلامية وتبشيرية واقتصادية في المنطقة والعديد من الدول، على مستوى أوروبا وأفريقيا وأمريكا وآسيا".
مبيناً أن "الجماعة قد تتحمل بعض المسؤوليات لكنها لن تكون البديل الأنسب، خصوصا أنهم في خاصرة السعودية وهي لن تقبل بتهديد بهذا المستوى من الخطورة في خاصرتها".
مصالح طهران
تستشعر إيران توجه أمريكا والدولة الغربية نحو التصعيد ضدها في المنطقة العربية، من خلال دعم إسرائيل بصورة غير مباشر على الأغلب وبصورة مباشرة أحيانا، في الوقت الذي لم تعد طهران ترى شيئاً مهماً يجب أن تحافظ عليه سوى ملفها النووي.
وهو ما أكد عليه الكاتب الصحفي سلمان المقرمي، أن إيران لا تسعى في هذه المرحلة إلى منح الحوثيين دوراً أكبر، فهي أمام مأزق حقيقي ويتوجب عليها للحفاظ على كيانها، وليس لديها متنفس لتسليم دور مقابل دور بين حلفائها داخل ما يسمى بـ "محور المقاومة.
مبينا في حديثه لـ"المجهر" أن إيران اليوم في مرحلة أضعف من أي وقت مضى، لأن الذراع البارز المتمثل بحزب الله قطع وهو من كان يدير بقية أذرعها في المنطقة.
ويمكننا أن نقرأ الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان وكذلك في البحر الأحمر من خلال بلورة تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما تحدث عن تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط كله.
إلا أن خبراء سياسيين وعسكريين يرون أن هذه اللغة التي بدأت مع غزو الولايات المتحدة للعراق في 2003م لم تقدم استراتيجية مقنعة في ظل الكوارث التي تشهدها المنطقة العربية اليوم.