الحوثيون "منظمة إرهابية".. ماذا يعني القرار لليمن والمنطقة؟ (تقرير خاص)

الحوثيون "منظمة إرهابية".. ماذا يعني القرار لليمن والمنطقة؟ (تقرير خاص)

مع بدء سريان القرار الأمريكي الخاص بتصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، تتباين التوقعات بين من يرى في القرار خطوة حاسمة لتقويض نفوذ الجماعة، وبين من يُحذر من انعكاساته على الأوضاع الإنسانية وتعقيد المشهد في اليمن، وسط تساؤلات كثيرة حول ما إذا كان قرار التصنيف سيؤدي إلى تقويض نفوذ الحوثيين فعليًا، أم أنه سيكون مجرد ورقة ضغط إضافية لن تغير موازين الصراع على الأرض؟.

وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا إعادة إدراج جماعة الحوثيين في اليمن إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وفقًا لما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، موضحًا أن القرار يتماشى مع المرسوم الرئاسي الذي وقعه سابقًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

واعتبرت واشنطن أن تصنيف الحوثيين مجددًا خطوة ضرورية لحماية مصالحها الأمنية وسلامة المواطنين الأمريكيين، مشيرةً إلى أن أنشطة الجماعة تُهدد أمن المدنيين والقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، كما تُعرّض استقرار التجارة البحرية للخطر، خاصة بعد تنفيذ الحوثيين مئات الهجمات ضد السفن التجارية منذ أواخر العام 2023.

وأكد بيان الخارجية الأمريكية أن الجماعة امتنعت عن استهداف السفن التي ترفع العلم الصيني، بينما ركزت على السفن الأمريكية وحلفائها، ما دفع واشنطن إلى التشديد على أنها لن تتسامح مع أي دولة تتعامل مع الحوثيين تحت غطاء الأنشطة التجارية المشروعة.. كما أعلن برنامج مكافآت العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية عن مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تعطيل تمويل الجماعة.

ورحبت الحكومة اليمنية بالقرار الأمريكي، معتبرةً أنه يمثل خطوة مهمة لمواجهة التهديدات التي تشكلها الجماعة المدعومة من إيران. وأكدت أن القرار يساعد في الحد من الدعم المالي والعسكري الذي تحصل عليه الجماعة، داعيةً المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات مماثلة لتجفيف مصادر تمويل الحوثيين وتعزيز الجهود الهادفة إلى استعادة الاستقرار في اليمن.

كما أعربت الحكومة اليمنية عن شكرها للولايات المتحدة على التزامها بدعم مجلس القيادة الرئاسي والشعب اليمني في سعيه لإحلال السلام، مؤكدة استعدادها للتعاون الكامل مع الشركاء الدوليين لضمان تنفيذ القرار بطريقة تعزز الأمن والسلام في المنطقة.

قيود غير كافية

يرى سياسيون بأن قرار إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية سيحد من التحركات السياسية بالنسبة للجماعة المدعومة إيرانيًا.. ويؤكد الباحث السياسي همدان العليي بأن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية سيؤثر بشكل كبير على تحركاتهم السياسية على المستوى الدولي، لكنه لن يكون كافيًا لمنع وصول السلاح إليهم، نظرًا لامتلاك الجماعة أساليبها الخاصة في تجاوز القيود المفروضة على التهريب.

وأضاف العليي لـ "المجهر": "أعتقد أن هذه القيود ستكون ناجحة مع الأساليب المعروفة لإدخال السلاح، لكن عملية التهريب غير مكشوفة ووسائل تهريب السلاح في العادة غير واضحة.. الحوثيون تمكنوا من الحصول على الأسلحة بطرق غير تقليدية منذ اندلاع الحرب في 2014، ما يجعل القيود المفروضة غير كافية بشكل كامل لوقف تدفق السلاح إلى الجماعة الحوثية".

وأوضح بأن القرار الأمريكي من شأنه أن يعيق تنقلات عناصر الحوثيين الذين ينشطون على المستوى السياسي، مما قد يؤدي إلى تقييد أنشطتهم الدبلوماسية وتواصلهم مع بعض الجهات الخارجية؛ لكنه في المقابل، حذّر من احتمال لجوء الحوثيين إلى التصعيد العسكري، عبر تنفيذ هجمات ضد المناطق المحررة أو استهداف مواقع استراتيجية، في محاولة لفرض أنفسهم كأمر واقع وإجبار المجتمع الدولي على التعامل معهم، كما حدث مع بعض الجماعات المسلحة الأخرى التي تم تصنيفها إرهابية في مناطق مختلفة من العالم.

وأشار العليي إلى أن المجتمع الدولي سبق وأن تعامل مع منظمات مصنفة إرهابية عندما فرضت نفسها بالقوة، ما قد يشجع الحوثيين على تصعيد عملياتهم في سبيل تحقيق مكاسب سياسية. كما يؤكد: "من المحتمل أن تهرب جماعة الحوثي إلى الأمام خطوة من خلال العمل على تنفيذ هجمات على مأرب حرصًا منها على السيطرة على صافر أو استهداف المخاء أو مدينة تعز، أو أي منطقة من مناطق الحكومة اليمنية بهدف إجبار المجتمع الدولي على الاعتراف بها باعتبارها أمر واقع، وهي تسير بهذه الطريقة وتنظر تلى المسألة من هذا الجانب".

عُزلة اقتصادية

في ظل هذه التطورات، يعتقد كثيرون أن هذا القرار يعد ورقة ضغط لتعزيز الموقف الدولي والإقليمي ضد الجماعة الحوثية، إلا أن تداعياته ربما تتجاوز البعد السياسي لتشمل الجوانب الاقتصادية، فضلًا عن تأثيره المحتمل على جهود التسوية السياسية ومسار السلام.. الأمر الذي يستدعي جهودًا متوازنة لضمان عدم تفاقم الأوضاع الإنسانية أكثر مما هي عليه اليوم.

ويهدد التصنيف بفرض مزيد من العزلة الاقتصادية على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خاصة مع فرض قيود صارمة على التحويلات المالية والتعاملات المصرفية، وهذا قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في تلك المناطق، حيث يعتمد ملايين السكان على المساعدات الدولية التي قد تتأثر بالعقوبات أيضًا، إضافة إلى أن القطاع الخاص في مناطق الحوثي قد يواجه تحديات جديدة، نظرًا لتعقيد المعاملات المصرفية وإحجام الشركات الأجنبية عن التعامل مع كيانات مرتبطة بالجماعة.

وفي حديثه لـ "المجهر"، يؤكد مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات الاقتصادية، أن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية سيكون له تأثيرات كبيرة على الأنشطة الاقتصادية في مناطق سيطرتهم، حيث ستزداد العزلة الاقتصادية وستُفرض شروط وإجراءات مشددة على عملية التحويلات المالية، ما سيعرض النشاطين الاقتصادي والمصرفي لمخاطر كبيرة، قد تشمل عقوبات مفاجئة في أي لحظة.

ويوضح نصر: "هناك فرق بين الضرر الذي قد يلحق بأفراد جماعة الحوثي وبين التأثير الاقتصادي العام على المناطق الخاضعة لهم"، مؤكدًا أن التأثير سيكون واسع النطاق. ويشير إلى أن البنوك العالمية والقطاع المصرفي الدولي يتجنبون المخاطر في التعامل مع المناطق المصنفة على أنها بؤر تهديد، مما قد يدفعهم إلى فرض شروط صارمة على التعاملات المالية، مثل الاعتمادات المستندية والتحويلات.

ويستطرد نصر قائلًا إن هذه القيود لن تؤثر فقط على مناطق الحوثيين، بل قد تمتد إلى اليمن ككل، مما يستدعي استجابة سريعة وإجراءات واضحة من قبل البنك المركزي في عدن وكذلك الحكومة اليمنية للحيلولة دون تأثير هذه التطورات على الاستيراد والوضع الاقتصادي العام. 

وتوقع نصر أن تدخل مناطق الحوثيين في مزيد من العزلة خلال المرحلة المقبلة، إلا أن التأثير المباشر على الجماعة وأفرادها قد لا يكون كبيرًا، نظرًا لقدرتهم على استخدام واجهات تجارية وأسماء غير رسمية لتمويل أنشطتهم، لافتًا إلى أن مدى تأثير هذه الإجراءات يعتمد على جدية الإدارة الأمريكية ودول الإقليم في تتبع الشبكات المالية التابعة للحوثيين وفرض عقوبات فعالة عليها.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن هذا القرار سيغلق مناطق الحوثيين أمام التعامل مع النظام المالي العالمي، مما سيدفع الشركات والمصارف إلى الابتعاد عن أي تعاملات مع هذه المناطق لتجنب المخاطر المحتملة، مؤكدًا أن "البنوك مجبرة على الانتقال من مناطق الحوثيين والابتعاد عن التعامل مع الجماعة إذا أرادت التواصل مع العالم، لأنها قد تواجه المصير ذاته الذي واجهه بنك اليمن والكويت".

عرقلة السلام

يمثل قرار تصنيف الحوثيين تحديًا لمساعي الأمم المتحدة والمبعوثين الدوليين لإحياء مفاوضات السلام، حيث قد يرى الحوثيون أنهم مستهدفون بشكل مباشر مما يدفعهم نحو مزيد من التشدد في مواقفهم التفاوضية؛ بالمقابل، قد تستخدم الحكومة اليمنية التصنيف كورقة ضغط للحصول على تنازلات من الجماعة في أي عملية تفاوضية مستقبلية.

وحسب مراقبين فإن نجاح هذا القرار في إحداث تغيير في المشهد اليمني يعتمد على مدى جدية تنفيذه واستمراريته، إذ أن العقوبات الاقتصادية وحدها قد لا تكون كافية للضغط على الحوثيين، ما لم تترافق مع تحركات سياسية ودبلوماسية تساهم في إضعاف نفوذهم، كما أن قدرة الحوثيين على الالتفاف على القيود المالية ستظل عاملاً حاسمًا في تحديد مدى تأثير القرار عليهم.

وقد يؤدي القرار إلى تصعيد إضافي في العمليات القتالية، حيث قد تسعى الجماعة الحوثية إلى إثبات قدرتها على الاستمرار رغم الضغوط، وهو ما قد يترجم إلى هجمات متزايدة على مواقع الحكومة الشرعية أو أهداف اقتصادية في المناطق المحررة، خصوصًا في مأرب والحديدة وتعز، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية تحقيق أي تقدم في ملف السلام خلال المرحلة المقبلة.

ردود اليمنيين

دخول قرار تصنيف الإدارة الأمريكية لجماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية، مرحلة التنفيذ رسميًا أحدث ضجة واسعة بين اليمنيين، حيث تفاعل العديد من المسؤولين والكتاب والصحفيين مع هذا القرار الذي وصفوه بالخطوة الحاسمة في مواجهة الإرهاب الحوثي، فعلى مدار السنوات، أكد اليمنيون أن الحوثيين ليسوا مجرد جماعة تمارس الإرهاب المحلي، بل يشكلون تهديدًا مستمرًا للأمن الدولي.

وفي هذا السياق، رصد موقع "المجهر" العديد من تغريدات اليمنيين في منصة إكس، حيث يقول عبدالباسط القاعدي، وكيل وزارة الإعلام: "إعلان الإدارة الأمريكية بتصنيف مليشيا الحوثي جماعة إرهابية تأكيد لقناعة الشعب اليمني حول هذه العصابة منذ نشوئها. إرهاب الحوثي وصل كل بيت يمني وأي قرار دولي بتصنيف مليشيا الحوثي جماعة إرهابية هو تأكيد المؤكد".

وعلق الكاتب والباحث السياسي عبدالله إسماعيل: "تتطابق جرائم تنظيم ‎الحوثي الإرهابي وتنظيمي داعش والقاعدة.. جرائم (قتل، وتفجير، وتهجير، وحصار) في صورة واضحة من الارتباط والتنسيق فيما بينها، فمصدر التمويل والتشغيل إيران".

فيما يوضح د. محمد جميح، سفير اليمن في اليونسكو بقوله: "سيتعين على العواصم التي يتواجد بها قيادات حوثية مصنفة على قوائم الإرهاب أن تتعاطى مع قرار التصنيف.. هناك شركات نفط، ومكاتب تصدير واستيراد وقنوات تلفزيونية تملكها قيادات في جماعة الحوثي.. من حق ومن واجب الحكومة اليمنية أن تتخاطب مع هذه العواصم بشأن العصب المالي والصوت الدعائي لهذه الجماعة التي ارتكبت من الأعمال الإجرامية ما لا يمكن وصفه".

وتساءل عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، عبدالوهاب الحميقاني: "إذا كان قرار ترمب بتصنيف عدد من القيادات قد أرعب الحوثيين، فماذا سيكون واقعهم إذا اتخذ القرار العسكري للقضاء عليهم؟.. لذا نؤكد للجميع الحوثي أضعف مما تتصورون ولكنه يعيش على الإرهاب والعنف وجلب الصراعات والحروب وتغاضي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن جرائمه".

ويرى صالح البيضاني، المستشار الإعلامي للسفارة اليمنية في الرياض أن "دخول تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية حيز التنفيذ وتحذير واشنطن أنها لن تتساهل مع أي طرف يتعامل مع هذه الجماعة الإرهابية منعطف جديد في مسار الملف اليمني وبداية حقيقية وجادة لتجفيف مصادر تمويل هذه الجماعة ماليا ولوجستيا والحد من نشاطها السياسي".

ويؤكد الباحث الأكاديمي، د. حسن محمد القطوي في تغريدة على منصة إكس: "‏لم يعد أمام قيادات الحوثي الإرهابية سوى طريقين: إما مواجهة مصيرهم كإرهابيين مطلوبين دوليًا، أو الاستمرار في الهروب حتى النهاية. لم يعد العالم يتسامح مع مشاريع الدمار، والحوثي اليوم في مرحلة الانهيار الحتمي.. الأدوات الاقتصادية للحوثي، من شركات غسيل الأموال إلى شبكات تهريب النفط والسلاح، كانت شريان حياة للإرهاب في اليمن. اليوم، مع تصنيفها إرهابية، تنهار مصادر تمويلهم، وتضيق خياراتهم. إنها ضربة قاصمة لمشروع إيران في المنطقة".