خرج البنك المركزي التابع للحوثيين في صنعاء، مؤخراً، ببيان يهدد فيه المملكة العربية السعودية ويحمّلها مسؤولية تبعات تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويأتي ذلك في محاولة الجماعة لمنع البنوك التجارية من نقل مراكزها إلى العاصمة المؤقتة عدن، مستخدماً ورقة ابتزاز سياسي للضغط على الجانب السعودي، نجح في استخدامها سابقاً، من أجل تخفيف حدة العقوبات الأمريكية التي تهدف إلى خنق الحوثي اقتصادياً بحسب مراقبين.
وذلك فقد اعتبرت جماعة الحوثي أن أي خطوات تستهدف القطاع المصرفي في مناطق سيطرتها هو إخلال صريح باتفاق الهدنة وانقلابا مباشرا على التفاهمات السابقة، محملة النظام السعودي تبعات ذلك، ومتحاشية الحديث عن الدور الأمريكي الرئيسي وراء ذلك.
وكان محافظ بنك صنعاء المركزي (غير المعترف به) قد حاول الضغط على رؤساء مجالس البنوك لإجبارهم على نفي إعلان نقل مراكزها إلى عدن، وبعد فشله في إقناعهم بالتراجع لجأ إلى منع موظفي البنوك من السفر إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
خلط الأوراق
أعلن البنك المركزي اليمني في عدن، الاثنين الماضي، أسماء 8 بنوك قررت نقل مراكزها الرئيسية من العاصمة المختطفة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، عقب بلاغات كتابية تلاقها من البنوك بذلك.
وذكر البيان أن البنوك التي أعلنت قرار النقل هي (بنك التضامن، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، مصرف اليمن البحرين الشامل، البنك الإسلامي اليمني للتمويل والاستثمار، بنك سبأ الإسلامي، بنك اليمن والخليج، البنك التجاري اليمني، وبنك اليمن للتمويل الأصغر).
وجاء قرار نقل مقراتها إلى عدن تفادياً لوقوعها تحت طائلة العقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية بعد أن أعلنت البدء بتنفيذ قرار التصنيف لجماعة الحوثي جماعةً إرهابية دولية واتخاذ حزمة عقوبات اقتصادية تستهدف تحركات الحوثيين وأي جهة تتعاون معهم.
ويبدو أن هذه الخطوات جعل الحوثيون يلجؤون إلى التفكير بالرمي بكل الأوراق الانتحارية لتصعيد الوضع في المنطقة بما في ذلك تهديد السعودية والإمارات للضغط عليهم من أجل إعادة الوضع إلى ما قبل القرار الأمريكي.
ومع أن الحوثيين يدركون أن المخاوف لدى البنوك التي جعلتها تلجأ إلى اتخاذ خطوة نقل مقراتها إلى عدن هي نتيجة العقوبات الأمريكية ولا يتحمل الجانب السعودي والإماراتي وزرها، إلا أن الجماعة اتخذ ذلك كمبرر لتفجير الوضع والتلويح باستئناف الحرب كورقة أخيرة تحاول من خلالها المراهنة على القلق الإقليمي من استمرار التوتر في المنطقة.
تخبط اقتصادي
تتمسك سلطات الحوثيين برفض نقل مراكز البنوك إلى عدن، تجنباً منها لمخاطر الانهيار الكارثي جراء العقوبات الأمريكية التي بدت صارمة تجاه تحركات الجماعة، في حين تلجأ الجماعة إلى ابتزاز الجانب السعودي بدلاً من الأمريكيين.
ويرى المحلل الاقتصادي ماجد الداعري، أن لجوء الحوثيين إلى تحميل السعودية مسؤولية نقل البنوك إلى عدن يكشف مدى التخبط الاقتصادي الأعمى للجماعة عقب تصنيفهم كجماعة إرهابية أجنبية. كما أن ذلك يأتي إلى جانب ضغوط إضافية مع بدء موعد سريان العقوبات الاقتصادية على موانئ الحديدة، التي تتزامن مع قصف الطيران الأمريكي لمواقع الحوثيين بصورة غير مسبوقة.
ويبين الداعري في حديثه لـ"المجهر" أن الحوثيين يجهلون حجم المخاطر الاقتصادية الكارثية لاستمرار مراكز البنوك وعملياتها بصنعاء ويحاول الهروب باتجاه تحميل المسؤولية للجانب السعودي مع بدء سريان العقوبات الأمريكية. مشيراً إلى أن الحوثيين يتعمدون القضاء على تلك البنوك من خلال إصرارهم على استمرار هيمنتهم عليها، والسعي إلى إحلال بنوك جديدة تابعة لهم بدلاً عنها في المناطق التي تسيطر عليها.
ويتوقع المحلل ماجد الداعري، أن جماعة الحوثي ستقوم بتأسيس بنوك جيد على انقاض وودائع وأصول تلك البنوك التي قال إنها مختطفة في قبضتها الأمنية وبخزائن بنك صنعاء وفي كهوفهم.
استراتيجية دعائية
يذهب المحلل والخبير الاقتصادي فارس النجار، إلى فكرة أن لجوء الحوثيين إلى تحميل السعودية نقل مراكز البنوك إلى عدن، هو جزء من استراتيجية دعائية تعودت الجماعة على استخدامها في محاول للابتزاز وتحويل الأنظار للعب على العداء الإقليمي.
وذكر النجار في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي تهدف إلى عدة أشياء من خلال ذلك، ومنها استخدام شماعة السعودية لحشد الدعم الداخلي تحت مسمى مواجهة العدوان في ظل أي معركة تخوضها الجماعة. كما يسعى الحوثيون إلى ممارسة الضغط السياسي على الجانب السعودي بهدف تحريك وساطات للتخفيف وطأة الصرامة الأمريكية أو أي تحرك دولي يستهدفها. وفقا لحديث النجار.
ويضيف النجار، أن سلطات الحوثي تحاول التنصل من أي فشل اقتصادي وتحمل الأطراف الخارجية مسؤولية أي أزمات تلحق بها، كما هو الحال مع أزمة المشتقات النفطية التي تمر بها مناطق سيطرتها. وفي المجمل فأي إجراءات اقتصادية ستتخذها الولايات المتحدة ضد الجماعة، سيحولها الحوثيون إلى أزمات مفتعلة في مناطق سيطرتها للهروب من ضغط العقوبات عليها.
تخفيف العقوبات
يحاول الحوثيون كسر العزلة الدولية عن أنفسهم من خلال جذب التعاطف من بعض القوى التي ليس لديها اليوم رغبة في التصادم مع الجماعة، وبالتالي هم يأملون بتدخل الجانب السعودي في تخفيف حدة العقوبات المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية.
وفي هذا الإطار، يعتقد المحلل الاقتصادي اليمني فارس النجار، أن خيارات الحوثيين في مواجهة العقوبات الأمريكية باتت محدودة جداً، متوقعاً أن الجماعة ستحاول تعزيز الاقتصاد غير الرسمي المتمثل بالسوق السوداء، ويحولوه إلى الوسيلة الأكثر استخداماً من أجل السيطرة على التدفقات النقدية والتحكم في الاقتصاد بمناطق سيطرتهم.
ويبين النجار، أن الحوثيون أثبتوا نجاحهم في التحكم بالتدفقات النقدية خلال فترة الحرب، وهم اليوم مركزين على استغلالها، من خلال الشركات المختلفة التي انشأوها في مجال الصرافة والاستيراد والتصدير التي تعتبر بالنسبة لهم اقتصاد غير رسمي يعتمدون عليه، مشيراً إلى أن ذلك يستوجب ضرورة تحديد أسماء الشركات والقيادات الحوثية التي تقف خلفها، من أجل مراقبتها وإصدار العقوبات بحقها.
ويتوقع أن الحوثيون سيحاولون التواصل مع الخارج عبر شبكاتهم المختلفة المرتبطة بشركات وكيانات غير يمنية، وتكثيف القنوات المالية معهم سواء فيما يتعلق بعمليات التهريب أو غسيل الأموال. كما أن جماعة الحوثي لجأت كذلك إلى تكثيف حملات الجبايات على القطاع الخاص والمواطنين في مناطق سيطرتها لتعويض أي نقص في الإيرادات نتيجة العقوبات المفروضة عليها.
إلى ذلك، لن يسلم القطاع المصرفي من تسلط جماعة الحوثيين عقب العقوبات الأمريكية، ولذلك ستسعى الجماعة إلى تضييق الخناق والابتزاز الذي يمكن أن تتعرض له البنوك التجارية قبل نقل مراكزها عبر فرض مبالغ مالية طائلة عليها.
ويعتقد المحلل الاقتصادي فارس النجار، أن جماعة الحوثي ستخلق حالة من الأزمة المالية لدى الشبكات المالية غير التابعة لها في عملية تحويل الأموال من الداخل إلى الخارج، بالرغم من أن ذلك لا يصب في صالح الجماعة كونه سيثير حالة سخط واسعة لدى المواطنين.
انعكاسات اقتصادية
من المتوقع أن يتم مراقبة الأصول التابعة لقيادات جماعة الحوثي وتجميدها، وما يترتب على ذلك من عملية خنق للتعاملات المالية والمصرفية عبر الكيانات التابعة للجماعة في مناطق سيطرتها.
ويشير المحلل الاقتصادي فارس النجار، أن الاستخبارات الأمريكية حريصة اليوم في تتبع الأفراد والكيانات التابعة للحوثيين، معتقداً أن ذلك سيتسبب بشحة العملات الأجنبية بدرجة كبيرة نتيجة انخفاض تدفقها إلى مناطق سيطرة الجماعة مما يؤدي إلى حصول ركود اقتصادي في تلك المناطق.
وذكر أن ذلك من شأنه أن يؤثر على سعر صرف العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الحوثيين، إلا أنهم سيحاولون فرض القوة الجبرية على القطاع المصرفي لتثبيت سعر الصرف للتظاهر بالصمود، موضحاً أن ذلك سينعكس سلباً على الاقتصاد الداخلي في زيادة حالة الركود.
وخلص النجار إلى القول إن الحوثيين يقفون اليوم أمام حائط اقتصادي مسدود، في حال تم تطبيق العقوبات الأمريكية بصرامة وبمواكبة سياسية واقتصادية من قبل الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية في آن واحد.
وأكد على أن هذه الإجراءات ستدفع جماعة الحوثي إلى التراجع، وبغض النظر عما إذا كان تراجعاً تكتيكياً ومحاولة المراوغة إلا أنه دون شك سيقلل من قدرتهم المالية والعسكرية، وسيجبرهم على إعادة النظر والدخول جدياً في مسارات السلام.
أبعاد سياسية
يدرك الحوثيون أن من الصعب الاستمرار بأي عملية تفاوض دولي مباشر معهم بعد التصنيف الأمريكي لهم كمنظمة إرهابية، سواء مع المنظمات الدولية أو بعض الدول لا سيما المملكة العربية السعودية.
ويبين النجار، أن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية سيعيق عملية التفاوض معهم، بالرغم من أن بعض الدول تلجأ أحيانا إلى التفاوض مع منظمات إرهابية كما حصل مع تنظيم القاعدة وطالبان سابقاً. كما أن ذلك سيضيق الخناق في التعامل الدول والمنظمات والكيانات التي لها ارتباط بقيادات الحوثيين، وستقوم بإعادة النظر في تعاملاتها، ويؤكد النجار على أن ذلك سيعزز من دور الحكومة الشرعية.
ويتوقع فارس النجار، أن الفرصة اليوم صارت كبيرة أمام تحالف دعم الشرعية والقوى المنطوية داخل مجلس القيادة الرئاسي لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض بالتنسيق مع الجانب الأمريكي.
تابع المجهر نت على X