الشارع وحده من استقبله بعد خروجه من سجون جماعة الحوثي الإرهابية، هكذا أصبح حال المواطن بشير سالم (اسم مستعار) في الثلاثين من عمره، وأحد أبناء محافظة حجة غربي اليمن، حيث تلقى صدمة نفسية نتيجة التعذيب في سجون الجماعة المدعومة من إيران لأكثر من عام، بذريعة نسبت له تهمة بأن شقيقه الأكبر قضى في إحدى جبهات مأرب أثناء قتاله ضمن صفوف القوات الحكومية.
في الرابع من يناير/ كانون الثاني من العام الماضي 2023، أقدمت جماعة الحوثيين على اختطاف بشير من وسط أحد الأسواق في مديرية خيران جنوب محافظة حجة، دون إبلاغ أسرته بذلك، حيث ظلت أسرة بشير تبحث عنه طيلة عشرة أشهر من العام ذاته.
في هذا السياق يقول شقيقه عامر، بأنه تم اعتقال بشير أثناء تواجده في السوق دون معرفتنا بذلك، استمرينا في البحث عنه حتى تم إبلاغ أسرتي في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته بأن شقيقي مسجونا لديهم (الحوثيين) دون معرفة الأسباب.
أساليب تعذيب جديدة
لم يكن بشير ذات يوم سياسيا، أو تابعا لأي طرف من أطراف الصراع في البلاد، لكن جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية اختطفته تعسفا وأودعته في سجن قلعة رازح بمحافظة صعدة لمدة عام كامل، حيث يعد هذا السجن من أكبر السجون القمعية التابعة للجماعة، تلقى من خلاله التعذيب والترهيب، إلى جانب إجباره على تعاطي مادة الشبو تحت التهديد من قبل قيادات وإدارة السجن، دون مراعاة حالته النفسية التي تدهورت نتيجة التعذيب والسجن الانفرادي، ليظهر أخيرًا في مشهد صادم لأسرته، فاقدا للذاكرة يبحث عن والديه المتوفيين ليقتلهما.
يقول عامر نسبت مليشيا الحوثي تهمة لشقيقي بأن أخونا الأكبر استشهد في جبهات مأرب بلغم أرضي، كما وصفته "بالعدوان"، مضيفًا لم تكتفي حينها الجماعة باعتقاله فقط، بل أقدمت على تعذيبه وتحويله إلى زنزانة انفرادية، وإجباره للاستماع للمحاضرات الطائفية التي تقوم بها الجماعة في سجونها للمعتقلين، مؤكدًا أن الجماعة استمرت باعتقال شقيقه بشير لأكثر من عام.
ويشير إلى أنه وبعد أن أفرجت الجماعة عن شقيقه، لم يعد كما كان في صحته الجسدية والعقلية، خرج يبحث عن والدي ووالدتي ليقتلهما رغم أنهم قد متوفيين منذ فترة طويلة، ويرغب بالذهب إلى محافظة صعدة والقتال مع الجماعة، وحماية زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، كما يصفهم هو الآخر بالعدوان.
كما أوضح أن شقيقه بشير يحتاج إلى رعاية طبية مستمرة كونه يعاني من صدمات نفسية قوية نتيجة التعذيب وتناوله مادة الشبو. مضيفا: "عشنا في صدمه مش مستوعبين ما جرى له، رغم أنه كان يعمل على تربية المواشي وزراعة نبتة القات، ولم يعمل بأي نشاط آخر بما يتعلق بالسياسية والحرب، وقد سبب احتجازه معاناة كبيرة لأبنائه وجميع أفراد أسرتنا التي تعيش أوضاعًا نفسية صعبة للغاية، نتيجة ما حدث له".
سياسة قمع مُمنهجة
منذ سيطرة جماعة الحوثي الإرهابية على أجزاء من المحافظات اليمنية، سعت الجماعة إلى استخدام سياسات مُمنهجة من خلال حملات اختطاف واسعة للمواطنين في مناطق سيطرتها مستخدمة أساليب التنكيل وممارسة الإجرام بحق هؤلاء المدنيين وزج بهم في معتقلات سرية لم تعرف أسرهم عنهم شيء.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي إن مليشيا الحوثي تستخدم عملية الاعتقالات والقمع والترهيب في مناطق سيطرتها لإضعاف وتخوف المواطنين من مواجهتها في يومًا ما.
وفي حديث خاص لـ "المجهر" يوضح الفاتكي أن الأساليب التي تستخدمها المليشيات بحق المعتقلين في سجونها من سجن انفرادي، وتعذيب، واستخدام أنواع العنف بحقهم وتناولهم مادة الشبو تحت الترهيب والضغط، يدل على أن المليشيات تسعى لفرض هيمنتها على أبناء الشعب اليمني وإعادة الرجعية الإمامية ليظل الشعب تحت سلطتها وحكمها.
ويشير إلى أن حملات الاعتقالات التي تقوم بها الجماعة المدعومة من إيران تركزت على استهداف الشباب، بمن فيهم الذين تقوم باعتقالهم بذريعة انتماءات الأقارب للحكومة المعترف بها، أو العمالة لأمريكا وإسرائيل، وتُمارس بحقهم أبشع صنوف الإجرام والانتهاكات داخل معتقلاتها السرية والغير سرية، من حيث الاعتداء الجسدي، واللفظي، والمعنوي، وإجبارهم على تعاطي بعض المواد الضارة، أما بأجسادهم، أو بصحتهم العقلية، ليخرج البعض منهم فاقد ذاكرته العقلية ويمرون بمرحلة من الهلوسة، والاضطرابات النفسية.
وأرجع الفاتكي إلى أن الأسلوب التي تستخدمه جماعة الحوثيين بحق هؤلاء وإطلاق سراحهم بعد مدة من احتجازهم بسجونها دون معرفة أسرهم عنهم بشيء، تفرج عنهم المليشيات بعد أن تأكدت وضمنت بأنهم قد صاروا بحالة صحية يرثى لها، وأصبحوا عبارة عن معاقين سوى جسديا أو عقليا، بما يتناسب مع أيدلوجيتها، ليخرج البعض يرتكب بعض الجرائم الوحشية بحق أقرب الناس إليه، أما أبيه أو أمه أو إخوانه أو بحق أولاده أو زوجته، وشاهدنا كثيرا من هذه الأحداث العدائية خلال الأيام الماضية.
وينوه إلى أن الجماعة تهدف من تلك الانتهاكات إلى ترهيب وإحداث نوع من الخوف لدى المجتمع اليمني، بالإضافة إلى إرواء عطشها الدموي في ممارسة التوحش والإجرام بحق المجتمع، كما تريد توصيل رسائل مبطنة للمجتمع بأنه إذا كان هذا تعاملها مع من ليست لهم ناقة أو جمل، فكيف سيكون التعامل على من يعارضها سوى على المستوى السياسي، أو الإعلامي، او العسكري، أو الفكري، مضيفا: "والمضحك بأن المليشيات حينما تعجز عن أدانت هؤلاء تقوم بتوجيه تهم جائرة وملفقة، مثل تهمة العمالة للعدوان، أو العمالة لأمريكا وإسرائيل، أو تهم بأن أقاربهم قتلوا في جبهات القتال مع الحكومة الشرعية، أو يعملون مع الحكومة ذاتها".
ويرى الفاتكي أن يقدم الدعم القانوني والدعم القضائي لضحايا هذه الانتهاكات، ويجب على الحكومة الشرعية أن تولي هذه القضايا وهذا الملف حقه من الاهتمام، وأن توثق تلك الانتهاكات وأن تقدم أيضا هذا الملف إلى المنظمات الحقوقية الدولية لمجلس حقوق الإنسان وأن يشلك هناك فريق قانوني وحقوقي برعاية وإشراف مباشرة من السلطة الشرعية يتولى جمع هذه الملفات ورفع دعاوى قضائية سوى في إطار القضاء المحلي، أو القضاء الدولي، وملاحقة مرتكبي تلك الانتهاكات عبر أجهزة القضاء.
موت بطيء
في السياق يقول أستاذ علم اجتماع في جامعة تعز_ تحفظ عن ذكر اسمه حفاظا على سلامته بفعل عمله أيضا في مناطق سيطرة الحوثيين_ أن تعرض الأشخاص في السجون للتعذيب يترك آثارا نفسية وجسدية، ويتلازم الآثار الجسدية إلى الالام، والكسور، وفي الأحيان ينتج عنه إعاقات أما مؤقتة أو دائمة، جزئية أو كلية، وتصاحب الشخص مدى حياته، إلي جانب الآثار النفسية التي يتأثر منها بشكل كبير جدا بضغط نفسي وتظل عالقة في ذهنه طوال حياته، وقد يدفع في البعض إلى حافة اللجوء إلى الانتحار للتخلص من هذا التعذيب، خاصة إذا كان تعذيب قاسي وإهانات.
ويضيف في حديثه لـ "المجهر" أن الغرض من تعذيب وترهيب المعتقلين لدى جماعة الحوثيين، هو تحطيم معنوية الشخص المعتقل نفسيا والاهانة وتعرضه للكثير من المواقف الصعبة التي تؤثر على نفسيته، وتظل هذه الآثار ملازمة وتصاحبه في معظم حياته حتى بعد خروجه من سجون الاعتقال، سواء كانت إعاقات جسدية أو اعراض نفسية.
ويشير الأكاديمي في جامعة تعز إلى أن الأشخاص الذين يتعرضون للاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون، إذ لم يتلقوا الدعم النفسي وجلسات النفسية وغيرها للخروج من الحالة التي كانوا عليها من آثار التعذيب الذي يتلقونه في السجن بعد خروجهم، بكل تأكيد سيتأثرون من خلال سلوكياتهم، تصرفاتهم، أمزجتهم، نظرتهم للحياة، نظرتهم للواقع من حولهم، تعاملهم مع الآخرين بمزاجية أو بقساوة، وبكل تأكيد ستنعكس طريقة تفكيرهم تجاه الآخرين، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بصورة واعية أو لا واعية.
وينوه إلى أن الشخص الذي يتعرض إلى مثل هذه الانتهاكات يعيش حياة قاسية، خاصة إذ لم يتلق الدعم النفسي والمعنوي، سواء كان من أسرته أو من مراكز متخصصة أو من المجتمع الذي يشعر أنه ضحى وقدم من أجله في نهاية المطاف لم يحظ بتقدير مثل هذه التضحيات، وهذه تؤثر في نفسية الأشخاص ويشعرون بأنهم تعرضوا لتجارب قاسية في مقابل عدم تقدير الآخرين لهم.
وأرجع أستاذ علم الاجتماع إلى أن تناول المعتقلين مادة الشبو في السجون، تعد مرحلة خطيرة على حياة الشخص، كونها مادة مخدرة، ومن يقوم بذلك مع المعتقلين يحاول من خلال ذلك إلى نوع من نسيان الماضي ويحاول توجيهه إلى طريقة أخرى، أما تكون إيجابية أو سلبية، وبكل تأكيد تأثر بشكل سلبي كونها مادة مخدرة، ومن اللازم أن يتلقوا الرعاية الصحية في مراكز ومستشفيات، ويتلقون أيضا الرعاية والتأهيل النفسي في مراكز متخصصة للتغلب على هذه الآثار الجسدية والنفسية التي تعرضوا لها في السجن.