يبدو أن الوضع في محافظة البيضاء يتجه إلى توسيع دائرة التصعيد المسلح في ظل استمرار حشد جماعة الحوثي لمقاتليها باتجاه قرية "حنكة آل مسعود" واحتشاد المقاتلين القبليين إلى جانب أبناء القرية عقب فشل الوساطة في احتواء التصعيد.
ومع كل حملة مسلحة يشنها الحوثيون على قرى ومناطق المحافظة، يظهر الموقف الشعبي إلى جانب قبائل البيضاء، في دلالة واضحة على وجود جذوة نار تنبعث من تحت الرماد الذي خلفته 10 عشر سنوات من الحرب دفع ثمنها الشعب اليمني على كافة المستويات.
هذه المعادلة المعقدة ظلت تكوَّن رفض شعبي يبرز في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، كلما سنحت فرصة للمقاومة في ظل ما بات يُسلط على المواطنين من بطش وجبروت الجماعة التي لا تعير بالا لحرمة الدم اليمني المسلم.
أهمية استراتيجية
تعرضت قبائل محافظة البيضاء للتنكيل والاستهداف المسلح عقب دخول جماعة الحوثي إلى العاصمة المختطفة صنعاء مباشرة، واستمرت منذ ذلك الحين الانتهاكات الممنهجة ضد أبناء المحافظة من قبل سلطات الجماعة.
وتنوعت هذه الانتهاكات بين التصفية الجسدية للشخصيات المؤثرة وتفجير المنازل واقتحام ومحاصرة القرى والمناطق التي أظهرت مقاومة ضدها إلى جانب الإبادة الثقافية التي تستهدف معتقدات وعادات سكان هذه المناطق.
وما يحدث اليوم في قرية "حنكة آل مسعود" في قيفة رداع، هو امتداد طبيعي للجرائم التي يما رسها الحوثيون بصورة مستمرة، وهذا الاستهداف الممنهج يأتي نظرا للأهمية الاستراتيجية التي تشكلها محافظة البيضاء.
وفي هذا الإطار يشير الصحفي والباحث اليمني همدان العليي، إلى أن الأهمية الاستراتيجية لمحافظة تتمثل في كونها تتوسط جغرافية الجمهورية اليمنية، وتتصل بحدود مع 8 محافظات شمالية وجنوبية.
وفي حديثه لـ"المجهر" يقول الباحث العليي في حال حدثت ثورة شعبية وتم دحر الحوثي في محافظة البيضاء، سواء عبر ثورة شعبية أو من خلال قوات الجيش اليمني، فإن ذلك سيكون بداية النهاية لجماعة الحوثي نظراً للأهمية الاستراتيجية للمحافظة.
ولدى سكان محافظة البيضاء تركيبتهم الثقافية الخاصة التي لا تتوافق مع مشروع جماعة الحوثي الطائفي، وهو ما دفع الحوثيون للتحريض ضد أبناء المحافظة باستخدام مصطلحات طائفية وعنصرية وعرقية، الأمر الذي يدل على مخاوف الجماعة تجاه الرفض المجتمعي تجاهها من قبل أبناء البيضاء.
استعراض حوثي
تدرك جماعة الحوثي جيداً بأن اليمنيين في مناطق سيطرتها يتحينون الفرصة المناسبة للانقضاض على عناصرها، وبطبيعة الحال هذا يجعل الحوثيون يحرصون على عدم إظهار أي ضعف أيا كان في هذه المناطق.
ويفهم الحوثيون أن أي ضعف أو تراخي تجاه أي رده فعل شعبية تستهدف قوتهم، هو مؤشر للسماح ببداية ثورة ضد مشروعه الطائفي، وهو ما يجعل يستخدم القوة المفرطة للتعامل مع أي مظهر من مظاهر المعارضة سواء بالرصاصة أو بالكلمة.
يقول الصحفي والباحث اليمني همدان العليي، أن هذه المخاوف لدى جماعة الحوثي جعلتها بشن حملات الاختطافات شخصيات اجتماعية وموظفين وناشطين، على ذمة حديث في المجالس أو نشر في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويوضح العليي في حديثه لـ"المجهر" أن الحوثيين يظهرون بين وقت وآخر للاستعراض بالقبض على خلايا تجسسية وهم في الأساس ضحايا حملات الاختطافات التعسفية التي تنفذها الجماعة.
ويهدف الحوثيون من خلال ذلك إلى إرهاب المواطنين، وزرع معتقد في قلوبهم بأن الجماعة تستطيع مراقبة كل شيء يحدث في نطاق سيطرتها وتمارس بذلك الخداع مع عامة الناس.
وبتلك الممارسات يعتقد الحوثيون أنهم سيجبرون المواطنين على الصمت والتسليم بسلطتهم كأمر واقع وعدم مقاومتها كنتيجة طبيعة لحالة الظلم والقهر الذي يجدونه من قيادات وعناصر الجماعة منذ عشر سنوات.
مبررات الجريمة
تحرص جماعة الحوثي على تقديم نفسها كدولة لا يجب الخروج عن سلطتها مع كل جريمة ترتكبها ضد أبناء الشعب اليمني في مناطق سيطرتها، في مغالطات لتبرير استخدام القوة المفرطة ضد المواطن بدءاً بزراعة الألغام وتفجير المنازل وتصفية المواطنين وقصف المدن بالقذائف والمسيرات.
ويرى نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة عبدالملك المخلافي، أن الجرائم التي يرتكبها الحوثيون في قرية "حنكة آل مسعود" في قيفة بمحافظة البيضاء " تكشف الطبيعة الإرهابية للجماعة المعادية لليمنيين وللسلام والمصالحة الوطنية".
ويضيف المخلافي في منشور له على منصة "إكس" إن الجماعة لم تنجح في تغطية جرائمها وانتهاكاتها بادعاء مناصرة غزة في مواجهة العدو الصهيوني، طالما والحوثي يصنع مظلومية جديدة للشعب اليمني ويزرع العداوة بين أبنائه.
من جهته يقول وزير الأوقاف والإرشاد اليمني محمد بن عيضة شبيبة، في حسابة على "إكس" إن جماعة الحوثي توغل في دماء اليمنيين وتزداد إرهابًا وغطرسةً وإجرامًا بحق المواطنين كلما لمست رغبةً دولية وإقليمية في تحقيق السلام في اليمن المثخن بالحرب والآلام.
أما سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) محمد جميح يؤكد على إن جماعة الحوثي ترتكب من الجرائم ضد اليمنيين في بلاد قيفة ما يرتكبه الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
ولكي يغطي الحوثيون على جرائمهم الإرهابية ضد اليمنيين يرسلون صواريخهم إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي يستفيد من صواريخ الحوثي، للتغطية على جرائمه ضد الفلسطينيين، وهكذا يتخادم الطرفان. وفقا لحديث جميح في تدوينة له على منصة "إكس".
انتهاكات متسلسلة
يمكن أن نصف ما يجري في قرية "حنكة آل مسعود" بقيفة رداع، بالحرب الخامسة على محافظة البيضاء التي تقودها جماعة الحوثي لإخماد المقاومة الشعبية التي تواجهها من قبل أبناء قبائل المحافظة.
يقول الصحفي المتخصص في الشؤون العسكرية عدنان الجبرني، إن الحروب الحوثية ضد أبناء محافظة البيضاء بدأت في العام 2014م إثر الانقلاب على مؤسسات الدولة في العاصمة المختطفة صنعاء وتوجهه فوراً لتقديم خدماته للخارج بمسمى "مواجهة الإرهاب".
وتطرق الجبرني في تدوينة له على "إكس" إلى أن الحوثيين الذي لا يزالون حتى اليوم يتظلمون بقصة (الحروب الست) بينما هم الآن يفعل مثلها في كل محافظة ومديرية وبشكل وحشي غير مسبوق، ولكنه يراهن على طمس كل حرب بأخرى، ونسيان الناس وخداعهم بالشعارات الكبرى.
وفي كل مرة يرفع الحوثي شعار التكفيريين والقاعدة وداعش، ويتجه لحصار وقتل وتفجير منازل المواطنين وأبناء القبائل ويلاحقهم. بينما في الحقيقة وبشهادة كل العالم: الحوثي يرعى العناصر الفعلية في هذه التنظيمات التي يدعي محاربتها ويتخادم معها، وهذه الحروب كلها هي ضد الناس ممن لم يخضعوا للجماعة ويرفضون مشرفيه ومحاضريه الثقافيين. كما يرى الصحفي الجبرني.
وطوال العشر السنوات الماضية، شنت جماعة الحوثي حربا ضد الزوَب، وحمة صرار، وولد ربيع/ وحي الحفرة، وقرية حنكة مسعود.. وغيرها، بحسب الجبرني الذي يشير إلى أن كل هذه الحروب غاشمة وتحتاج إلى توثيق لتسميتها كحروب متسلسلة ضد هذه المحافظة وتخليدها، وتفنيد دعاية الحوثي والتمييز بين ما يدعيه وبين الواقع.
امتداد لنهج العنف
تواصل جماعة الحوثي، هجوماً عشوائيا على منازل المواطنين في قرية "حنكة آل مسعود" عقب محاصرتها لأكثر من أسبوع، الأمر الذي أدى إلى اشتباكات عنيفة بين عناصر الجماعة ورجال القبائل.
واستخدمت عناصر الجماعة أسلحة من العيار المتوسط والثقيل بما فيها الدبابات، بالإضافة إلى استخدامها للطيران المسير في قصفها منازل المواطنين، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المواطنين بينهم نساء، واحتراق وتدمير عدد من المنازل، فيما لا يزال الحوثيون يحاصرون القرية ويمنعون إسعاف الجرحى.
وذكرت مصادر قبلية لـ"المجهر" إن جماعة الحوثي أرسلت، اليوم الأحد، تعزيزات عسكرية إلى مدينة رداع قادمة من العاصمة المختطفة صنعاء ومن المتوقع أن تتوجه إلى بلاد آل مسعود في مديرية القريشية لتعزيز الحملة الحوثية التي تحاصر المنطقة.
وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها، أكدت أن هذه "الجريمة ترقى الى جريمة حرب وتعكس الطبيعة الإجرامية لمليشيا الحوثي التي لا تتورع عن استهداف المدنيين الأبرياء دون تمييز".
ومن جهتها أدانت 115 منظمة محلية جرائم الحوثيين بحق المدنيين في قيفة رداع، ما اعتبرته انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأكدت المنظمات أن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق المدنيين تؤكد دوماً بأن الجماعة لا تكترث لأي عملية سلام ولا تلتزم بأي اتفاقيات، وأنها مستمرة في ممارسة جرائم القتل والتنكيل بالمدنيين.
وفي بيان لها قالت الأحزاب والتنظيمات السياسية بمحافظة البيضاء إن الجريمة المروعة التي ترتكبها جماعة الحوثي في قرية "حنكة آل مسعود" ما هي إلا واحدة من جرائم جماعة الحوثي الإرهابية في حق أبناء محافظة البيضاء وامتداد لنهج وسلوك الجماعة الدموي في كل ربوع اليمن كما أنها تجسيد حقيقي لطبيعة هذه الجماعة".
كما دعت الأحزاب السياسية بكافة منظمات المجتمع المدني والناشطين بتوثيق تلك الانتهاكات باعتبارها جرائم ترتكب بحق الأبرياء من النساء والأطفال، وهي جرائم تتنافى مع مبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان.