الأربعاء 04/ديسمبر/2024
عاجلعاجل

شبكة معقدة.. كيف يوفر الحوثيون العملة الصعبة في مناطق سيطرتهم؟ (تقرير خاص)

شبكة معقدة.. كيف يوفر الحوثيون العملة الصعبة في مناطق سيطرتهم؟ (تقرير خاص)

تدير جماعة الحوثيين شبكة تجارية معقدة من أجل تحويل الإيرادات إلى الدولار الأمريكي من عائدات المشتقات النفطية والضرائب والجبايات وغيرها، التي تحصل عليها بالريال اليمني (عملة قديمة) وذلك لتغطية احتياجات السوق الخارجي أو تهريبها خارج البلاد.

لكن يبقى السؤال الأهم هو؛ كيف يقوم الحوثيون بتحويل الإيرادات إلى الدولار، بحكم أنه يحصل على عائداته بالعملة المحلية القديمة في الوقت الذي هو ملزم بتوفير عملة صعبة لإنجاز تعاملاته الخارجية لا سيما الشركات التي قام بإنشائها مؤخراً لأغراض عسكرية وتجارية.

وبطبيعة الحال، يتم كل ذلك في ظل فشل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في ترجمة جهودها الرامية إلى منع تهريب الوقود والأموال والأسلحة وغيرها، والتي يستفيد منها الحوثيين في الداخل.

 

وكلاء اقتصاديون

 

ازدهر اقتصاد الحرب في اليمن منذ عام 2015 وتوسعت السوق السوداء بشكل كبير، ومعه شرعت جماعة الحوثي في تأسيس العديد من الشركات وشبكات تحويل الأموال المشبوهة للاستفادة من المضاربة من فوارق أسعار صرف العملات في السوق السوداء المتقلبة بالإضافة إلى عملية تهريب الأموال خارج البلاد وغيرها من الفرص التي خلقها الصراع.

كما أوجدت جماعة الحوثيين مصادر تمويل ذاتية باستخدام وكلاء لتمويل أنشطتها، مع الاحتفاظ بنسبة كبيرة من أصولها واستثماراتها محليا أو خارجيا بأسماء يمنيين موالين للجماعة ممن يعيشون ويعملون في جميع أنحاء المنطقة العربية.

وبدأ الحوثيون بتهريب مبالغ مالية ضخمة بالدولار الأمريكي إلى حسابات خارجية في دول الجوار، عبر شبكات صرافة يملكها القيادي في الجماعة محمد عبدالسلام والذي يعد كذلك الناطق الرسمي باسم الجماعة.

وهو ما يبرر سحب الحوثيين للدولار من السوق المحلي، خصوصا أن معظم التجار في مناطق سيطرة الحوثيين أصبحوا يذهبون لشراء الدولار من البنك المركزي اليمني في عدن، وذلك لتسديد مشترياتهم الخارجية. وفقا لخبراء اقتصاديين.

ويعتقد خبراء في المجال الاقتصادي، أن جزء آخر من هذه الدولارات التي يحتكرها الحوثيون لصالحهم ما تزال موجودة داخل اليمن ويتم غسيلها بطرق مختلفة مثل شراء العقارات.

 

                   

 

استغلال المساعدات

 

يقول الباحث الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي، إن جماعة الحوثي تعتمد على وسائل كثيرة للحصول على العملة الصعبة من الدولار والريال السعودي لتأمين احتياجاتها في السوق الخارجي.

ويعتقد أن أكثر مصدر تحصل منه جماعة الحوثي على عملة الدولار هو المساعدات الإنسانية التي تأتي عبر المنظمات الدولية والأممية ويتم توريدها إلى حسابات بنوك الحوثي في صنعاء.

ويبين الباحث العوبلي في حديثه لـ"المجهر" أن مبالغ المساعدات الإنسانية التي تم توريدها إلى بنوك صنعاء وصلت لقرابة (ثلاثين مليار دولار) خلال السنوات العشر الأخير.

ليس هذا فحسب، فقد توفرت فرص كثيرة للحوثيين في تهريب وسحب النقد الأجنبي من المناطق المحررة، حيث ذكر العوبلي أن الجماعة حصلت على ما لا يقل عن مليار دولار من خلال الوديعة السعودية الأولى.

ويضيف أن عملية سحبها تمت عبر وسيلتين؛ الأولى حصل عليها تجار حوثيين بحجة استيراد القمح، والثانية حصلت عليها الجماعة عبر بنوك خاضعة لسيطرتها بحجة استيراد الغذاء.

وتشير أصابع الاتهام لسلطات الشرعية في تسهيل هذه العملية، وفقا لحديث الباحث العوبلي الذي قال إن محافظ وقيادة البنك المركزي في عدن متواطئين مع تجار حوثيين في نقل الدولار إلى صنعاء.

 

تهريب العملة

 

يحصل الحوثيون على قرابة 3 مليار دولار شهريا من عائدات بيع المشتقات النفطية، والتي تأتي كمساعدات إيرانية عبر ميناء الحديدة، بالإضافة إلى أن الجماعة تقوم بتهريب عائدات بيع النفط الإيراني في بعض الدول الإفريقية وفقاً لتقارير دولية.

ولكن كيف تحصل جماعة الحوثي على الدولار من عائدات النفط في السوق المحلية؟ يقول الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي، إن " الحوثيين يقومون ببيع النفط الإيراني للتجار في مناطق سيطرتهم بالعملة القديمة ثم يقومون بتحويلها إلى الدولار عبر السوق السوداء".

وتطرق العوبلي إلى أن جزء من عملية التبديل يأخذه تجار حوثيين من البنك المركزي في عدن عبر مزادات بيع الدولار، مؤكداً أن " أكثر من يشتري في هذه المزادات هي بنوك خاضعة لسيطرة الحوثيين".

ولدى الحديث عن كيفية تهريب الحوثي للدولار إلى خارج اليمن، ذكر أن الحوثيين كانوا يقومون بعمليات التهريب عبر طائرات الأمم المتحدة، بينما " الآن تتم عملية تهريب الفلوس عبر طيران اليمنية من مطار صنعاء كما هو الحال في تهريب الأسلحة والأدوات العسكرية".

وتوصل العوبلي في ختام حديثه لـ "المجهر" إلى أن التجار الموالين للحوثي هم أحد أسباب انهيار الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية كونهم يقومون بسحب الدولار ويهربوه إلى خارج البلاد.

 

احتكار الدولار

 

هناك مؤشرات تدل على أن الحوثي يقوم بسحب الدولار من السوق المالي في مناطق سيطرته ولعل أبرزها توجهه نحو سعودة ما يسمى بسعودة العملة لدى صرف الحوالات الخارجية بالدولار في البنوك والمصارف.

يوضح الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن أغلب تعاملات البنوك والمصارف في مناطق الحوثيين تتم بالريال السعودي في الفترة الأخيرة، حيث تواجه شحة شديدة في توفير السيولة النقدية من الدولار الأمريكي. 

ويستدل بكون كافة الحوالات الخارجية التي تصل بالدولار إلى مناطق سيطرة الحوثي تقوم البنوك بمصارفتها بما يعادلها بالريال السعودي.

وفي حديثه لـ"المجهر" يقول الصحفي وفيق صالح إن ذلك" قد يكون ذلك مؤشرا على قيام جماعة الحوثي بمصادرة الدولارات من البنوك والمصارف في صنعاء لصالحه فيما يقوم بتغطيتها بالريال السعودي للمستفيدين".

وأشار إلى أن ذلك يأتي في إطار توجه الجماعة نحو احتكار الدولار تحسباً لأي إجراءات قادمة من قبل البنك المركزي في عدن ضد البنوك والمصارف التي تقع مقراتها في صنعاء.

 

السوق الحر

 

ساهم بقاء المقرات الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية ومنشئات الصرافة بصنعاء، في تمكين الحوثيين من السيطرة على معظم حوالات المغتربين وتدفقات النقد الأجنبي التي تأتي من الخارج.

ويرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن هذه النقطة جاءت في صالح السوق المصرفي في نطاق سيطرة الحوثيين بحكم وجود المراكز الرئيسية في صنعاء وتحت تحكم الجماعة.

وأما بالنسبة لعملية الاستيراد، يشير وفيق إلى أن كافة البنوك الواقعة في نطاق سيطرة الحوثيين تحصل على الدولار من السوق الحر في المناطق المحررة إلى جانب شراء المزادات من البنك المركزي في عدن. 

كما أن الشركات التجارية التي مراكزها الرئيسية في صنعاء تحصل على العملة الصعبة من فروعها في المناطق المحررة وبالتالي تستطيع تحويلها عبر مراسلات البنوك الخارجية بواسطة البنك المركزي في عدن ويتم معها آلية الاستيراد وفقا لحديث الصحفي وفيق صالح.

وبمعنى آخر فأن البنك المركزي في عدن والسوق المصرفي في المناطق المحررة هي من توفر احتياجات النقد الأجنبي اللازم للاستيراد من الغذاء والدواء والوقود والمواد الكمالية لكافة مناطق الجمهورية اليمنية بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

ويستنتج الصحفي الاقتصادي وفيق صالح في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الحوثي ليس عليه أي أعباء لتوفير سيولة من النقد الأجنبي للاستيراد، وبالتالي فهو يستفيد من تدفق النقد الأجنبي في اليمن فيما التكاليف والأعباء المالية من النقد الأجنبي تقوم بتوفيرها الحكومة الشرعية وهو ما يضعها في مواجهة إشكاليات الانقسام النقدي مع بنك صنعاء.

 

الاستيراد الداخلي

 

يقوم الحوثيون بسحب العملة الصعبة من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية مقابل تصدير المنتجات الزراعية لأن معظم احتياجات المناطق المحررة من المواد الغذائية والخضروات والفواكه وكذلك القات، يتم تغذيتها من مناطق سيطرة الحوثي في محافظات صعدة وصنعاء والبيضاء وذمار وعمران وماوية في تعز.

بالإضافة إلى التعاملات التجارية مع الشركات التي تتخذ من صنعاء مركزا رئيسيا لإدارتها، وهذا من شأنه أن يعمل على توسيع فجوة الانقسام النقدي بين بنك صنعاء وبنك عدن.

وبسبب الانقسام النقدي وفارق الصرف بين مناطق سيطرة الحوثيين والمناطق المحررة يضطر التجار والباعة في نطاق الشرعية إلى تحويل الفلوس بالعملة الصعبة لشراء السلع والمنتجات الزراعية التي تأتي معظمها من مناطق الحوثيين.

ويرى محللون اقتصاديون أن الحكومة الشرعية باتت اليوم مطالبة أكثر من أي وقت بوضع حد لحالة الانقسام النقدي من خلال إيجاد حلول لعلمية تسرب العملة الصعبة إلى مناطق الحوثيين.

ويظل التساؤل الأهم هنا.. ماهو دور الحكومة الشرعية لوضع حلول جادة حيال كل ما يحدث من تهريب وتسرب للعملة الصعبة من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.

 

ميناء الحديدة

 

كشف مصدر خاص أن تكاليف استهلاك المواد النفطية في مناطق سيطرة الجماعة تبلغ حوالي (نصف مليون دولار) يوميا، ويتم تغطيتها عبر شركات تابعة للحوثيين وشركاء إيرانيين يتواجدون في دول عربية.

وفي حديثه لـ"المجهر" أوضح المصدر الذي رفض ذكر اسمه، أن استيراد المشتقات النفطية هو عبارة عن جزء من دعم خارجي يتحصل عليه الحوثيين من إيران لتمويل حربهم في الداخل.

ومن المعروف أن ميناء الحديدة هو المنفذ الوحيد لتغذية مناطق سيطرة الحوثيين بالمشتقات النفطية الإيرانية، بعد رفض الحوثيين شراء حصص المناطق الخاضعة لسيطرته من صافر.

ومنذ الاتفاق على الهدنة الأممية في العام 2022م، زادت واردات النفط عبر ميناء الحديدة بشكل كبير. وقد وصلت في ذروتها إلى 69 سفينة تحمل مليوناً و810 آلاف و498 طناً من المشتقات النفطية.

وبطبيعة الحال، أدى ذلك إلى حصول الحوثيين على إيرادات جمركية بلغت حوالي 271,935 مليار ريال يمني (500 مليون دولار)، وفقا لتقرير فريق التحقيقات التابع لمجلس المجال والذي أردف بأن الحوثيين لم يستخدموا هذه الإيرادات لدفع رواتب موظفي الخدمة العامة، ما يعد ذلك انتهاكا واضحا لاتفاق ستوكهولم.

وبينما كانت تقوم حوالي سفينتين في المتوسط، في فترة ما قبل الهدنة، أي من يناير إلى مارس 2022، بحمل 315 39 طنا من النفط والمشتقات النفطية شهريا، كانت تقوم حوالي تسعة سفن في المتوسط، في فترة ما بعد الهدنة، أي من إبريل إلى نوفمبر2022، بحمل 312,25 226 طنا شهريا، ما يدل على نمو كبير بنسبة 475,63 في المائة في الواردات عبر ميناءي الحديدة والصليف.

وبلغت إيرادات ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة الحوثيين حوالي 1.6 تريليون ريال يمني منذ إعلان الهدنة الأممية في أبريل 2022م، وهذه الإيرادات تأتي بشكل رئيسي من المشتقات النفطية الواردة عبر الميناء.

 

مصادر التمويل

 

كشفت تحقيقات سابقة للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن عن 7 مصادر تحصلت من خلالها ميليشيا الحوثي على الأموال بشكل غير قانوني وغير مشروع خلال 2022 لتمويل جهود الحرب في اليمن.

وتوصل فريق التحقيقات الدولي إلى أن الحوثيين كثفوا الاعتماد على سبعة مصادر للتمويل وهي؛ الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى؛ الإيرادات غير الضريبية والزكاة؛ مصادرة الأراضي والممتلكات الأخرى؛ تحصيل الأموال من عمليات السوق السوداء للوقود؛ الرسوم غير القانونية المتأتية من استيراد الوقود والتجارة المحلية والأنشطة التجارية الأخرى؛ مصادرة الودائع المصرفية؛ التمويل من مصادر أجنبية.

كما ذكر تقرير فريق التحقيقات، أن إيرادات قطاع الاتصالات مستمر في كونه مصدراً رئيسيا لتمويل الحوثيين، علاوة على توجيه الحوثيين لبعض الشركات بتخصيص 1% من فواتير الاتصالات في حساب صندوق رعاية أسرة قتلى الجماعة.

بالإضافة لذلك، تطرق فريق خبراء مجلس الأمن إلى أن الحوثيين يستخدمون تهريب المخدرات كمصدر لتمويل الجماعة، حيث تلقى معلومات عن تورط الحوثيين عدد بتهريب المخدرات والاتجار بها في اليمن لصالح وكلاء إيران في المنطقة.

ويشير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن إلى أنه وردت عدة تقارير عن عمليات اعتراض منتظمة لمراكب شراعية تحمل شحنات من المخدرات لم تقم أي دولة بالتحقيق فيها بسبب عدم وجود ولاية قانونية واضحة.

 

شبكة معقدة

 

يدير الحوثيون اقتصادهم الموازي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم مستغلين الحاجة الإنسانية لاستمرار التجارة الخارجية من أجل التخفيف من حدة الأزمة الغذائية في اليمن، نظراً لأن ما يصل إلى 90% من احتياجات البلاد الغذائية يتم استيرادها من الخارج.

وكانت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية "أندريا غاكي" قد أشارت في بيان صحفي صادر عن مكتبها إلى أن " إنهاء معاناة الملايين من اليمنيين هو أمر بالغ الاهمية بالنسبة للولايات المتحدة" مؤكدة المواصلة في محاسبة المسؤولين عن البؤس المستشري ومنعهم من الوصول إلى النظام المالي العالمي.

ووفقا لوزارة الخزانة الأمريكية، فقد استخدم الحوثيون شبكات غير مشروعة لتهريب الوقود الايراني والمنتجات النفطية وغيرها من السلع الإيرانية إلى عملاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.

وفي الوقت نفسه، تواصل جماعة الحوثيين الاستفادة من الشبكات المالية غير الرسمية التي تبيع الوقود الإيراني في الخارج، حيث يتم إرسال عائدات تلك الصفقات إلى سلطات الحوثيين في اليمن بشكل غير مباشر.

وقد جرى توجيه جزء كبير من الأموال التي تم جمعها، والتي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات الامريكية، إلى اليمن من خلال شبكة دولية معقدة من الوسطاء ودور الصرافة، والمثال الرئيسي هي شركة السويد وأولاده للصرافة.

وأشار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية إلى أن الأموال استخدمت لتمويل العمليات العسكرية لقوات الحوثيين وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.