الأربعاء 04/ديسمبر/2024
عاجلعاجل

معالجة الازدواج الوظيفي في تعز.. كيف يمكن أن ينتهي الحل بمشكلة؟ (تقرير خاص)

معالجة الازدواج الوظيفي في تعز.. كيف يمكن أن ينتهي الحل بمشكلة؟ (تقرير خاص)

تفاجأ العديد من المعلمين في مدينة تعز؛ جنوبي غرب البلاد، بإدراج أسمائهم ضمن قائمة الموظفين المشمولين بقرارات الإزدواج الوظيفي، رغم عدم انتسابهم لأي جهات عسكرية أو أمنية، حد تعبيرهم.. عادل اليوسفي وهو أحد موظفي مكتب التربية بمحافظة تعز، يشعر بالصدمة والذهول نتيجة ضم اسمه عشوائيًا في كشوفات وزارية تمهيدًا لاستبعاده بصورة تعسفية، ما أثار حالة من القلق والارتباك لديه مؤكدًا أن هذه الإجراءات غير عادلة كونها تعتمد على معلومات زائفة تفتقر للشفافية والدقة.

يقول اليوسفي لـ "المجهر": "منذ شهرين والحكومة لم تسلم رواتب المعلمين وموظفي مكاتب التربية والتعليم، وفوق هذا أُدرجت أسمائنا ضمن قوائم المزدوجين وظيفيًا.. لم أعرف في حياتي العمل سوى في مكتب التربية، وليس لي أي وظيفة أخرى، وهذه الإجراءات التي حدثت تعد مجحفة بحقنا".

ويوضح في حديثه، أنه قدم اعتراضًا لدى الخدمة المدنية فرع تعز، ضمن إجراءات سمحت بها الوزارة بهدف المراجعة والمطابقة، لافتا إلى أن ظهور أسماء موظفين تربويين في قوائم المزدوجين -بشكل خاطئ-، يوضح الفجوة الإدارية ونقص التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة، وبالتالي يؤدي إلى تسجيل بيانات غير دقيقة.

ويشير التربوي عادل اليوسفي إلى أن الحلول الممكنة تكمن في تحسين عملية التحقق من البيانات واعتماد نظم أكثر دقة لتسجيل المعلومات الوظيفية.

التربوي محمد مهيوب، هو الآخر يعاني من المشكلة نفسها، إذ يؤكد الشاب كمال وهو أحد أولاده في حديثه للمجهر: "والدي مريض لا يقدر على الخروج من المنزل لأي مكان، يعاني من حالة نفسية منذ 14 عام ولديه مشكلة في القلب (عملية قسطرة) منذ خمسة أعوام.. لذلك أتكفل بالدوام بدلاً عنه وأقوم بدور الأب بالنسبة للأسرة في توفير احتياجات البيت".

ويستطرد قائلًا: "حاولت الالتحاق بالجامعة سنتين ولكن لم استطيع إكمال الدراسة فأوقفتها بسبب الظروف المادية وكنت الداعم الرئيسي للأسرة، لذلك فتحت لي مشروع مستلزمات وصيانة هواتف في القرية عبر القروض البنكية والتدين من بعض الأصدقاء فالحمدلله على كل حال استطعت توفير احتياجات الأسرة وعلاجات الوالد أما بالنسبة لراتب الوالد فهو لا يكفي لقيمة العلاج، ففي الشهر الواحد يحتاج إلى راتبين لتوفير الأدوية، ناهيك عن احتياجات الأسرة".

 

كشوفات المزدوجين

 

يشكو عشرات المعلمين من ذات المشكلة، فالعديد من التربويين وجدوا أنفسهم في قرارات مفاجئة مهددين بالاستبعاد الإجباري، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، كشفت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات عن وجود 6500 حالة ازدواج وظيفي في محافظة تعز، معظمها في مكتب التربية والتعليم وبعض الألوية العسكرية التابعة للجيش الوطني في تعز.

وحسب المعلومات التي توصل إليها موقع "المجهر"، فإن عدد حالات الازدواج الوظيفي بين التربية والجيش تصل إلى نحو 3600 حالة، فيما يحتوي مكتب الصحة والسكان على قرابة 128 حالة ازدواج بين الصحة والجيش، ونحو 43 حالة بين الصحة والأمن، وتتوزع باقي الحالات على القطاعات المدنية الأخرى.

ففي سبتمبر/ أيلول الماضي، منحت الحكومة المزدوجين وظيفياً مهلة شهر لتقديم استقالتهم من إحدى الوظيفتين قبل اتخاذ أي إجراءات عقابية، في إطار الجهود التي تبذلها الحكومة للإصلاح المالي والإداري.

ووزعت لجنة حكومية تضم ممثلين عن وزارتي الخدمة المدنية والمالية تعميماً على جميع الوحدات الإدارية طلبت فيه من جميع الموظفين أو المتعاقدين الذين يشغلون أكثر من وظيفة أو يحصلون على مرتب من أكثر من جهة سرعة التوجه إلى مقر الخدمة المدنية لتقديم استقالتهم من إحدى الوظائف لتجنب أي إجراءات عقابية.

وشملت دعوة اللجنة الوزارية المشتركة جميع الموظفين والمتقاعدين والمتعاقدين في جهاز الدولة المدني والعسكري والأمني ممن تنطبق عليهم حالات الجمع بين أكثر من راتب عن وظيفة دائمة أو مؤقتة في وحدات الجهاز الإداري للدولة بشقيه المركزي والمحلي والقطاعين العام والمختلط وأجهزة السلطة القضائية والدفاع والأمن.

كما شمل التعميم حالات الجمع بين راتب عن وظيفة دائمة أو مؤقتة ومعاش تقاعدي أو الجمع بين أكثر من معاش تقاعدي من صناديق التقاعد المختلفة، وأوجب على هؤلاء مراجعة مقر اللجنة في ديوان وزارة الخدمة المدنية والتأمينات وتقديم طلبات الاستقالة بشكل طوعي عن الوظائف المزدوجة، بحسب النماذج المعتمدة لذلك خلال أوقات الدوام الرسمي على أن تنتهي فترة السماح في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وكانتت اللجنة قد منحت جميع الحالات المشمولة بالتعميم هذه الفرصة قبل أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بالتنزيل النهائي لجميع الحالات المزدوجة من قاعدة البيانات المركزية ومحاسبة الحالات المتخلفة، ووجهت كل الوحدات المعنية والموظفين إلى تحمل المسؤولية والعمل الجاد لما من شأنه إنجاح مهام اللجنة خدمة للمصلحة العامة.

 

بين وظيفتين

 

تؤكد مصادر في السلطة المحلية بتعز، أن ما يزيد عن 90 موظفًا مزدوجًا في القطاع المدني والعسكري قدّموا استقالاتهم من الوظائف المدنية، فيما آخرين لجأوا للاعتراض والمراجعة لدى فرع مكتب الخدمة المدنية بتعز، حيث اعترض عشرات الموظفين في القطاع المدني عن إدراج أسمائهم ضمن المزدوجين، وطالبوا الحكومة بمعالجة هذه الجزئية، وسط تأييد مجتمعي واسع للجهود التي تبذلها الحكومة في سبيل الإصلاح المالي والإداري.

يقول جميل الشجاع، ناشط حقوقي إن الازدواج الوظيفي في الجيش من التربويين والمعاناة المترتبة عنه عاجلًا واجلًا، فخلال الأيام الماضية توافد مئات التربويين الذين شملتهم عملية الازدواج في الجيش من التربويين من كل مديريات محافظة تعز، وعلى وجوههم ملامح التعب أثر السفر والارهاق، سيما أن العديد منهم في سن الشيخوخة أبدوا استياءً واضحًا ممن البسوهم جريمة الازدواج العبثي.

ويضيف: "يتساءل المتهمون بالازدواج الوظيفي حول كيف تم ترقيمهم دون علمهم؟ وكيف وصلت اسماءنا وأرقام بطائقنا وأرقامنا المالية والوظيفية؟ ومن يتحمل مسؤولية معاناتنا النفسية والمادية وكل ما سيترتب من ضرر هذا الازدواج العبثي مستقبلًا نفسيًا ومعنويًا وماديّا؟".

من جهته، يقول عادل المريري، أستاذ تربوي: "كثر الحديث عن الازدواج الوظيفي عقب نزول كشوفات إلى مكتب الخدمة في تعز بحالات الازدواج والتشابه.. في الحقيقة معظم تلك الكشوفات عبارة عن تشابه اسماء مثل ما سبق وحدث بين المكاتب المدنية، لكن إثارتها واستغلالها والادعاء على محور تعز بحشو كشوفات وهمية لا أساس له من الصحة".

ويضيف المريري: "تتضمن الكشوفات اسماء لتربويين بلغت أعمارهم أحد الأجلين في الوظيفة ويعيشون في الأرياف، وأعرف بعضهم فكيف نصدق أنهم مرقمين لدى الدفاع أو الأمن..؟؟ وليس لهم بالعسكرة أو المشاركة في الحرب، بينما المزدوجين فعليًا لم تنزل أسماؤهم إلا القليل...؟؟".

تأتي هذه الخطوة ضمن حزمة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليمنية المعترف بها في إطار الإصلاحات المالية والإدارية، بهدف إنهاء حالات الازدواج الوظيفي وضبط قوائم المستحقين للرواتب الشهرية، وضمن التعهدات التي قطعها الجانب الحكومي للمانحين في سبيل مواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها الحكومة منذ منع الحوثيين تصدير النفط ومهاجمة موانئه، ما أفقد الجانب الحكومي أهم الموارد العامة.

 

إصلاحات ضرورية

 

في ظل التدهور الاقتصادي المتسارع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، يعتقد اقتصاديون أن الإجراءات الصارمة لمعالجة مشكلة الإزدواج الوظيفي يمكن أن تساهم في تحسين الأداء الحكومي، وإصلاح نظام المرتبات من خلال توفير الموارد المالية المهدرة وتركيزها على الموظفين الفاعلين.. الأمر الذي يضمن توزيعاً عادلاً للموارد وتحسين الأوضاع المعيشية للموظفين، وتعزيز ثقة اليمنيين بدور الحكومة.

ويؤيد الكاتب والباحث اليمني، عبدالوهاب بحيبح، قرار منع الازدواج الوظيفي ومعالجة هذا الملف، لكنه في المقابل يشدد على ضرورة أن تسبق هذه الخطوة معالجات حقيقية، مثل وضع حد أدنى للأجور، بمعنى تحديد حد للرواتب يكفل حياة كريمة للموظف، يتم تحديده بعملة الدولار وتُصرف بالريال اليمني في ظل تدهور العملة.

وحسب بحيبح فإنه يجب أيضًا منع الازدواج الوظيفي لمن هم في الحكومة ويتقاضون إعاشة أو رواتب من وزارة الخارجية أو أي جهات أخرى أو يحصلون على امتيازات، فهناك من يشغل أكثر من منصب سيادي.

ويشير الكاتب بحيبح إلى أنه في ظل الأوضاع الحالية لو كان لدى المواطن اليمني خمس وظائف بالراتب الحالي لكل وظيفة، لما كفته لسد احتياجات أسرته، لذلك يجب أن تقابل معالجة الازدواج الوظيفي بوضع حد أدنى للأجور.

وبالتالي فإن الإزدواج الوظيفي ليس ظاهرة جديدة باليمن، لكنه بات مشكلة تستوجب التدخل العاجل، فمع تراجع الاقتصاد اليمني وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، أصبح من الضروري تحسين كفاءة الإنفاق العام وتوجيه الموارد بشكل أمثل؛ إذ تسعى الحكومة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة بالتعاون مع الجهات الدولية المانحة، والتي تشترط ضبط الاختلالات الوظيفية كجزء من هذه الإصلاحات.

ورغم التحديات التي تواجه معالجة الإزدواج الوظيفي، إلا أن هذه الخطوة تعد ضرورة ملحة لتحقيق إصلاحات شاملة وتحسين كفاءة العمل الحكومي وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، فالإجراءات التي تسعى الحكومة لاتخاذها يمكن أن تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للموظفين وتحقيق العدالة والشفافية في النظام الوظيفي.